مهندس سوداني يكشف أسرار تنشر لأول مرة عن ملحمة وتاريخ البترول
البترول… التاريخ المنسي
قرأت للدكتور مصطفى نوارى حديثا احسب انه يريد أن يوثق لصناعة البترول فى السودان. وأود فى هذه العجالة ان ادلو بدلوى وان أوثق لأحداث ومواقف لفترة مسكوت عنها وذلك رغم تباعد الزمن عنها لاكثر من ربع قرن الا انها مما لا تتجاوزه الذاكرة. ساحاول ان اقف وقفات عجلات …. فإن فاتنى امر او أشكل علي، فمعذرة الى الله ثم اليكم. وهذه مدعاة لآخرين للأدلاء بدلائهم استدراكا وتصويبا وتكملة لزواياهم التى عايشوها بانفسهم علما بأن كل الذين سيرد ذكرهم شخوص احياء.
إلتحقت بقطاع البترول العام ١٩٨٣م مهندسا الكترونيا بخط انابيب منتجات البترول وتدرجت الى ان وصلت رئيسا لقسم الكهرباء بمحطة هيا ثم محطة الشجرة. بعدها اغتربت مديرا لمشروع أتمتة آبار حقول المياه الجوفية قليلة الملوحة – ال SCADA System بدائرة المياه بوزارة الكهرباء والماء بدولة الكويت. عدت فى نهاية العام ١٩٩٠م الى موقعى ثم انتدبت الى رئاسة وزارة الطاقة والتعدين.
كنت شاهدا على الفترة ما بين العام ١٩٩١م وحتى ١٩٩٤م وهى الفترة التى عاش السودان فيها ملحمة البترول، كنت حينها رئيسا لقطاع الطاقة بالجهاز الفنى لوزارة الطاقة والتعدين وفى ذات الوقت المدير التنفيذى للمكتب الوزارى للوزارة.
عاصرت ملحمة استعادة السودان لحقوق التنقيب على البترول وتخلى شركة شيفرون الأمريكية عن الامتياز Concession Relinquishment لمساحة تبلغ 42 اثنين وأربعين مليون فدان (177الف كم مربع) وكنت حينها لصيقا بالمهمة وامينا على اسرارها، بحكم موقعى كمدير تنفيذي، و التى كان العمل فيها فى دائرة محدودة جدا تتكون من وزير الطاقة والتعدين الدكتور عثمان عبدالوهاب احمد والوزير السابق له الباشمهندس عبدالمنعم خوجلى ووزير المالية عبدالرحيم حمدى ورئيس جهاز الاستثمار الدكتور على الحاج محمد ومدير عام المؤسسة العامة للبترول الدكتور عبدالرحمن عثمان عبدالرحمن بجانب قلة من المهنيين كالجيولوجى محمد المبارك امام وآخرين. ظلت الوزارة لمدة طويلة، حتى قبل الانقاذ، تطالب شيفرون بالعمل او بالتخلي عن الامتياز ولكنها ماطلت عن طريق طلبات التجديد لشراء الوقت مع تناقص مساحتها الى ان.
كانت ضربة البداية عندما يئست شيفرون من السودان وأحسب أن لعابها قد سال فى اتجاه بحيرات الذهب الأسود “الخديعة” فى جمهوريات السوفيات المتفككة حديثا آنئذ. التقطت المجموعة آنفة الذكر قفاز الفرصة من إشارة من شيفرون الى رغبتها فى التخلى عن الامتياز لحكومة السودان شريطة أن يكون عن طريق طرف ثالث لتستفيد شيفرون من الإعفاء الضريبى فى هكذا حالة حسب القوانين الامريكية.
جرت اجتماعات بين المجموعة او من تفوضه من بينها فى مدينة لندن وغيرها حتى تم الاتفاق على طريقة التخلى بحيث يتم التفاوض على السعر مع من تختاره حكومة السودان كطرف ثالث.
تم تنوير القيادة آنذاك بما تم التوصل إليه وبدأت عملية البحث عن شخص موثوق ليمثل دور الطرف الثالث وتقدم على ما اذكر ثلاثة مرشحين هم عثمان خالد مضوى، الطيب النص و محمد عبدالله جار النبى. وقع الاختيار على جار النبى لاعتبارات قدرتها القيادة. عادت الكرة لملعبنا للتنفيذ وفى هذه المرحلة تقلصت المجموعة الى ثلاثة هم الدكتور عثمان عبدالوهاب، على الحاج وعبدالرحيم حمدى والمحامى على النصرى لصياغة الاتفاق مع جار النبى مع قيام المدير التنفيذى بتنسيق أعمال المجموعة وأحكام التواصل والاتصال وابرام الاتفاق.
تمت عملية شراء الحكومة للامتياز عن طريق الوسيط شركة كونكورب المملوكة لجار النبى بمبلغ ٢٥ مليون دولار تسدد على ثلاثة اقساط نظير عمولة قدرها 10% خطها بيده كشرط عند توقيعه امامى بدلا عن ال 5% المذكورة فى العقد بجانب شروط أخرى ليست بذات أهمية وان كانت تعطيه أفضلية الاستثمار وفقا لشروط الحكومة. جرى بعد ذلك صراع بين جار النبى والحكومة عندما رفض جار النبى التخلى لحكومة السودان على الرغم من الاتفاق الموقع معه كوسيط وبشروط الحكومة التى قبلها بجانب الشروط التى خطها بيده امامى فى داره وهو فى طريقه إلى مقابلة شركة شيفرون فى مايو من العام ١٩٩٢م. ولكن على كل حال، آل الامتياز الى حكومة السودان فى أواسط العام ١٩٩٤م. وعندها، قرر عبدالرحيم حمدى باسم الحكومة دفع كامل المبلغ والذى اظنه فى حدود ال ١٩ مليون دولار. للتاريخ، دفعت حكومة السودان كامل مصاريف وتكلفة شراء الامتياز من اول مليون دولار والى آخر بنس من التكلفة، من مواردها او موارد علاقاتها الخيرة.
مصفاة ابو جابرة
تم استجلاب اول “مصفاة” بترول بطريقة شكلت حينها مغامرات جيمس بوند بواسطة شركة كونكورب وتحت رقابة الأجهزة الأمنية وتم تركيبها بطاقة تصميمية تبلغ الفين برميل وتنتج المصفاة النافتا جاز اويل والفيرنس. إحتفل السودان قاطبة بتدفق و تصفية اول خام بترول سودانى من حقل “ابو جابرة” و حقل شارف والذى يؤرخ بدوره لبداية عصر انتاج البترول فى السودان على أسس تجارية وتم افتتاح المصفاة وتدفق المنتجات على رئيس الجمهورية عمر البشير ووزير الطاقة والتعدين الدكتور عثمان عبدالوهاب وحشد كبير من رجالات المؤسسة العامة للبترول بقيادة الدكتور عبدالرحمن عثمان وكذا القائمين على “مشروع استخراج البترول” بجانب رجالات الحكومة والسودان.
أحداث متفرقة
بين استعادة الامتياز ومصفاة ابو جابرة وما بعدها تم إنشاء مشروع استخراج البترول. وضعت الخطط لتقسيم امتياز شيفرون الى مربعات استثمارية متعددة بجانب بقية مناطق السودان. تم وضع مسودة قانون الثروة النفطية. كما بدأ عدة مستثمرون اغلبهم أجانب يترددون على ذراع الوزارة المسؤل عن النفط وهى المؤسسة العامة للبترول بقيادة الدكتور عبدالرحمن … من هؤلاء المستثمرين عبدالرحمن من آرثر دى ليتل، شركة و لطف الرحمن خان صاحب شركة استيت بتروليوم الكندية و التى استحوذت عليها أراكس الكندية وشركة IPC الكندية و Lundin السويدية. بعد ذلك بدأ التفكير فى تكوين كونسورتيوم لتطوير الحقول وإنتاج البترول واستمر الامر فى عهد عضو مجلس قيادة الثورة الوزير صلاح محمد احمد كرار الذى غادرت الوزارة فى عهده فى أغسطس من العام ١٩٩٤م وانتهت علاقتى بقطاع البترول من حينها.
الدكتور عثمان عبدالوهاب … موقف للتاريخ
بعد تكليف جار النبى وانجازه المهمة، وفى حفل الغداء الذى اقامه السفير أحمد سليمان على شرف زيارة الشيخ الدكتور حسن الترابى لامريكا فى مايو ١٩٩٢م، كنت والدكتور عثمان عبد الوهاب فى المكتب فى انتظار مكالمة من جار النبى لمتابعة تطورات عملية شراء الامتياز، رن الهاتف وكان على الطرف الآخر جار النبى متحدثا الى الدكتور عثمان عبدالوهاب وفهمت من ردود دكتور عثمان مجرى سير الحوار والذى كان يدور حول ارسال تلكس الى شيفرون من طرف الوزير لتمكين جار النبى من حق التصرف المطلق فى الامتياز او شئ من هذا القبيل وبالحاح شديد من جار النبى ورفض أشد من دكتور عثمان. فجأة تحول الحديث إلى ترحيب بشخص آخر تبينت سريعا انه شيخ الترابى والذى واصل فى الإلحاح على دكتور عثمان لإرسال التلكس طالما أنه أمر شكلى نظرا للاتفاق المبرم مع جار النبى، ومن هنا يرد الدكتور عثمان عبدالوهاب بأن الأمر ليس كذلك. وبين أخذ ورد علت قليلا نبرة الدكتور عثمان عبدالوهاب وقال للشيخ حسن الترابى بتصميم بائن ما معناه “انا ما بدى بترول الشعب السودانى لراجل ود مقنعة مهما كان شنو” او كما قال وانتهت المحادثة الغاضبة. فى ذلك الوقت من الزمان وفى تلك اللحظة لم يكن هناك من يخالف ويغاضب الشيخ الترابى عليه رحمة الله … ولولا هذا الموقف الذى شهدته وتابعته من اوله لاخره والموقف الصلب لدكتور عثمان عبدالوهاب… لكان أمر البترول غير ما آل إليه الحال بعد ذلك. هذه شهادة لله وللتاريخ فى حق موقف للدكتور عثمان عبدالوهاب تبين للآخرين صحته بعد حين قصير ….. موقف .. للسودان ان يقف فيه اجلالا للدكتور عثمان عبدالوهاب.
ارجو ان يكون فيما سبق إضاءة لبعض ما جرى فى حقبة منسية من صحيفة تاريخ البترول فى السودان.
بقلم
هشام يوسف عبدالرحمن
وين هوالبترول السودانى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ماذا كان يقصد الدكتور عثمان ما بدي بترول السودان لإبن مقنعة في إشارة لمحمد عبدالله جار النبي.