تحقيقات وتقارير

(امبيكي) وسيط أزمات السودان.. فرص البقاء

“مهمةٌ عادية وأداء استثنائي”، هكذا وصف رئيس منظمة الوحدة الإفريقية السابق سالم أحمد سالم، رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو إمبيكي، معتبرًا أنهُ أظهر قدرات استثنائية في قيادة اللجنة الخاصة بالوساطة الإفريقية حول القضايا بين دولتي السودان. كان ذلك في العام 2012م حين حاز على جائزة أفضل شخصية إفريقية، رغم ذلك فإن الآراء تتباين حول الرجل، وتطالهُ اتهامات عدة من قوى المعارضة ومطالبات من قوى أخرى بإبعاده.

ووفقًا لتقارير إعلامية أمس الأول يتجه الاتحاد الإفريقي إلى تغيير رئيس الآلية إمبيكي مع الإبقاء على الآلية كوسيط في المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية شمال في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وفي أواخر يونيو برزت تقارير تشير إلى دراسة تعيين وسيط جديد عقب فشل إمبيكي لتسع سنوات في التوصل إلى تسوية. ووفقًا لتلك التقارير، فإن شركاء الاتحاد من الدول الغربية أُصيبوا بخيبة أمل من بطء تحركات إمبيكي، وتمسُّكِ الفرقاء السودانيين بمواقفهم.

توجه إفريقي

لم يكن الحديث عن اتجاه الاتحاد الإفريقي لتسمية بديل لإمبيكي في وساطة المنطقتين بالجديد. ويشير المهتم بالشأن الجنوبي الصحفي عمار عوض في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن هذه الأخبار قديمة قدم الوساطة نفسها، وكان آخر ظهور لها شهر يونيو الماضي، ولم يحدث جديد حيث مضى الاتحاد الإفريقي، وجدد المهمة للآلية الإفريقية رفيعة المستوى لعام جديد ينتهي في يناير القادم.

من جانبه، يشير عمار إلى أن تغيير إمبيكي من الوساطة ليس بالأمر المستبعد حيثُ من صلاحيات مجلس السلم والأمن الإفريقي إقالة إمبيكي، متسائلًا حول فشل إمبيكي في الوساطة، هل هو تعنت الطرفين الحكومة والمعارضة المسلحة؟ مما شكل عائقًا أمام الوصول لاتفاق سلام، لافتًا إلى أن مسؤولية إمبيكي تسهيل عملية التفاوض وليس إجبار الأطراف من غير رغبة منهم في الوصول إلى سلام.

وفي الوقت الذي يتساءل فيه مراقبون عن مدى جدوى وساطة إمبيكي، بينما كل الملفات لا تزال تُراوح مكانها، إلى جانب اعتبار أن الوساطة الإفريقية عاجزة عن تحقيق حل سياسي شامل بالسودان، حيث ينقصها التفويض الشامل، والنفوذ الحاسم على أطراف الأزمة؛ يرى عمار أن إمبيكي بذل كل ما بوسعه، مشيرًا إلى أن الأطراف المتحاربة ليست راغبة في الوصول إلى سلام، معتبرًا أن العلة ليست في الوسيط، ولكن في الأطراف نفسها.
على صعيدٍ آخر، يرى مراقبون أن إمبيكي بات في وضعٍ من الصعب تبريرهُ نتيجة الإخفاق في تحقيق اختراق في ملفات التفاوض، وهو الأمر الذي سيؤثر على مساعيه للاحتفاظ بموقعه كوسيط، على الرغم من إبداء نيته في أوقاتٍ سابقة بتقديم استقالته، تراجع عنها نتيجة لضغوط من شخصيات مقربة من الرجل ترى أن انسحابه عن المهمة دون إنجاز لا يتلاءم مع الجهد الذي بذله لسنواتٍ عدة.

جولة المفاوضات

ووفق ما نقلتهُ وسائل إعلامية، فإن ما يؤخر استئناف مفاوضات المنطقتين هو بحث الاتحاد الإفريقي عن بديل لأمبيكي؛ فيما كانت آخر جولة للمفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية في فبراير من العام 2018م، وانتهت الجولة بقرار آلية الوساطة الإفريقية بقيادة إمبيكي بتعليق الجولة إلى وقتٍ يُحدد لاحقًا، وركزت الجولة التي عُقدت وقتها لثلاثة أيام على بحث إيقاف العدائيات.

من جانبه، يصف البعض محاولة تغيير إمبيكي بغير المجدية، وأنهُ نجح من قبل في إيجاد حلول للقضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا.
بالمقابل، اعتبر المحلل السياسي الصادق الزعيم في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن الآلية الإفريقية رفيعة المستوى إحدى آليات الاتحاد الإفريقي لحل النزاع في السودان وجنوب السودان وفق قرارات مجلس السلم والأمن والإفريقي، معتبرًا أن وجود شخص آخر بخلاف إمبيكي لن يؤثر كثيرًا، وأن تغيير الأشخاص لا يُغير في الوساطة التي لها مهام مُحددة، فإمبيكي دورهُ مُحدد كوسيط، وأن الأطراف المتفاوضة تنحو دائمًا عند فشل الجولات إلى تحميل المسؤولية للوساطة. ويُعتبر الصادق أن عمل الوساطة محدد ومعروف، وأن تغيير الأشخاص ليس ذا أثر كبير، ليبقى تحقيق السلام بيد القوى السياسية والحكومة، وليس مجلس السلم والأمن الإفريقي أو الآلية المفوضة من قبل الأخيرة لتسهيل مفاوضات الطرفين.

الآلية الإفريقية

ليست الاتهامات وتباين الآراء حول إمبيكي وحدها ما يُحيط بأخبار إيجاد بديل لهُ لرئاسة الآلية. وتشير معلومات غير رسمية إلى أن ثمة ضغوطًا أمريكية منذُ العام المنصرم إذ تدفع الأخيرة أكثر من 70% للآلية، فيما بلغت ميزانية الآلية خلال عام في سفرهم للخرطوم والحركات ودارفور 11 مليون دولار، فيما ترجح تلك المعلومات إلى إيقاف الشركاء الغربيين دعم الوساطة ماليًا كونها لم تحقق اختراقًا في جولات المفاوضات التي تجاوزت اثنتي عشرة جولة.

من جانبه اعتبر د.حسين حمدي عضو وفد التفاوض الحكومي في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن إمبيكي صاحب تجربة رئاسية وإدارية إضافة إلى تجربة كبيرة في عمل الاتحاد الإفريقي وقيادتهُ للمفاوضات المتعلقة بين السودان وجنوب السودان، ومفاوضات المنطقتين، مشيرًا إلى أنهُ بذل دورًا مقدرًا.
وحول التعثر وعدم إحداث اختراق في جولات التفاوض السابقة، يرى حمدي أن المسألة لا يمكن أن تُعزى لشخص وإنما منظومة، وإن كان هناك أيّ اتجاه للتغيير فذلك ليس عائدًا للفشل بل هو توزيع أدوار في منظومة الاتحاد الأفريقي، مقللًا من فرص وجود ضغوط خارجية وراء تغيير إمبيكي إن صح ذلك، معتبرًا أن الاتحاد يملك قراره وطرقهُ للتقييم ويمكن أن يكلف أيّ شخص وفقًا لما تقتضيه المرحلة الراهنة.

وبالنظر إلى بدايات تكوين الآلية وأداء أمبيكي دور الوسيط، ففي الـ21 من يوليو ٢٠٠٩ دعا مجلس الأمن والسلم الإفريقي إلى تكوين آلية إفريقية رفيعة حول نزاع دارفور، مهمتها تقديم توصيات ومقترحات حول المحاسبة ومكافحة الإفلات من العقوبة، وذلك بحسب تقارير إعلامية.

في فبراير ٢٠٠٩ أصدر الاتحاد الإفريقي قرارا بإنشاء الآلية الإفريقية الرفيعة، وتم تعيين أمبيكي رئيسا لها وعضوية كلا من الرئيس البوروندي السابق بيير بيويا، والرئيس النيجيري الأسبق الجنرال عبد السلام أبو بكر، وفي أكتوبر من العام ٢٠٠٩ أيضا أصدرت الآلية الإفريقية تقريرها حول النزاع في دارفور وفي ذات العام وسع الاتحاد الإفريقي توسيع مهمة وتفويض آلية إمبيكي الخاصة بالنزاع في دارفور وتغيير اسمها إلى الآلية الإفريقية الرفيعة للسودان وجنوب السودان، لتتولى التوسط بين الدولتين منذُ العام 2012م حول قضايا ما بعد الانفصال العالقة مثل الحدود والنفط والديون ومنطقة أبيي المتنازع عليها وقضية المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق.

الخرطوم: إيمان كمال الدين
صحيفة السوداني.