البرلمان القومي.. شخصيات لفتت الانتباه (2)
منذ انتخابه في العام 2015م، ظل المجلس الوطني (البرلمان) حاضراً في المشهد العام بصور مختلفة، مرة خلال مواقف قوية في إطار دوره التشريعي والرقابة، ومرة ثانية بمماهاة مع المواقف والسياسات الحكومية لدرجة أن البعض يعتبره واجهة تنفيذية، ومرة ثالثة عبر تصريحات ومواقف لعضوية البرلمان تخلق الأحداث وتثير ردود الأفعال. وفي ظل هذا الحراك البرلماني أو (السكون) في بعض المرات، برزت شخصيات فرضتها نفسها بقوة، بشكل وآخر في القبة الخضراء التي بناها نميري، ودارت فيها سجالات الديمقراطية الثالثة وأدار منها الراحل حسن الترابي صراعه مع خصومه في القصر الجمهوري. (السوداني) ترصد في هذه الحلقة أبرز الشخصيات في البرلمان الحالي خلال الثلاث سنوات الماضية.
نافع.. كبير الصامتين
نافع علي نافع، وُلِدَ في مدينة شندي بولاية نهر النيل، وتخرّج في كلية الزراعة بجامعة الخرطوم، ثم ابتُعث منها لنيل درجة الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة، التي عاد منها عام 1980 ليعمل أستاذاً في جامعة الخرطوم. سياسي مخضرم، يُعَدُّ من الشخصيات المثيرة للجدل بسبب مواقفه التي يصفها بعض خصومه بالعدائية والمُتشدِّدة تجاه المعارضة، في حين يراه آخرون عنصرا فعالا ينفذ رغبة حزبه دون مواربة، كان عضواً في تيار الحركة الإسلامية بجامعة الخرطوم، لكنه لم يكن فعالا بالقدر الذي يجعله قائدا طلابيا حينها، عُيِّنَ مديرا لجهاز الأمن العام مع قيام الإنقاذ بسبب خلفيته الدقيقة في المعلومات ورصدها، ثم مديراً لجهاز الأمن الخارجي برتبة لواء، قبل أن يُعفى من منصبه بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية عام 1995م، ثم تقلّد منصب وزير الزراعة والغابات، ثم عُيِّنَ مستشاراً لرئيس الجمهورية للسلام، ثم وزيراً لديوان الحكم الاتحادي، قبل أن يصبح مساعداً لرئيس الجمهورية ونائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني قبل تنحيته عام 2013 من منصبه الحكومي وأصبح عضواً للمكتب القيادي بالحزب، ثم أصبح نائباً برلمانياً بالقوائم النسبية. نافع من كبار الصامتين داخل القبة لا يتحدّث، ولا يُذكَر أن طلب فرصة لمناقشة أيِّ بند من البنود التي يعقد المجلس من أجلها. يأتي نافع عقب بدء الجلسة ليجلس صامتاً يضع يده على خده وينتقل بنظره داخل القاعة يستمع إلى الذين يتحدّثون ويرفعون أصواتهم.. خارج القاعة نافع لا يقف ويتحدث مع أي شخص، وأحياناً يتصافح بعض الوزراء الذين يأتون إلى المجلس.. نافع متهم بأنه من ضمن الأصوات التي لا تؤيد ترشيح الرئيس البشير لدورة رئاسية قادمة، إلا أنه لم يصرح بقوله.. مفارقة بين نافع السياسي والنائب الصامت.. في العام 2012م توعّد نافع بردع قوى المعارضة والتعامل معها بالحزم والشدة، حال خروجها للشارع للإطاحة بالنظام. يذكر أنه في ذات العام اطلق نافع جملة (لحس الكوع) عندما كان الشعب يريد أن يثور احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، فقال: (على المتظاهرين أن يلحسوا كوعهم). داخل البرلمان ينظر البعض إلى نافع على أنه من المغضوب عليهم لذلك أصبح (كاشِّي من الناس).
برطم (الرئيس) القادم
أبو القاسم برطم سطع نجمه في الانتخابات الماضية 2015م، عندما رشّح نفسه وفاقت شهرته الآفاق، وأصبح نجما تتناوله وسائل الإعلام، والألسنة على مستوى الدائرة والمركز. برطم من أبناء جزيرة مقاصر، تخرج في جامعة طرابلس، ماجستير فيزياء، وهو ورجل أعمال، أصبح نائباً مستقلاً مُمثّلاً للدائرة “2” دنقلا.. برطم نادراً ما لا يتحدث في الجلسة رغم أنه يتحدث باقتضاب، إلا أنه يصيب ما يريد، عُرف بمواقفه القوية داخل باحة المؤسسة التشريعية.. قوى سياسية أعلنت سابقاً عن عزمها ترشيحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة، وقال في وقت سابق إن الحكومة غير جادة في محاربة الفساد، وشدد على ضرورة تفعيل قانون الثراء الحرام، ومن أين لك هذا، وترك فقه السترة والتحلل. كما أنه وصف موازنة 2018 بأنها (مختلة)، وقال: (لا يمكن أن تكون هذه موازنة دولة محترمة). أيضاً كان قد طالب بإقالة وزير المالية بعد أن اتهمه بالفشل في إدارة اقتصاد البلاد، والعجز عن إحكام السيطرة على موجة الارتفاع الجنوني في الأسعار. برطم دائماً ما يجلس على صحن البرلمان بالقرب من الزهور ويمسك بيده اليمني سيجارة ليلتف حوله عدد من النواب يتبادلون الحديث كثيراً يكون عن ما دار داخل الجلسه وأحياناً عن السياسة بصفة عامة، عرف بأناقته وهندامه المميز. برطم يرتدي الزي السوداني الجلابية والعمامة ويكون لون الطاقية أخضر، بشوش يضحك في وجه الجميع، يُحب الإعلام، إلا أن البعض يراه قليل الخبرة السياسية مدعياً علمه في كل شيء.
دياب.. الأكثر إثارة
برز صيته في أعقاب تصريحات أدلى بها تحت قبة البرلمان، اتهم خلالها الإدارة العامة للحج والعمرة بالفساد، وتبديد أموال الحجاج في حوافز لجهات بدعاوى الاجتماعات والرقابة.
وعقب هذه التصريحات تعرض عمر عبد الله عمر دياب لتهديدات بالتصفية الجسدية، قبل أن يعلن أنه رفض حافزاً مالياً بالمدينة المنورة قدم إليه كرشوة من هيئة الحج والعمرة ليصمت.. وكانت إفادته سبباً رئيسياً دفع وزير الإرشاد والأوقاف الفاتح تاج السر لتقديم استقالته. دياب ولد في قرية أرتيلي جنوبي مدينة دنقلا تخرج في جامعة السودان كلية التجارة في العام 2001. لم يلتحق دياب بوظيفة حكومية واتجه من الجامعة إلى العمل بالسوق في البيع والمتاجرة، بجانب اهتماماته التي أولاها للرياضة بمحلية كرري، وتدرجه في السلك الإداري للناشئين جعله يتبوأ منصب رئيس رابطة الناشئين بالمحلية، ثم تقلد منصب أمانة المال بالاتحاد السوداني للشطرنج. التحق بالمؤتمر الوطني أبان دراسته الجامعية، وتدرج في الحزب على مستوى محلية كرري، إلى أن صار رئيس المؤتمر الوطني لمناطق غرب الحارات، وعشية انعقاد العملية الانتخابية التي جرت مؤخراً دفع به الحزب بناءً على رغبة مواطنين بالثورات، إلى الترشح للمجلس الوطني، وفي مايو من العام 2015 دخل قبة البرلمان لأول مرة عن الدائرة الغربية 13 الثورات، ليقع عليه الاختيار ضمن عضوية لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس، وكان الأكثر ظهوراً عبر طلبات الاستدعاء التي يقدمها للوزراء وكذلك يقوم بمتابعة قضية إلى أن تُحلَّ نهائياً. دياب قدم مسألة مستعجلة لوزير الداخلية الفريق حامد منان آنذاك للمثول أمامه للرد على حول قضية صاحبة “كوافير” وضابط الشرطة التي أثارت الرأي العام حينها، كما استدعى في الدورة السابقة أيضاً وزير الدفاع حول رفض مستشفى السلاح الطبي التابع للقوات الملسحة استقبال الحالات الطارئة. أكثر ما أبرز دياب متابعة لقضية الحج وإلغاء حج المؤسسات، كما أنه كشف عن رشوة قُدِّمَتْ لنواب لتهدئة قضايا أُثيرت حول الإدارة ومديرها السابق المطيع محمد أحمد، الأمر الذي جعل النواب يتقدمون بشكوى للنائب العام. يقال عنه إنه رجل حقاني وشجاع لكونه صدح بكلمة الحق بصدق وتجرد في فساد الهيئة العامة للحج والعمرة، ما عرضه لمواجهة معارضة شرسة من لجنته، ومن منسوبي حزبه حول إفادته التي لا غبار عليها في الكشف عن مواضع الفساد، وكلماته عن فساد هيئة الحج والعمرة وتصريحاته حتى تلقّى رسالة تهديد بالقتل على خلفية إلمامه بتفاصيل عن البعثة، لموقعه الذي كلف به كرئيس بعثة البرلمان الرقابية لموسم الحج. وفي تطور كان مفاجئ دفع دياب باستقالته من عضوية لجنة الشؤون الاجتماعية على خلفية الأحداث العاصفة عن أداء الحج والعمرة.
صحيفة السوداني.