عاصم البلال الطيب: دخلوها وجنيها عام !
ليس الجنيه وحده الحائر العائم، البلد كلها عبارة عن عوامة فى متاهة وقشة فى مهب ريحها، أفضتُ ذات يوم هاهنا وفى تحليلي الإسبوعي كل سبت فى معاني ومقاصد تعويم الجنيه بمسمياته المختلفة أبرزها التعويم المطلق والآخر المقيد بالتدخل من قبل السلطات المصرفية ولعلها الصيغة الأقرب لضعف الإقتصاد السودانى وعدم قدرته لتحمل تبعات وصدمات قرار تحرير سعر الصرف،
والتعويم هو الصدمة الكهربائية الأخيرة لمخيخ وأعصاب وقلب وسائر أعضاء جسدنا الإقتصادي المثخن بالصدمات والجراحات،فإما خلاص بعد خروج وطلوع روح وإما حالة من الغرق الجاف والبقاء معلقين فوق العوامة البلد بلا هاد ولا دليل، والتعويم ليس مجرد تطبيق حرفى لنظرياته الإقتصادية التى عفا على معظمها الدهر وأكل وشرب بينما لازال بيننا من يأكلون بها ويفتئتون إستغلالا لعدم بروز نظريات إقتصادية تناسب تقلبات الأحوال وتطورات وصروف دنيا المال والتجارة والإقتصاد، فلو سألنا خبيرا لدلق علينا من جفاف أحبار الكلم الإقتصادية حتى سالت وديانا فتزيد طين وحبر عوامتنا بلة على ما هى عليه، فالخبير سيهرينا بكلام الكتب الإقتصادية المعسمة والمحنطة تماما كما الطبيب المشخصاتى الذى يدبج تقريرا كتابيا مع الصور الطبية التشخصية المطلوبة، تقريرا يدبجه من المراجع التى بحوزته، وعند دفعك بالصور والتقارير الكتابية، تلحظ عدم إهتمام الإختصاصى بها كما إهتمامه بالصورة الملتقطة من البضعة المراد تطبيبها بحسبانها حالة راهنة يراها رأي العين ولايحتاج إلقاء نظرة للتقرير المرفق الذى إن إجتهد صاحب الحالة فى قراءته تلقاء نفسه بثقافته العامة همه ما إلتقطه من فهم عام فيعجب لعدم إحتفاء الإختصاصى الذى يجيبه إن تجرأ بسؤاله عن الوارد فى التقرير بأنه كلام كتب فى إشارة لأنه عنصر مساعد فقط، فالتقارير أيا كانت مرفوقة مع الصور التشخيصية للإقتصاد السودانى كذلك كلام كتب على العين والرأس للحالات التى تم الإستيحاء منها، فالصور التشخيصية ترفدنا بها المعاناة السودانية التلقائية بماكينة آلية لا تكف عن اللف والدوران لتغطية العلل المنتشرة نارا فى هشيمنا!
يا غرقت يا جيت حازمة>
رئاسة الوزارة التنفيذية الشابة الجديدة يبدو لنا فى قرارة نفسها مقبلة توكلا على إتخاذ القرارات الصعبة بفقهنا السودانى يا غرقتُ يا جئت حازمها، وليتها قبل التوكل على إتخاذ قرار تحرير سعر الصرف إسم الدلع للتعويم، أصدرته وعممته باكرا على كل الصحف مشفوعا بمبررات إتخاذه هذا مالم تتراجع عما ورد جزئيا وبعضيا إعلاميا فى أمر لا يقبل التجزئة، فكم من مرة سمعنا بقرارات مشابهة يتم التراجع عنها ما انبرى لها خبراء معارضون، وليكن الفارق بين حكومة معتز وما سبقها و حتى لا تأخذها العزة بالإثم، فلتستمع لأصوات المعارضين المبدئيين الأشداء شدة لا تثنهم عن الموضوعية بتوجيه سهام نقد بناءة تجاه ما يصدر من قرارات إقتصادية، فوالله لا أعرف مقصلة لما مضى من حكومات متعددة اللبوس والبؤس فى حقبة الإنقاذ سوى الإستهتار والإستهانة بآراء الآخرين مع تتفيههم، حكومة معتز عليها كامل المجانبة لهذه المقصلة، وعليها أن تسعي غير مرة للإستئناس بآراء حتى المستكثرين عليها النصح دعك ممن يطلون عبر الفضائيات ويكتبون عبر الصحف رغم رأيهم السالب فى المنظومة الإعلامية بتبعيتها العمياء للحاكمين رهبة وإما رغبة بينما تلتمس للنوافذ الإعلامية تطل عبرها بأنها مستقلة وطنية ولكنها مغلوب على أمرها والله غالب، لم يفت شئ رغم المعاناة والشقاء لإستدعاء ذاكرة الإحترام للكفاءات التى لا ينبغى قدح معارضتها فى وطنيتها وحتى سعيها لتغيير النظام، فالسعى لإستدعاء هؤلاء أو أفكارهم المطروحة يضيف لحكومة معتز خاصة فى الشأن الإقتصادى المقبل إضطرارا علي جراحات خطيرة لا يصح الإنفراد بها لتأثيرها الكلى والعميق على المستقبل البعيد دعك من القريب، والعزم مثالا على تعويم الجنيه كان يستوجب إجراءات قبلية وتحقيقات إقتصادية حقيقية فى تشوهات غريبة، قضية شح العملة مثالا كانت تستحق لجنة تحقيق وطنية قومية لمعرفة الأسباب التى أدت إليها وإعلانها للناس مرفقة بالوصفات العلاجية وحتى الوقائية، تبدو دعوة مثالية ولكنها خطوة ضرورية لإخراج البلد من حالة التعويم السياسي الإجتماعى وما أفضى إليه من إستقطابات ولا أخطر.
عاصم البلال الطيب