الصادق الرزيقي

لا تدخلوا من باب واحد!!


رغم اختلاف الرأي والتقييم والتحليل لدى الخبراء وأهل الشأن من الاقتصاديين، وتباين رؤاهم حول السياسات النقدية الجديدة المتعلقة بالصادر والوارد، التي أعلنها مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن هناك رابطاً بين كل الأقوال والاقتراحات، يظل موجوداً ومتجسداً على أرض الواقع يجب ألا نغفل عنه، فقد أجمع كل الاقتصاديين على أن زيادة الإنتاج خاصة من البترول والذهب وفي القطاعين الزراعي والحيواني، تمثل المخرج الوحيد الذي يعيد انتعاش الاقتصاد من جديد، وتجعل من الممكن لهذه السياسات أن تحقق أهدافها، وهناك نقاشات عميقة تدور الآن وسط القطاع الاقتصادي والمالي حول نجاعة وجدوى ما تم اتخاذه من إجراءات مالية لمعالجة الخلل الاقتصادي وتعبئة الطاقات من جديد لدورة الإنتاج في مختلف المجالات.

> هناك خطوات تمت بالفعل ستعمل على تدعيم ما اعتمد من سياسات تتعلق بالصادر والوارد، ففي مجال البترول وزيادة الإنتاج عن طريق الاتفاق مع دولة جنوب السودان والعمل المشترك الجاري الآن في حقول دولة الجنوب، بالإضافة إلى الحقول السودانية والحقول المشتركة، سترفع العائدات المتمثلة في رسوم العبور ورسوم المعالجة التي تتم لصادر بترول الجنوب، بالإضافة إلى الزيادة المتوقعة في إنتاج بترول الحقول السودانية في المربعات المختلفة، وقد تصل إلى حجم الإنتاج الذي توقعه عدد من الاقتصاديين كسقف لضمان نجاح سياسة تحديد سعر الصرف أو تحريره وسد الفجوة وتوفير العملات الصعبة من النقد الأجنبي.

> ومن واقع ردود الأفعال على هذه السياسات خاصة من القطاع الخاص الذي يجب أن يترافق مع الجهد الحكومي الساعي إلى تهيئة كل الظروف وإبرام التفاهمات والاتفاقيات لزيادة الإنتاج من البترول والمعادن، يتضح أن دور القطاع الخاص في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني سيكون كبيراً ومهماً، فمع التطورات التي تمت في هذين القطاعين سيكون حجم الإنتاج في مناطق الزراعة الآلية والمطرية كبيراً هذا العام، خاصة في المحاصيل ذات العائد السريع مثل الذرة والسمسم والفول السوداني وزهرة الشمس والكركدي، بجانب المتوقع من إنتاج المشروعات المروية، وبالإضافة إلى الإنتاج الوفير المتصاعد من الثروة الحيوانية التي تدر دخلاً كبيراً من صادراتها يتطور باستمرار، فكل هذه مؤشرات جيدة سيتحسن بها الأداء الاقتصادي بلا أدنى شك وبها تنطلق القاطرة.
> ومع ذلك توجد جوانب أخرى لا بد أن يبدأ فيها العمل الجاد مثل تخفيض الإنفاق الحكومي العام، فهناك تقليص تم في الحكومة والجهاز التنفيذي بدمج الوزارات ومراجعة هياكل الحكم الاتحادي والمحلي والتشريعي وهو وحده لا يكفي، فلو اجتهدت الحكومة في كبح الصرف غير المرشد وعملت على ضبطه وحددت وخفضت السعر الجمركي للدولار إلى الحد المعقول والمقبول تماشياً مع السياسات الجديدة التي فيها أولويات في الاستيراد وإجراءات ترفع العبء عن البنك المركزي، ثم أحكمت الحكومة قبضتها وتحكمت في آليات السوق وعطلت انفلاتاته، ستؤتي السياسات الجديدة أُكلها، وسيحدث الانفراج المتوقع، وحتى لا نسرف في الحلم سيكون انفراجاً نسبياً محدوداً حتى تستوي الأمور على جودي الإصلاح النهائي الكامل.

ومن أهم واجبات الحكومة الآن وهي تعمل على إنفاذ سياساتها النقدية الجديدة، ألا تغفل النشاط والعمل على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الاستثمار المحلي في مختلف المجالات، وتطوير قطاع الخدمات وتحديثه، فالاستثمار عامل ودعامة مهمة في عملية الإصلاح الاقتصادي، وبدون الاستثمارات الجيدة وتوفر الخبرات وتكاملها ودخول أفكار جديدة لا يمكن أن تتقدم القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية خطوات للأمام، وهي مرتبطة أيضاً بتحسين العمل في مجال البنى التحتية خاصة الطاقة والطرق، فهما عماد التنمية الحقيقية والنهضة الشاملة، فإذا كانت الحكومة قد وضعت الإطار العام واهتدت إلى السياسات التي تجعل الخروج من النفق حتمياً، فعليها ألا تلتفت إلى الوراء، وتعزم وتتوكل وتستمع لكل صاحب رأي متخصص حادب وحريص، فالخبراء والاختصاصيون من أهل الاقتصاد لن يبخلوا بمشورة ولن يتقاعسوا عن فكرة.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة