رأي ومقالات

21 أكتوبر .. حكاية ثورة لم يتبقى منها سوى الأغنيات وبعض الأمنيات …!!


أربعة وخمسون عام مرت على ذكرى وأحداث ثورة أكتوبر المجيدة ، تلك الحركة التغييرية التي مثلت أحلام أجيال ما بعد الاستقلال وأمنياتهم بالإنعتاق من الحكومات الإستبدادية والسعي لإيجاد وطن معافى

، خالي من الحروب ، ديمقراطي ، عادل ، مالك زمام امره ….الخ ، ولكن هنالك كثير من المراقبين والباحثين يرون أن (أكتوبر) فشلت في ترجمة أهدافها على أرض الواقع بل وتساقط الكثير في أبطالها في فخاخ إنتاج نفس الأزمات التي ثأروا من أجلها وخيانة الجماهيرية كانت صفتهم المتلازمة ، ويشير البعض ايضا الى أن (أكتوبر) الآن عبارة عن حركة ثورية لم يتبقى منها سوى أمنيات يحلم البعض في تحقيقها و كم من الاغنيات التي إحتفت بها ووثقت لها وأتخذت منها رمزية للتغيير ممن عاصروها ومن اللاحقين فقد ظلت ذكرى ثورة اكتوبر منطلق الهامي للاجيال المتعاقب …..

 

مناحي ومسارات (الاكتوبريات) …!!
قبل التوغل في مسارات الأغنيات التي تحدثت عن ثورة أكتوبر او التي اصطلح تسميتها بـ(الاكتوبريات) لابد من الإشارة الى أن الساحة أو الحركة الفنية في ذاك الوقت كان مفعمة بالروح الثورية نسبة لمعاصرة الكثير من المبدعين لحقبة الاستعمار وتأثيرات حركة التحرر ، كما أن الساحة الإبداعية شهدت في تلك الفترة العديد من التجاذبات والتوهانات في مسألة الهوية فأتت (اكتوبر) لتوحد الجميع خلف الثورة وخلف الإنتماء للوطن المكان والإنسان فقط .

في أوقات إشتعال الثورة لم يكن الشعراء والمغنين خلف الحشود الثائره التي نزلت الشوارع حتى ضاقت جنباتها بما إتسعت بل كانوا يمشون جنب الى جنب مع الجماهير إذا لم يكون متقدمون عليهم ويلهبوا بحناجرهم التظاهرات ، ويكشف التاريخ أن بعضهم كان ضمن الذين تم إعتقالهم أثناء التظاهرات مثل الشاعر والصحفي محمد فضل الله الذي تم القبض عليه أمسية الندوة الشهيرة التي سقط فيها أول شهيد في الثورة الشعبية بالسودان ـ الطالب في كلية العلوم (احمد القرشي طه) ــ وقد تم اعتقال فضل الله مع مجموعة من الطلاب الناشطين ولم يطلق سراحهم الا في أمسية (28) أكتوبر حين تم إنهاء الحكم العسكري وسقوط نظام عبود ، فخرج فضل الله ومعه العديد من الاشعار الثورية كان أبرزها تلك المقاطع التي تغنى بها الفنان محمد الامين بعد أيام معدودات من قيام وسقوط النظام ، حيث قال فيها :

 

أكتوبر واحد وعشرين
ياصحو الشعب الجبار
يالهب الثورة العملاقة
يا ملهم غضب الأحرار
من دم القرشي وأخوانه
في الجامعة أرضنا مروية
من وهج الطلقة النارية
أشعل نيران الحرية
بارك وحدتنا القومية
واعمل من أجل العمران

 

بعد ذلك تبارى الشعراء والمطربين في التغني بحمد الثورة وأحلام التغيير كانت (اكتوبريات) محمد المكي ابراهيم مع الفنان محمد وردي وأيضا اغنية الكابلي (هبت الخرطوم في جـٌنح الدُّجي) لشاعرها عبدالمجيد حاج الأمين كذلك كانت هنالك اشعار مصطفى سند والطاهر ابراهيم وقبلهم قصائد الفيتوري (اصبح الصبح) وعلي عبدالقيوم (نحن رفقاء الشهداء) (وصلاح احمد ابراهيم (يا ثوار اكتوبر)…والعديد العديد من الفيض الابداعي الثوري .
كانت الأغنيات تأخذ عدة مناحي كما أشرنا سابقاً فالمنحى الاول كان مندهش من الحدث يحاول جاهداً إيجاد تفسيرات لم حدث مثل الأبيات في نشيد (اكتوبر الاخضر) لصاحبها محمد المكي ابراهيم التي يقول فيها ……

 

كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل
كان عبر الصمت والأحزان يحيا
صامدا منتصرا حتي إذا الفجرُ أطل
أشعل التاريخ نارال فإشتعل
كان أكتوبرَ في غضبــتنا الأولي
مع المك النمر
كان أسياف العـُشر
ومع الماظ البطل
وبدم القرشي.. حين دعاه القرشي
حتي إنتصر

 

المنحى الثاني وهو إتجاه طرقه الجميع أو الغالبية وهم يبدعون في وصف ما جرى من حركة الشارع والمقاومة وسقوط الشهداء واللحظة التي تهاوى فيها النظام وانزاح و شكل الابتهاجات وفرحة الجماهير ، أيضا من المنحنيات التي شغلت المبدعين في ما يتعلق بثورة (أكتوبر) حشد الأمنيات للمستقبل وتوضيح المبادئ الثورية ومحاولة خلق جدار عازلة بين السلطة الحاكم في الماضي والحاضر من خلال الثناء على النظام الديمقراطي الذي تلى الثورة وذمة النظام العسكري الذي ثارت عليه الجماهير ومن أشهر الأغنيات في هذا السياق الأغنية التي تغنى بها وردي والتي قال فيها …..

 

شعبك يا بلادي..شعبك أقوى وأكبر
مما كان العدو يتصوّر
ظلم عمرو اتحدد
أيام اكتوبر تشهد
الفترة الحالكة الماضية
في تاريخك ما بتجدد
عهد فساد واستبداد
الله لا عادو
يهدم صرح الوادي الأخضر يا بلادي

وايضا أغنية (أصبح الصبح) التي يقال أنها نظمت في فترات سابقة قبل (أكتوبر) ولكنه تم التغني بها عقب الثورة مباشرة والتي يقول فيها شاعرها محمد مفتاح الفيتوري ….

 

أصبح الصبح
فلا السجن ولا السجان باق
وإذا الفجر جناحان يرفان عليك
وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المأقي
فرحة نابعة من كل قلب يا بلادي
أصبح الصبح وها نحن مع النور التقينا
التقى جيل البطولات بجيل التضحيات
التقى كل شهيد قهر الظلم ومات
بشهيد لم يزل يبذر في الأرض بذور الذكريات

 

بعد ذلك إتخذ من رمزية الثورة الهام لإرهاب الطغاة والهاب حماس الجماهير ولعل الأشعار مازالت تتوافد بصورة مستمر فتظهر كل ذكرى العديد من الأعمال الجديدة وتأخذ شكل كل المنحنيات السابقة بالاضافة الى عوامل التحفيز والبكائيات أحياناً.
(أكتوبر) الثورة كما أنتجت زعماء سياسين كـ(الدكتور حسن عبدالله الترابي) مثلاً ، أنتجت كذلك مبدعين في الساحة الفنية بقامات سامقة تغنوا لها ولو بعد حين وأبرز من قدمتهم بصورة جلية الشاعر هاشم صديق وايضاً ساهمت بقدر كبير في لامعان نجم الفنان محمد الامين الذي التقى مع هاشم صديق ليخرجا اوبريت (الملحمة) الذي إختزل بداخله كل الذي جرى بوصف دقيق للإحداث والوقائع وسرد الأمنيات وتوضيح المبادئ وكيفية تطبيقها فضلاً عن تبيان قدرة الشعب السوداني في مواجهة الطغاة اينما وجدوا وتقول في مطالعها …..

لما الليل الظالم طول
وفجر النور عن عينا اتحول
قلنا نعيد الماضى الاول
ماضى جدودنا الهزموا الباغى
وهدوا قلاع الظلم الطاغى

تمر الذكرى الرابعة والخمسون لـ(ثورة أكتوبر) دون وجود إحتفالية تذكر رغم انها حركة تغيير تبين علو كعب الشعب السوداني وأسبقيته في المناهضة السلمية ورفض الظلم ، تمر الذكرى ومازالت نفس الشعارات مرفوع والأمنيات تايهه تبحث عن من يحيها من جديد على أرض الواقع ،وفي ظل ذلك يبقى السؤال المتعلق بالشأن الثقافي حول كيف سينظر المبدعين لـ(أكتوبر) بعد ان تعاقب كل تلك الفترة ؟ ومدى جاهزيتهم في أنتاج أعمال شبيه او متفوق على ما قيل ان دعت الضرورة ؟ .

 

 

محمد الاقرع
صحيفة الجريدة