تحقيقات وتقارير

أوضاعهم تتباين في أوروبا وكندا السودانيون في المهجر.. المستجيرون بالرمضاء من النار 1-3


توزيع الصحف، المطاعم، سائقو عربات أجرة،.. مهنهم المفضلة
باريس، ليل، كالي، لندن، بيرمنغهام، أوسلو وبيرغن.. أبرز مدن تواجدهم

مهاجر يكشف تفاصيل رحلته عبر مراكب الموت من السودان إلى أوروبا
الصحفي يوسف الناعم: الحياة في أوروبا أكثر مشقة من السودان

أيمن: واجهت صعوبات حقيقية في الحصول على حق اللجوء بفرنسا

أخيراً عاد عثمان للسودان، بعد أن قضى أكثر من أربعة أعوام في أوربا، عاد صفر اليدين، أو فلنقل كما ذهب.. حال عثمان كحال أغلب الشباب السودانيين الحالمين بالفردوس الأوربي، بعضهم ابتسم الحظ في وجهه وحظي بفرصة الإقامة والعمل، وآخرون جاءت الرياح على عكس ما تشتهي سفنهم.

رحلة قاسية

نجا عثمان من الموت بأعجوبة في أكثر من موقف، كان كالذي يحمل روحه على كفيه لا يبالي بما هو آت فقد، كان على قناعة راسخة أنه مهما واجه من أهوال فلن تكون أسوأ حالاً من واقعه بأرض النيلين.. في رحلته إلى المجهول الأوربي سافر برًا بحراً وعاد جواً، مثله وسائر الشباب السوداني الذي يجزم بأن أفضل مكان في بلاده هو صالة المغادرة بمطار الخرطوم، وربما سوق ليبيا، اختار بعد أن أكمل دراسته الجامعية ألا يهدر وقتاً في الحصول على وظيفة، فقرر الذهاب إلى أوربا مع عدد من أصدقائه لتحسين وضعه المادي وتحقيق أحلامه، فسافر مع أصحابه برًا عبر سوق ليبيا إلى ليبيا، وفيها نجا من تجارة البشر وسوق العبيد، حيث عمل في طرابلس بليبيا في مخبز لأكثر من عام، كان كالدهر مضت أيامه بطيئة لأن قلبه لم يكن معلقاً بالدولة المضطربة أمنياً، بل كان يهفو إلى ما وراء البحر المتوسط حيث فردوسه المفقود، التقى بمهربي البشر عبر البحر من طرابلس إلى أوربا، فدفع لهم كل ما يملك وانتظر المصير المجهول عبر المراكب المطاطية التي تتخذ سبيلها في البحر سربا.

مغامرة

يقول عثمان: تحركنا بالمركب عند الساعات الأولى من الصباح انطلاقاً من مدينة طرابلس إلى وجهتنا الأوربية، مشاعرنا في تلك اللحظة كانت متضاربة، ثمة خوف من مجهول البحر متلاطم الأمواج، كان يسري في دواخلنا وفي ذات الوقت، وحينما يدغدغنا حلم الوصول إلى الشواطئ الأوربية يجتاحنا الأمل فنزداد نشاطاً.. كنا نستغل مركبًا بلاستيكياً، “بالونة مملوءة بالهوء فقط”، ركبنا مجبرين على ذلك، وكنا نعلم أن مصيرنا الموت، لم نحمل معنا زاداً أو أي أدوات سلامة، في لحظة اجتاحتني رغبة عارمة للبكاء، فقد طاف بخاطري واقع أسرتي، لم أعرف لحظتها هل أنا سعيد أم خائف.. عموماً توكلنا على الله، وتحرك بنا المركب الذي تناوب على قيادته خمسة أشخاص حسب الجنسيات، تم تعيينهم بعناية من المهربين، وانطلقنا في البحر نحمل جهاز “جي بي إس”، لتحديد أقرب دولة أوربية، وبينما نسير في البحر الذي كان يتسم بهدوء مخيف وغامض حسبناه ذلك الذي يسبق العاصفة، فجأة تعطل محرك المركب التي تقلنا، فبدأت الرياح هي التي تتحكم في مصيرنا، اجتاحتنا المخاوف وأيقنا بأننا لا محالة هالكون، وبكل صدق ساعتها لم يتسلل الخوف إلى قلبي فقد كنت كغيري من الذين يغامرون عبر البحر بوضعي لاحتمالات الغرق والنجاة.. الموقف كان عصيباً وقاسياً فقد كان المركب تحت رحمة الرياح.. وبعد أن فقدنا الأمل في الحياة كانت عناية السماء بنا رحيمة فقد أنقذتنا وأدخلتنا المياه الإيطالية التي كنا على مقربة منها حينما تعطل المركب، فجاءتنا البحرية الإيطالية وأنقذتنا، وأخيراً حمدنا الله أننا في إيطاليا، حمدنا الله وصلينا شكراً لله الذي أنقذنا.

معاناة أخرى

وصلنا إلى جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية وارتحنا من عناء السفر والمصير المجهول في ليبيا والضغط النفسي في البحر.. بدأت لنا إيطاليا مبهرة وجميلة أجرينا مقارنات سريعة بينها ووطنا فوجدنا البون شاسعاً، والناس فيها لا تشعر بأنهم يحملون عبئاً على كاهلهم تنبئك ملامحهم أنهم في رغد من العيش، ورغم ذلك كان علينا مواجهة المصير المجهول في بلد البيتزا، لأننا لم نكن نود الاستقرار، أغلبنا كان يفكر في السفر الى السويد أو النرويج أو الدنمارك أو ألمانيا وانجلترا، حسب المعلومات المسموعة والمتداولة في مجتمعات اللاجئين آنذاك بأنها أفضل حالاً من إيطاليا، فهربنا من المعسكر الإيطالي ليلاً نحو روما وهناك التقينا من ساعدونا بملابس وبعض المصروفات، فالسودانيون بخير أينما يممنا وجوهنا، ثم تحركت بدوري إلى السويد، ولم أكن اعرف قوانين اللجوء الأوربية أو ماذا يقول الإنسان حتى يحصل على حق اللجوء، كنت أظن أن مجرد دخولنا إلى أوربا ستنفرج الأمور وتتحسن الأوضاع، لكن الأمر ليس بهذه السهولة كما كنا نعتقد.

حياتي في السويد

تقدمت بطلب اللجوء في السويد واستوفيت كل الإجراءات المطلوبة ،ولكن ومكثت أكثر من سنتين ولم أحصل على حق اللجوء، مررت بكل مراحل التعذيب النفسي فيها، وفي خاتمة الأمر قررت السلطات السويدية إبعادي بسبب عدم استحقاقي اللجوء وقررت إرجاعي إلى السودان فقبلت، وهأنذا سعيد بين أهلي تارة أذهب إلى الذهب وتارة أمارس مهنة الزراعة والحمد لله.

الحظ يبتسم

على عكس عثمان، فإن أيمن الذي سافر أيضا عبر البحر الأبيض المتوسط، يكشف في دردشتي معه عبر تطبيق الواتساب عن أنه واجه صعوبات حقيقية في الحصول على حق اللجوء بفرنسا التي قال إنها تحولت إلى دولة مهاجرين أفارقة بامتياز، مبيناً أنه وبعد الحصول على فرصة الإقامة، كان عليه أن يقطع رحلة طويلة في البحث عن فرصة عمل ظفر بها في مجمع سكني بعد ثلاثة أشهر، ويرى نفسه محظوظًا كونه يجد فرصة عمل في بلد يقول إنها اكتفت حد التخمة بالأيدي العاملة زهيدة الثمن، يضيف: قد تتباين الآراء حول حقيقة أوضاع السودانيين بأوربا لأنه يوجد من يؤكد أنها متقلبة، وربما قاسية، فيما يعتقد آخرون بخلاف ذلك، ولكن بصفة عامة فإن الحياة هنا رغم الغربة تشعرك بأنك إنسان بمعنى الكلمة، قد يكون الدخل ليس بالمستوى المطلوب، ولكن المقارنة تبدو معدومة بين أوربا والسودان، هنا تستنشق هواء الحرية ولا تحمل هماً لأبسط مقومات الحياة، ولكن يظل الحنين الجارف يسوقنا نحو أرض الأجداد التي لا نعرف متى نعود إليها، ولكن نتمنى دوماً أن يعود السودان إلينا كما كان وطناً نتمتع فيه بحق المواطنة.

أوطان بديلة

أحمد الشاب السوداني الذي اختار ركوب أمواج الصعاب ليتجرع كأس الغربة رغم مرارته في رحلة بحثه عن وطن بديل تتوفر فيه أدني مقومات الحياة مثله وسائر السودانيين الذين اختاروا الاستقرار في بلاد تموت من بردها الحيتان، يعود بالذاكرة الى الوراء وهو يتحدث مع “الصيحة” ويستدعي أيامه الأولى بفرنسا التي حط رحاله فيها قبل عشرة أعوام، ويشير إلى أنه واجه صعوبات جمة في التأقلم على الحياة الجديدة، ولكن يستدرك مشيراً إلى أنه كلما تذكر الأوضاع في السودان وقسوة الحياة، فإنه يتدثر برداء الصبر لمواجهة الغربة بكل تجلياتها، إلى أن استوت أوضاعه بعد عام على الجدوى بعد حصوله على حق اللجوء، لافتاً إلى السودانيين في الغرب عامة وأوربا خاصة أثبتوا أنهم يستطيعون التكيف على كافة الأجواء والأوضاع.

وأضاف ضاحكًا: “أي زول عاش في السودان يمكنه أن يعيش في أي دولة أخرى” في دلالة على أن الأوضاع في الأرض النيلين لا يوجد نظير لها من حيث السوء ــ حسب رأيه ــ ويقول إنه لا يفكر في العودة إلى السودان في الوقت الراهن.

وجود مؤثر

يقول آدم المقيم في بريطانيا، إن السودانيين في أوربا ورغم أعباء العمل أو التعليم، فإنهم تمكنوا من الحفاظ على علاقاتهم الاجتماعية بوصفهم قادمين من بلد اشتهر أهله بالتواصل وعمق الروابط.

ويلفت إلى أن ذات التكاتف الموجود في الخليج بين المهاجرين السودانيين فإنه ماثل بكل دول الغرب، كاشفاً أن السودانيين يتوزعون على معظم الدول الأوربية ويتواجدون في مجموعات، وأضاف: على سبيل المثال في فرنسا تجدهم بمدن باريس، ليل، كالي، وفي بريطانيا فإن المدن التي تعتبر وجهة مفضلة لهم هي لندن، بيرمنغهام وليدز، وفي النرويج يتواجدون باوسلو وبيرغن وتوندهام، وفي السويد فإن المدن المفضلة لهم هي استوكهولم، مالمو، يتبوري ، وعن المهن التي يعمل فيها السودانيون قال في بريطانيا فإن عددا مقدرا منهم أطباء يحظون بمكانة رفيعة، وفي فرنسا والنرويج وغيرها من دول أوربية فإنهم يعملون في مهن مختلفة منها توزيع الصحف، المطاعم، في شركات البريد والبوستة، سائقو عربات أجرة، وعمال مصانع.

الواقع يتجسد

الصحفي السابق بصحيفة الصحافة، والمقيم في دولة بلجيكا يوسف الناعم، يقول للصيحة إن أغلب السودانيين المقيمين في أوربا، وفدوا إليها عن طريق الهجرة غير الشرعية، غير أن بعضهم جاء عن طريق التأشيرة، والبعض الآخر جاء عبر مراكب الموت التي تعبر البحر الأبيض من ليبيا، أو من جمهورية مصر العربية.

وعن الحياة في أوربا يؤكد أنها أكثر مشقة من السودان لصعوبة الطقس، والقوانين، واللوائح للبلد المضيف.

طلب لجوء

وينوه الناعم إلى أن دخول السودانيين إلى أوربا يأتي بدعوى طلب اللجوء أو الحماية، وهو حق قانوني كفلته اتفاقية الأمم المتحده، وأضاف: تبدأ الخطوات بتقديم طلب اللجوء مباشرة لدائرة الهجرة أو عبر الشرطة في البلد الأوربي، ويبدأ التحقيق مع المتقدم للتأكد من السوابق عبر كشف البصمة ثم الأسئلة التعريفية من ومتى وكيف دخلت البلد، لعدم التأكد من المعلومات والبصمة يتم إرسال الشخص إلى معسكر لجوء الذي يتم فيه تجميع أغلب طالبي اللجوء من الجنسيات المختلفة، بعد ذلك يتم التحقيق بشكل منفصل للتأكد من أن طالب اللجوء مستحق لهذا الحق أم لا؟

وهنا يختلف التقدير من محقق إلى محقق آخر، بالطبع المحقق يعرف كثيراً عن قضايا حقوق الإنسان في السودان، فالمحققون يعلمون تفاصيل السودان أكثر من السوداني نفسه، كيف، هذا ما لم أعرف حتى الآن، ويمضي يوسف في حديثه، ويشير إلى أنه وبعد التحقيق ينظر في الطلب حسب المعلومات، ومن ثم تقرر الدولة إعطاء حق اللجوء أم رفض طلب المتقدم، مبينًا أنه وفي حالة الاستجابة لطلب اللجوء يستحق من طلبه حق لم شمل أسرته التي تتكون من زوجته وأطفاله وكل من هم تحت كفالته القانونية.

مهن مختلفة

عن واقع السودانيين في أوربا من الذين حصلوا على حق الإقامة عبر اللجوء، يكشف يوسف أن من بينهم من كان معلماً أو مزارعاً أو راعيًا أو رجل شرطة أو سياسيا مخضرماً، فتختلف مشاكلهم الأسرية في أوربا حسب رغباتهم من مشروع الهجرة، فالمزارع جل تفكيره في امتلاك مشروع زراعي في السودان ويبذل جهداً مقدراً من الوصول إلى هدفه، والمعلم يسعى لرفع مقدراته في سلم التعليم، لكن كل اللاجئين السودانيين يجمع بينهم السخط والغضب من النظام الحاكم حتى يثبتوا معارضتهم للنظام، فالكل يمارس السخط على الحكومة ويظهر ذلك جلياً في مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

مشاكل اجتماعية

وينتقل يوسف إلى الحديث عن المشاكل الاجتماعية التي تواجه السودانيين في أوربا التي يكشف عن أنها تتمثل في الاختلافات الأسرية وصولاً إلى الطلاق الذي تعتبر نسبه عالية، وأضاف: نعم ليس كل الأسر السودانية في المهجر تعاني من ذات المشكلة، لكن أغلب الأسر تعاني من مشاكل الطلاق، فالمجتمع الأوربي يشجع على الحرية ويدعم خيار المرأة في ذلك.

تحقيق: صديق رمضان
صحيفة الصيحة