تحقيقات وتقارير

بجلبابٍ وأَريحيَّة رئيس الوزراء خارج الدوام الرسمي.. حديث واستماع بلا حواجز

وجود تحديات أمام الاقتصاد الوطني أمر طبيعي لا يجب أن يستمر

رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى طلَّ لأول مرة بقاعة الشارقة أمس، في نشاط خارج إطار المؤسسات الرسمية منذ تنصيبه في موقعه الحالي، مخاطباً منتدى صحيفة إيلاف الاقتصادية ومركز التنمية والسياسات العامة حول (الاقتصاد السوداني: تحدي السياسات واستحقاقات الإصلاح).. معتز ابتدر حديثه بالتأكيد على أهمية التداول حول قضية الساعة المعنية بالأحوال الاقتصادية باعتبارها برنامج عملٍ وطنيّ عامّ، مشيراً إلى أنه وخلال تحركه إلى القاعة كان يفكر في عدم الحديث وإنما الاستماع للآخرين فقط بلا حواجز أو كوابح).

رئيس الوزراء وزير المالية اعتبر أن ثمة علامات على حيوية المجتمع في أمر التفكير والتشاور والتحاور، ووصفها بالمؤشر الإيجابي المهم الذي لا تخطؤه العين بأن البلاد تسير على الدرب الصحيح. وأشار موسى إلى أن مثل هذه المبادرات تأتي حرة ودون صفات للوصول إلى رؤية حقيقية والخروج ببرنامج عمل، وإحداث تغيير جذري في الاقتصاد عبر سياساته ومعطياته ومفاهيمه وترتيبه وإدارته وتقييمه ثم المحاسبة على أساس النتائج المحققة.

التجاذب الاقتصادي

رئيس مجلس الوزراء وزير المالية معتز موسى، رفض اعتبار الاقتصاد السوداني استثناء بين الدول لجهة أن الاقتصاديات عموماً بحاجة إلى إدارة وإصلاح مستمران، وفسر وجود تحديات أمام الاقتصاد الوطني بالأمر الطبيعي الذي لا يجب أن يستمر، وأضاف: “الاقتصاد خلال مسئولية الحكومات الوطنية السابقة لم يخضع إلى سوءٍ مُتعمَّد، ولكن ما حدث جاء من اجتهاد تلك الإدارات في تحليل الأوضاع”، مشيراً إلى أن مقومات الاقتصاد السوداني تتيح فرصة مد البصر نحو المستقبل، وأضاف: “الحديث عن الاستحقاقات والتحديات لا يتم إحراز تقدمٍ فيها إذا كانت هناك حالة تجاذب اقتصادي وسياسي وجغرافي، مما يتطلب التوافق على الرؤى”. وأبان أن تغيير مؤشرات النمو ما بين تراجعه ثم تحديد المعدل بنحو (3-4%) لخمس سنوات قادمة، تحدٍّ يحتاج إلى تعديل المسار ورفع الأداء إلى درجات أعلى بمتوسط 7% لفترة العامين المقبلين حتى يستقر اقتصاد السودان.

تحذير وتوجيه

موسى قطع بعدم حماية وتمييز الشركات الحكومية وإداراتها، وأضاف: “لا نريد أن تكون هنالك حماية لأحد أو امتياز ولا سبيل لتمييز أي جهة في (سوق الله أكبر) على حساب جهة أخرى”. مؤكداً على ضرورة أن تُتَاح فرصة للخروج من عباءة الدولة بقدر الإمكان، وأضاف: “يجب ألا تمول أشياء جذرية للدولة في الميزانية بالضرائب والجمارك”، وتابع: “هذه أشياء يجب أن تتلاشى بمرور الوقت بحيث تتحمل كل جهة مسؤليتها على أساس الاقتصاد الحر الصحيح العادل، وأن يتم كل شيء بالتنافس والشفافية”.
وندد موسى بتمويل الميزانية من المواطن، وأضاف: “ليس من الحكمة دوماً تمويل الميزانية أيضاً من ظهر المواطن”. مشدداً على ضرورة الرؤية الموضوعية، منوهاً إلى أن الدولة مع سد الثغرات والشفافية بلا سقف، ومع العدل والإدارة الراشدة والوضوح.

الفقر ليس قَدَراً

موسى استعرض عدداً من المؤشرات ظل يشكو منها الاقتصاد السوداني باعتبار أن هدفه الرئيسي الإنتاج والصادر وإحلال الواردات، حددها في تزايد معدلات الفقر كونه مؤشراً اقتصادياً خطيراً، مطالباً بمعالجته ومحاربته بالسياسات والإدارة الراشدة ثم الموارد، وأضاف: “الفقر ليس بالضرورة أن يكون قدراً للمجتمع، وإنما لديه مشكلات مبرَّرَة”. مؤكداً على أن التضخم وسعر صرف العملة لهما دور كبير في إفقار الناس. منوهاً إلى أن أي برنامج إصلاح اقتصادي لا يراعي التحكم الجذري والشامل والتضخم وسعر الصرف لن يحقق المطلوب.
معتز قطع بعدم رفع الدعم في الموازنة الجديدة والتحكم بقبضة حديدة على التضخم وسعر الصرف ثم معالجة معاش الناس.
رئيس الوزراء شدد على ضرورة أن يكون النظام المصرفي أمناً ومستقرَّاً لجهة قدرته على إعطاء الاقتصادي الكلي رئة ثانية يتنفس بها كأحد مؤشرات سلامة الجهاز المصرفي.
رئيس الوزراء اعتبر أن طباعة النقود لشراء الذهب إجراء مطلوب وليس بمشكلة، وأضاف: “المهم هو توقيت صدور العملة الذي يجب أن يكون عبر دراسة وعمل محدد”.

البطالة والشباب والاستثمار

البطالة وسط الشباب اعتبرها معتز مؤشراً وسبباً لعدم حركة الاقتصاد، شارحاً بأن الاقتصاد ليست لديه القدرة على توليد الوظائف ثم الاستثمار الأجنبي ومهمته في توفير فرص العمل، مشدداً على أنه يجب أن تكون هناك اشتراطات في قانون الاستثمار الأجنبي يلزم بتوفير فرص عمل للشباب حتى ينعكس ذلك على مستوى اقتصاد الأسرة.
وزير المالية دعا إلى مراعاة القدرة على اجتذاب الاستثمارات الخارجية التي يمكن أن تُسهم في إدخال تقنيات غير تقليدية وتوظيف الكفاءات الوطنية، مع إحلال الواردات بطريقة لا ترهق المالية العامة، مطالباً بمراجعة الأوضاع وفقاً لهذا النهج على أن يكون الاستثمار الأجنبي محركاً حقيقياً للاقتصاد الوطني. ونوه معتز لأهمية القطاع الخاص الوطني وأن يكون أداؤه وفقاً لعمل حقيقي.

الوصفات الدولية

في المقابل رهن الاقتصادي بروفيسور حسن بشير، معالجة الأزمة الاقتصادية بمعالجة شاملة للأزمة السياسية وأزمة هيكلة الحكم، ويدخل ضمن ذلك تغيير العقيدة الاقتصادية للدولة المعتمدة على وصفات مؤسسات (بريتون وودز)، وإعادة هيكلة أجهزة الحكم والمؤسسات الاتحادية بشكل يراعي المصالح العليا للدولة وكفاءة أجهزة الدولة والخدمة المدنية.
سلبية 2018م

بشير دعا إلى معالجة الآثار السلبية التي أحدثتها موازنة العام الجاري، وإعداد دقيق إلى موازنة البرامج المقبلة، بموارد محددة على مستويات الحكم والمؤسسات الحكومية والولايات، وأن تكون موازنة البرامج مصاحبة للتقليدية وليست بديلاً لها، واصفاً الحالة الاقتصادية الراهنة بـ(المأزق) بكل جوانبه السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والحضارية، وأضاف: “المعالجة لا يمكن أن تتم إلا باستيفاء شروط ومتطلبات هذه الجوانب كافة وقيام نظام مؤسساتي يشتمل على قوة القانون والدستور”.
حسن بشير أشار إلى أن الإجراءات المالية والنقدية لعام 2018م أدت إلى آثار تضخمية وإلى تراجع مؤشر القوة الشرائية ومستويات الاستهلاك، الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر وتراجع الإنتاج، وأضاف: “معدل الانفاق اليومي للفرد يقدر بـ(2.8) دولار في الريف وبـ(4) دولار في الحضر، الأمر الذي يعني أنه أعلى من الحد الأدنى للأجور بـ(425) جنيه”، مشدداً على أن مشكلة الإيرادات العامة تبرز لأن الموازنة العامة تعاني من عجز قُدِّر بـ16% ما يعادل 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي أي حوالي 28.4 مليار جنيه وتفاقم العجز خلال الأداء. منوهاً إلى أن عوامل إحداث التوازن والاستقرار الاقتصادي تتطلب انتظار موجة جديدة من التضخم مدفوعة بتكاليف الإنتاج والواردات بعد تحرير الجنيه، كاشفاً عن أنه في حالة رفع المرتبات بشكل فوري سيحدث مشاكل في النظام النقدي والتمويلي، سيستمر التدهور في القوة الشرائية للجنيه.

هيمنة المالية

وفي السياق طالب الاقتصادي بروفيسور إبراهيم أونور، بضبط الانفاق العام وتقرير مبدأ الشفافية في إدارة الموازنة، ثم وضع آلية أكثر عدالة بخصوص التحويلات الجارية وربطها ببرامج تنموية، بجانب تمكين المركزي من احتواء التضخم واستقرار سعر الصرف مع تحجيم الولايات لتخفيض الصرف.
وأوضح أونور أن تحديات السياسة المالية والنقدية في هيمنة الأولى (المالية) على الثانية (النقدية) مما يجعلها غير فاعلة ومحققة للأهداف المطلوبة، وأضاف: “مشكلات ضعف البنك المركزي في التحكم بسعر الصرف وهيمنة السوق الموازي وسوء إدارة الذهب وتحويلات المغتربين وعدم معرفة إحصائياتها، صارت مصدر تقوية للسوق الموازي، مما زاد من عجز الموازنة بالاعتماد على جيب المواطن للتمويل وليس بالاعتماد على الأصول”. واعتبر أونور أن اتساع الفجوة بين إنتاج الذهب والمصدر منه يعتبر دليلاً واضحاً على زيادة حجم التهريب مما أصبح يغذي السوق الموازي مع تحويلات المغتربين.

تنموية العراقي

وفي السياق أشار د. محمد علي العراقي، إلى ضرورة اتباع مفهوم قيام دولة تنموية بخصائص سودانية باعتبار أنها دولة تتميز بمعدل نمو عالي وترتيبات سياسية وإدارية تركز على التصنيع، وتعزز الميزة التنافسية وإدارة بيروقراطية عالية التأهيل وذات كفاءة عالية. منوهاً إلى أن اللافت في هذه النماذج العلاقة بين السياسي والبيروقراطي، وأن دور السياسي يقتصر على التوافق والتشريع وإضفاء الشرعية على تصرفات وأعمال النخبة البيروقراطية، واستدرك: “لكن من يحكم ويدير البلاد فعلياً البيروقراطية”، وأضاف: “الدولة التنموية معنية بإطلاق عملية التحول في حياة الناس ورصدها، وبدلاً من أن تكون صديقة للسوق فحسب تكون الدولة صديقة للتنمية، ينقل هذا التطور الاهتمام من التركيز على النمو إلى التركيز على التنمية البشرية”.

صحيفة السوداني.