أمان العمل الخيري!!
الاستثمار (التجاري) يحتاج إلى الحد الأدنى من (الأمان) ، وهو ما تبذل له الدول الكثير من (الإجراءات) وتجتهد باستمرار لتبعث الرسائل (المباشرة) و (غير المباشرة)
لتطمين المستثمرين وتأكيد عناية الدولة بسلامة وأمان استثماراتهم وأنها في أيدٍ أمينة لها الرعاية والحماية والمتابعة ، وربما أنشأت إدارات خاصة لهذه المهمة. ومما لا شك فيه أن المستثمر لا يقدم على الاستثمار خاصة في غير بلاده إلا إذا وجد التطمين الكافي المقنع له ، وقد لا يقتنع إلا أن يتتبّع أحوال المستثمرين قبله ، وله الحق في المبالغة في (التحري) والسؤال والاستشارة عن درجات (الأمان) للاستثمار ، ومظاهره ، وقوانينه وإجراءاته.
· و(العمل الخيري) بأنواعه المتعدّدة ومفهومه الواسع ، أشد حاجة إلى (الأمان) و(إجراءاته) من الاستثمار (التجاري) ، خاصة في بلد مثل بلدنا .. حيث تؤدي فيه (المؤسسات الخيرية والمنظمات الطوعية) دورا كبيرا مشهودا في كل المدن وأكثر القرى، وتغطي الأعمال الخيرية (مجالات كثيرة ومتنوعة) تعجز الدولة في مركزها أو ولاياتها عن تنفيذ (جزء منها). وهو سجل حافل ومسيرة مشرّفة لكثير من المنظمات الخيرية التي أسهمت في التغيير في العقود الماضية ، في الجوانب الصحية والتعليمية والدعوية والإغاثية وغيرها ، في الغذاء والدواء والماء ، في صهريج الماء أو البئر أو شبكة السقيا ، في الكتاب والمدرس وفصول الدراسة ، في المركز الإسلامي والجامع والمسجد والمصلى ، في خلاوى القرآن الكريم وفي معاهد القراءات وفي تعليم العلوم الشرعية ، في المستشفى والمركز الصحي والعيادة المتحركة ، في كفالة الأيتام والأسر الفقيرة والأرامل والمطلقات ، في رواتب الدعاة والأئمة والمؤذنين ، في توزيع المصحف وفي نشر الكتاب ، في كفالة الطلاب وتأمين المنح الدراسية ، في رمضان وفي الأضحى ، وفي كل يوم وفي كل ساعة ، تأسيساً وتشييداً أو تأثيثاً أو تسييراً أو متابعة ، والقائمة المتنوّعة في سجل الشرف تطول.
· إن إجراءات (الأمان) في العمل الخيري هي من الضروريات ؛ بل من أهم الضروريات ؛ وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، والحاجة ماسة جداً ، لا سيما في وقتنا المعاصر ، لا بد من العناية ؛ بل مزيد من العناية في إجراءات (الأمان) للأعمال الخيرية ؛ إذ بها (تحفظ الحقوق) – وهي من المهمات العظيمة فإن العدل قامت به السماوات والأرض – ، وبتطبيقها يطمئن (الواقفون) على قيام أو استمرار أوقافهم وفق (شروطهم) وتحقيقها لرغباتهم – وكم من مقبل قد أدبر وكم واقف قد توقّف بسبب عدم أو ضعف (الأمان) – .. وفي إجراءات (الأمان) في العمل الخيري تشجيع على بذل المزيد من الجهود واستمرار الأداء لمن ندبوا أنفسهم من أبناء مجتمعنا لخدمة بلادهم وأهلهم، ولمن رغبوا في مساعدة أهلنا ممن تربطهم بمجتمعنا أخوة الدين والإيمان. فإن المحسن المباشر أو من يتوسط بين فاعل الخير وعمل الخير هو غير ملزم !!فإنه – غالباً – متطوّع ، وشعب الإيمان وأعمال الخير كثيرة ومتنوّعة فإنه قد يغلّب العمل بقاعدة : (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) ، وقاعدة : (خير الخيرين) والقاعدة النبوية : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ، ونحن قوم تنتشر فينا خصلة (الحَرَد) فهي صفة حاضرة قريبة !! بين كثير من الناس ، والعمر قصير ، والآخرة وقبلها دار البرزخ بحاجة إلى كسب الأوقات في الأعمال الصالحات ، لهذا وغيره فإن العناية بتطمين المحسنين ، والاجتهاد في تأمين الأوقاف ، وتأكيد ضمان قيام واستمرار الأعمال الخيرية وفق شروط أصحاب الأوقاف والمموّلين هو من المهمات المتحتّمات ، و(المجمل) قد يغني عن (المبيّن) ، ولربما عدت لاحقاً إلى هذا الموضوع المهم بتفصيل، والموفّق من وفّقه الله ..
د. عارف الركابي
صحيفة الإنتباهة