تحقيقات وتقارير

خبير اقتصادي : البيع بالشيكات المصرفية سياسة حكومية لربط السوق بالدفع الإلكتروني

قرار بيع وشراء العقارات والعربات بالشيكات المصرفية وجد رفضاً واسعاً
نقابة المحامين: السياسات التجارية والأمنية والاقتصادية ليس من اختصاص السُلطة القضائية ولجنة القواعد.

أثار قرار منع استخدام الكاش في عمليات البيع والشراء للعربات والعقارات جدلا كثيفا، وسط الأوساط القانونية والاقتصادية، نقابة المحامين استنكرت القرار الصادر من السلطة القضائية، والقاضي بتعديل القواعد الخاصة بتنظيم وضبط أعمال التوثيقات للعام ٢٠٠٠ وذلك فيما يتعلق بالتصرفات الناقلة لملكية العقارات والمركبات والعربات، حيث اشترط القرار أن تتم كل التصرفات الناقلة للملكية – والمتعلقة بهذه الأموال الثابتة والمنقولة التي أشار إليها القرار – عن طريق الشيكات المصرفية، ويلزم بهذا التعديل جميع الموثقين والجهات ذات الصِّلة بهذا الأمر.
واعتبرت النقابة في بيان تحصلت (المجهر) على نسخة منه أن القرار مجرد ذراع (لجهات أخرى) تهدف لسد النقص في السيولة النقدية واسترجاع ماهو متداول منها خارج العملية المصرفية، وكانت لجنة القواعد بالسُلطة القضائية قد أصدرت قراراً يقضي بتعديل القواعد الخاصة بتنظيم وضبط أعمال التوثيقات للعام ٢٠٠٠ .

وعلى خلفية هذا القرار سارعت نقابة المحامين بإصدار بيان يستنكر ويرفض القرار وبرر البيان الرفض بأن التفويض القضائي للمحامين للقيام بالتوثيق ومصادقة المستندات ممنوح بموجب أحكام المادة 6 الفقرة 1 من الأمر الأول الجدول الأول الملحق بقانون الإجراءات المدنية للعام ١٩٨٣ وبمقتضى قواعد تنظيم وضبط أعمال التوثيقات لعام ٢٠٠٠، والغرض الأساسي من التفويض المذكور هو تيسير المعاملات وتسهيلها للمواطن بدلاً من اللجوء للمحاكم المكتظة بأعمال التقاضي، وأن هذا القرار يجعل من السلطة القضائية مجرد ذراع (لجهات أخرى).

وعدت النقابة الأمر بمجافاة ما نص عليه دستور السودان الانتقالي بتعزيز الدولة للاقتصاد الوطني عن طريق زيادة الإنتاج وبناء اقتصاد حر وتشجيع السوق الحر ومحاربة الفساد ومنع الاحتكار، وأن السلطة القضائية ولجنة القواعد ليس من اختصاصها سن سياسات تجارية وأمنية واقتصادية.
إضافةً لذلك، فإن إلزام المتعاقدين بأن تتم معاملاتهم المتعلقة بالعقارات. والمركبات على النحو المشار إليه في القرار ينتهك الحق في حرية التملك المنصوص عليها في الدستور وينتهك القاعدة الذهبية (العقد شريعة المتعاقدين) وحرية التعاقد طالما كانت المعاملة مشروعة وطريقة السداد كذلك.
وطالبت النقابة السلطة القضائية المساهمة في بناء الاقتصاد عبر ردع الفساد والفاسدين في الدعاوى التي تقدم إليها في هذا الصدد.

وأفاد محامون في حديثهم مع (المجهر) أن رفض المحامين للقرار المنسوب إلى لجنة القواعد يأتي ليؤكد الحرص على استقلال السُلطة القضائية وحُرية التملك واحترام إرادة المتعاقدين وبناء اقتصاد حُر ومعافى وفقاً للمبادئ الهادية والموجهة للدستور الانتقالي لجمهورية السودان للعام ٢٠٠٥..

وحسب المستشار القانوني والمحامي “أسامه صالح رحمة” في حديثه (للمجهر) لا يحق للدولة التدخل في كيفية سداد الثمن بين البائع والشاري في التجارة الحُرة، وقال بغض النظر عن مخالفة هذه الضوابط للقانون وانتهاكها لحُرية التعاقد ولمبدأ الإرادة، الذي يقصد به أن الإرادة الحُرة وحدها هي التي تملك إنشاء العقد وتحديد آثاره، فليس لأي جهة أن تتدخل لتفرض عليه ما يخالف إرادته، وإن تطبيق هذه الضوابط سيواجه بالعديد من الإشكاليات العملية كما في حالة: المبايعات السابقة التي استلم مقابلها كله أو جزء منه قبل صدور القرار.

ومثالها الشقق السكنية التي يتم بيعها قبل التشطيب ويلتزم البائع بنقل الملكية بعد اكتمال المباني وتسجيل العمارة، وهذه الفرضية سترهق المحاكم حتما بالكثير من دعاوى إثبات البيع وتعديل السجلات الصورية، وحالة العقود الآجلة إذا وافق البائع على نقل الملكية مقابل شيك آجل يدفع في تاريخ محدد، وحالة عقود البدل والمقايضة كحالة مقايضة منزل مقابل سيارة مع سداد فرق نقدي أو عدمه، وحالة عقود تسوية المديونيات القديمة بين الأطراف كما في حالة التنازل مقابل الوفاء بدين. وكل هذه الفرضيات يستحيل فيها التوثيق بشيك مصرفي لعدم وجود مقابل لحظة توقيع العقد.

وهذا التضييق سيؤدي حتماً إلى التحايل والتلاعب والغش بلجوء المتعاقدين للبيع بمقابل صوري زهيد واستلام باقي المقابل نقدا، وقد يلجأ المتعاقدون للبيع بتوكيل وإقرار تنازل، وبالتالي يحجم المتعاملون من اللجوء للتسجيل. ويترتب على عدم التسجيل فوات فرصة ايرادية للدولة ووجود سجل غير حقيقي واحتمال ضياع حقوق المشترين من جراء عدم التسجيل وما يترتب عليه من نزاعات، وقد يتم اللجوء لدعاوى إثبات بيع صورية للحيلولة دون إجراء التوثيق، كما أن هذه الضوابط قد تكون مدعاة لتزوير الشيك المصرفي لإكمال التوثيق، وفي تقديري أن هذه الضوابط خرجت من إطار الحدود المعقولة (المستثناة) التي يرسمها القانون مراعاة للتوازن بين الإرادة والمصلحة العامة.

يرى الخبير الاقتصادي د.”عز الدين إبراهيم” في حديثه لـ(المجهر) أن قرار منع استخدام (الكاش) في بيع العربات والأراضي، سياسة حكومية لربط السوق بالدفع الإلكتروني بتحويل الحساب من حساب لحساب آخر وستقلل الطلب على الكاش مما تعطي انفراجا نسبيا في الطلب على الكاش، وقال مثلا إذا كان حجم السيولة الكلية بالبلاد (300) مليار، لدى المواطن (80) ملياراً، ولدى البنوك (220) ملياراً، وهذا يعني ليس هنالك أزمة سيولة بالمصارف، وإنما أزمة ورق نقدي، وأضاف بأن الحكومة تعمدت بذلك تجفيف الكتلة النقدية، للحد من التعامل بالنقد خارج النطاق المصرفي، واعتماد سياسة تحجيم السيولة التي مضت عليها حتى الآن (7) أشهر.

توقع صاحب معرض سيارات بكرين بحري في حديثه لـ(المجهر) لجوء التجار للثغرات القانونية للتحايل على القرار، مثلاً استخراج شيك بمبلغ نصف المبلغ المتفق عليه عند البيع بين التاجر والمشتري، فمثلا عند شراء سيارة قيمتها (2) مليار، يمكن أن يستخرج البائع الشيك بقيمة مليار واحد، ويتفق مع المشتري بدفع مليار كاش، وأكد وجود رفض قاطع للقرار بين التجار، وقالوا لا يمكن للحكومة التحكم بعمليات البيع والشراء للتجار، وأشار إلى أن القرار ربما كان مدخلا لزيادة الضرائب على التجار بحصر أرصدتهم، فيما توقع توقف حركة البيع والشراء تماماً هذه الفترة لحين اتضاح الرؤية.
إلى ذلك علمت (المجهر) من مصادر عليمة باستقالة المحامي والموثق “هاشم فضل” كنه من عضوية لجنة مراقبة التوثيقات بولاية البحر الأحمر أمس مناهضاً للقرار، وقال في استقالته إن القرار جاء بالمخالفة لواجبات الأداء القضائي للمحامي عند تصديه لأعمال التوثيق إذ غير مناط به أن يكون أداة إنفاذ لسياسات ورؤى السلطة التنفيذية بما يخالف القانون ومبدأ الفصل بين السُلطات، وأضاف لا يجوز أن تكون القواعد مخالفة للنصوص الواردة في صلب هذا القانون.

الخرطوم : نجدة بشارة
صحيفة المجهر السياسي