مقالات متنوعة

القائمة السالبة تعود إلى أمها


لأن تذييل الخبر كان بالإشارة إلى معاناة السودان من شح في موارد النقد الأجنبي خاصة الدولار منذ انفصال جنوب السودان بثلاثة ارباع الموارد النفطية التي قيل إنها تمثل 80% من موارد النقد الأجنبي ..فإن الملاحظة المهمة هنا أن السودان لم يرفع علمه عام 2001م مع قبض أول نقد أجنبي من صادر النفط ..
> فحتى لا ينخدع الناس ..فإن حرب الجنوب منذ استئنافها في يونيو 1983م ..و حتى عام 2001م قبل قبض عائد النفط، كانت قد استهلكت من النقد الأجنبي من صادرات غير نفطية أكثر مما حصل عليه السودان من صادر نفط الجنوب و نفط الشمال على السواء.
> فما معنى أن تبرر الحكومة المعاناة التي جاءت نتيجة سياسات خرقاء سالبة منها القائمة السالبة لسلع مستوردة فكت الحظر عنها أمس الأول، بفقدان موارد الجنوب النفطية.

> معنى ذلك أن الدولة بالفعل في أهم مؤسساتها تعاني الفراغ التكنوقراطي لأسباب من بينها الفوبيا ..و هي أمس الأول ترفع الحظر عن استيراد سلع يمكن انتاج 99% منها داخل البلاد ..لكن النظرة ليست اقتصادية وطنية ..بل انتفاعية سلطوية ..فأصبحنا مثل الدول التي تنتهك فيها الحريات وتهضم حقوق الإنسان رغم ثرائها الفاحش بمواردها و ليس باقتصاد المعرفة ..فهي معاقل الجهل و الغفلة و السذاجة. .
> 19 سلعة كانت الحكومة قد اعتبرتها مستهلكة للنقد الأجنبي ..و مضرة جدا بالميزان التجاري ..و سمتها ( القائمة السالبة )لكنها الآن ترضي بعض المستوردين بدلا من أن توجههم باستيراد السلع الإيجابية. لكن أليست الحكومة نفسها أكبر مستهلك للنقد الأجنبي ..؟ وهل كان حظر استيراد السلع الهامشية التافهة التي عظمتها المجاملات والمحاباة من أعلى سلطة From on high مجديا مع استمرار السياسات النقدية و المالية السالبة ..؟
> كان حظرها طبعا لإصلاح السياسة التجارية للدولة ..و يكون إصلاحها اضافة إلى حظر القائمة السالبة للسلع المستوردة بتسهيل التصدير ..ولعل المصدرين يجدونه ويتحمسون جدا لتصدير ما يحتاجه السوق في الخارج ..و المصدرون هم في برنامج الحكومة الإصلاحي الاقتصادي عنوان ..فهي تتحدث عن أن الإصلاح الاقتصادي يقوده الصادر ..و طبعا بالمقابل يفشله الاستيراد ..استيراد سلع القائمة السالبة التي أعيد تصريح استيرادها لزيادة طينة الغلاء بلة.

> و حتى لو كانت فترة حظر استيراد سلع القائمة السالبة في حسابات الحكومة قد انتهت .. فهل في هذه الفترة توفر النقد الأجنبي و تحسنت قيمة العملة وبالتالي تناقصت حدة الغلاء ..؟ كلا ..و ألف كلا ..فهي تزيد يوميا .
> هنا ينبغي أن تفهم الحكومة أن علاج عجز الميزان التجاري بحظر سلع القائمة السالبة لا يكفي وحده .. وهل الاستشفاء من الملاريا يكون فقط بالبندول لإزالة الصداع فقط ؟؟ أم بعلاج الملاريا الأهم..؟ فإن حظر السلع هذي هو البندول لكن العلاج الأهم لملاريا الغلاء وتدهور العملة الوطنية هو هيكلة السياسات النقدية والمالية.

> بالنسبة إلى السياسات النقدية ..أن تلغي الدولة سعر الصرف الرسمي بعد أن ترفع رئاسة الجمهورية يدها عن استهلاك النقد الأجنبي ليتوفر لمنع المزيد من تراجع قيمة الجنيه السوداني، وسيظل يتراجع بدون هذا الإجراء ..كما هو الآن يتراجع باستمرار.
> و الجزء الثاني من علاج الملاريا الاقتصادية هو إلغاء تجنيب الأموال العامة واتباع مؤسساتها وشركاتها إلى وزارة المالية ..لإحكام ولايتها على المال العام كما وعدت الحكومة دون فكرة ودراية .
> و دون هذا العلاج الناجع ..نعتبر أن رفع حظر استيراد سلع القائمة السالبة الفضائحية المهينة للتأريخ الوطني للبلاد، هو عودة هذه القائمة إلى حضن أمها السياسات النقدية والمالية والتجارية السالبة.. فقد هرمتم ..فارحموا شعباً يحتار.
غداً نلتقي بإذن الله …

خالد حسن كسلا
صحيفة الإنتباهة