أطاحت بـ(كبار) أزمة الوقود في البلاد.. هل تُفلح إقالات المسؤولين في إنهائها؟
طلمبات الوقود تكتظ بالعربات وتخلو من الوقود.. هكذا تقول الوقائع المعززة بمشاهد الصفوف الطويلة للعربات في العاصمة الخرطوم وعدد من ولايات السودان منذ أكثر من خمسة أيام متتالية، ليأتي رد الفعل سريعاً من الحكومة بإقالات مسؤولين كبار في المؤسسات المعنية، في ظل استمرار الأزمة ووعود بحلها.
ما إن حل مساء الأربعاء حتى أعفى رئيس مجلس الوزراء معتز موسى بشكل مفاجئ ثلاثة من كبار المسؤولين، اثنان منهم تقلَّدَا مناصب رفيعة بوزارة النفط، بجانب النائب الأول لمحافظ البنك المركزي، في ظل تفاقم أزمة الوقود التي تشهدها جميع ولايات البلاد.
موسى شكَرَ على صفحته بـ(فيسبوك) كلاً من وكيل وزارة النفط ومدير إدارة الإمداد بالوزارة، ونائب محافظ بنك السودان المركزي، وقال: “كل الشكر والتقدير لوكيل وزارة النفط، ومدير الإدارة العامة للإمداد بالوزارة، والنائب الأول لمحافظ بنك السودان المركزي على جهودهم المضنية، ولما بذلوه إبان تكليفهم، ونتمنى التوفيق والسداد لمن تسلم الراية خلفاً لهم”.
تعيينات جديدة
رئيس مجلس الوزراء أتبع ذلك بإصدار قرارات بتعيين أزهري باسبار وكيلاً لوزارة النفط، كما صدر قرارٌ رئاسيٌّ بتعيين حسين يحيى جنقول نائباً أول لمحافظ البنك المركزي. كما أعلن أيضاً في منشور آخر بدء ضخ البنزين من بورتسودان، وكشف عن جهود حثيثة لتحقيق الوفرة في كل محطات الوقود، مشيراً إلى أن حاجة البلاد من الوقود حوالي 4 آلاف طن في اليوم، بينما تنتج المصفاة 3 آلاف ومائتي طن.
رئيس شعبة النفط والطاقة بالمجلس الوطني مهندس بشير جماع أكد لـ(السوداني) أمس، أنه عندما تكون هناك أزمة وإقالة لمسؤولين فإن ذلك يعني أن هناك قصوراً حدث، وتم تحديد بعض المسؤوليات، وأضاف: شأن الطاقة يعطى الأولويات في الاستيراد وفتح الاعتمادات في بنك السودان المركزي باعتبار أنها توظف العديد من القطاعات، منوها إلى أن المسؤولين في وزارة النفط ومدير الإدارة العامة للإمدادات البترولية مسؤولون عن إجراءات الاستيراد والتصدير، وبالتالي فإن أي إجراءات للإطاحة بهم تكون نتيجة لمحاسبة تمت، وأضاف: الإجراء الصحيح لمعالجة القصور.
حلقة متصلة
جماع يرى أن الترتيبات الإدارية تستلزم أن تكون حلقة النقل من بورتسودان والتخزين في المستودعات والتوزيع، تمضي بطريقة متصلة، لافتا إلى أن الوقود إذا لم يصل إلى محطات الخدمة يؤدي إلى حدوث أزمة، وربما يكون هناك خلل في هذه الحلقة سواء الترحيل أو التخزين أو التوزيع ما أدى إلى تجدد الأزمة مرة أُخرى. مشيراً إلى أن موارد البلاد محدودة وأنه لا توجد مواعين كافية للتخزين، وأضاف: حتى في حال توفر النقد الأجنبي لا بدَّ من إدارة الحلقة بشكل متصل للمحافظة على انسياب الوقود. وقطع جماع بأن السوق الأسود يفسر وجود جهات تعوق عمل معتز موسى في توفير الوقود، وأضاف: إذا ذهبت في المسافة من بورتسودان إلى الخرطوم يمكن إيجاد ما يريده الشخص من الوقود، ولكن خارج القنوات الرسمية، وأيضا من الخرطوم إلى الأبيض، ورجح أن تكون هذه الجهات تمثل تجاراً يتعاونون مع جهات في حلقة الاستيراد والتوزيع والنقل النهائي للوقود، مؤكدا أهمية إسناد الشأن البترولي من انسيابه حتى وصوله المحطات النهائية لوزارة النفط وليس للسلطات المحلية ومنع التضارب في الاختصاصات لكل السلطات المحلية.
رسالة العمل
مستشار وزارة النفط السابق صلاح وهبي يذهب في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن الأزمة الأساسية تكمن في عدم توفر النقد الأجنبي مما يتطلب ضرورة توفيره، مشيرا إلى أن إقالة كبار المسؤولين ربما تكون رسالة إلى ضرورة العمل من قبل الذين يتولون شأن المواد البترولية لإنهاء الموقف، مشيراً إلى أن النهج الخاص بالمحاسبة في التقصير مبدأ مهم ويجب الاستمرار فيه، متوقعا أن يسهم وصول كميات مقدرة من الوقود خلال الأيام المقبلة بسد الفجوة المقدرة بـ800 طن.
وأوضح الاقتصادي د.بابكر الفكي في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن مشكلة الإدارة في السودان هي الازدواجية بين السياسة وإدارة الشأن الاقتصادي، حيث يؤدي المديرون التنفيذيون مهامهم، ولكن تجد أن هناك أثرا سياسيا على المستوى الأعلى لديه انعكاس على الأداء التنفيذي بصورة عامة، وهو ما يحدث في كل المجالات، منوها إلى أنه في ظل الوضع الراهن لا تستطيع التمييز ما بين الإداري المنضبط الذي يؤدي واجبه والآخر الفاشل بسبب التدخل السياسي الأعلى، وأضاف: هذه الظروف تم استغلالها من قِبَلِ الإدارات التنفيذية الفاسدة وتسببت في مشكلات السودان.
معيار الكفاءة
ويمضى الفكي إلى أن الإصلاح والإصحاح المطلوبين للمرحلة، يتمثلان في تعيين الجهاز التنفيذي بمعيار الكفاءة وحضور الرقابة بصورة دائمة وفاعلة ثم الحياد السياسي تماما عن التدخل في الشأن التنفيذي، منوها إلى أنه في حالة انحراف أو ظهور عدم مقدرة الكادر المنفذ للعمل تتم المحاسبة فورياً دون أن تتوفر له أي حماية من أي جهة سياسية، وأضاف: هذه هي الاستقامة التي تمكن من إصلاح حال إدارة البلاد بصورة على الأقل صحيحة، مشددا على أن الوضع الحالي يشي بأن ثمة تعييناً لبعض الإدارات التنفيذية لا يتم وفق الكفاءة كما توفر لهم الحماية السياسية من الجهاز الرقابي.
إطاحة وعجز
وكانت أزمة الوقود والمشتقات النفطية قد تسببت في الإطاحة قبلاً بوزير النفط والغاز التكنوقراطي عبد الرحمن عثمان من منصبه، رغم خبرته التي تتجاوز 30 عاما في مجال الصناعة النفطية، وكونه مهندس اتفاقية النفط الأولى، وتطبيقه قانون الثروة النفطية، وذلك بسبب فشله في إدارة وتلافي أزمة المشتقات النفطية رغم الإرهاصات التي خرجت بها وزارته حينها لطمأنة الشارع السوداني باتفاق مع السعودية لتوفير المشتقات النفطية لـ5 أعوام مقبلة، فضلاً عن عجز الوزير عن توفير المبالغ المطلوبة لصيانة المصفاة الرئيسة بالبلاد في وقتها المحدد. ذات الأزمة تعد من أكبر التحديات التي تجابه الوزير الحالي الذي يتولى حقيبة النفط أزهري عبد القادر.
وكان وزير النفط والغاز أزهري عبد القادر عبد الله قد كشف عن خطة لتحقيق وفرة في الوقود بمختلف أنواعه من خلال جذب استثمارات جديدة، فيما بررت مديرة المصفاة الرئيسية للنفط بالخرطوم م.منيرة محمود في وقت سابق تجدد أزمة الوقود واصطفاف المركبات أمام محطات الوقود لعدم كفاية إنتاج المصفاة اليومي من الجازولين الذي يقدر بنسبة (60%) (5) آلاف طن للاستهلاك العالي له، مُؤمِّنةً على أهمية توفير بنك السودان المركزي ووزارة المالية ما يمكن به سد عجز إنتاج الجازولين بالمصفاة البالغ نسبته (40%) عبر الاستيراد من الخارج.
ودعت مدير المصفاة إدارة النقل والبترول بالخرطوم لإيقاف ظاهرة التعبئة المضاعفة للمركبات من الجازولين وغيرها من الظواهر السالبة تحقيقا للعدالة في تلقي الخدمة ومنع الاصطفاف. وكشف رئيس الوزراء معتز موسى مؤخرا عن جملة من الإجراءات التي اتبعتها حكومته لتحسين معاش الناس شملت تثبيت أسعار المحروقات ومشتقاتها (بنزين، جازولين) والاستمرار في تحمل عبء فرق الأسعار المحلية والعالمية بتزايد أسعارها عالميا وعدم كفاية المنتج المحلي منها، مشيرا إلى أن عبء الدعم الذي تحملته الحكومة بلغ نسبة (20%) من موازنة العام الحالي بما يعادل (20) مليار جنيه وإعطاء المشتقات النفطية الأولوية في استخدامات النقد الأجنبي والاستيراد، وتوفير (102,270) متراً مكعباً من الجازولين المدعوم للموسم الزراعي الصيفي والحصاد وتوفير (43,384) متراً مكعباً من وقود الكهرباء المدعوم لضمان استقرار الكهرباء حتى الشهر الحالي.
الخرطوم: الطيب علي
صحيفة السوداني.