تحقيقات وتقارير

المخدرات … شبكات منظمة وحلول مطلوبة


خبراء يؤكدون غياب المراكز البحثية المتخصصة في الرقابية ووجود قصور إعلامي في التوعية
الجزولى دفع الله : السودان شأنه شأن دول العالم يعانى من صعوبة السيطرة على المخدرات.

قانونيون : القانون يعاقب على مجرد الحيازة سواء كانت تعاطياً أو تجارة
تجار المخدرات اصبحوا يطورون اسالبيهم وهو مايستدعى التنسيق بين الجهات المختصة

علي بلدو: الإدمان الكلى يحتاج الى علاج مباشر في مراكز التأهيل النفسي ودمج الأسرة في العملية
الأخصائية حنان الجاك: المروجون استغلوا غفلة الأسر عن المراقبة ووجود فراغ نفسي لدي الشباب

طالب: نتعرف على زملائنا المدمنين من خلال تغيير سلوكهم وميلهم الى الإنعزال

أصبحت ظاهرة تعاطي المخدرات خطر يهدد المجتمع خاصة شريحة الشباب، وباتت تشكل خطورة كبيرة بين اجيال المستقبل، وقد كشف تقرير اعدة مركز حياة لعلاج الادمان عن معلومات خطيرة حيث ابان ان 90% من مترددي المركز لطلب علاج الادمان من فئة الطلاب، فيما أعلن المركز عن ظهور حالات إدمان وسط النساء.

ونبه التقرير الى خطورة زيادة اعداد المدمنين لهذا العام مقارنة بالعام الماضي، وقطع بان عدد المدمنين كبير ويحتاج الي وقفة وبرامج علاجية وتوعوية للأسر من أجل حماية ابنائهم من الإدمان والمساهمة في علاجهم، وطالب بسن قوانين رادعة بجانب تكوين مجلس اعلي لمكافحة المخدرات… المركز السوداني للخدمات الصحفية اجري تحقيقاً مفصلاً حول انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وتأثيرها على المجتمع والحلول المطروحة للظاهرة.

توجهنا باسئلتنا عن اسباب انتشار ظاهرة تعاطى المخدرات حيث ابدي الطالب محمد نور الدين اسفه على انتشار الظاهرة بصورة كبيرة بين الطلاب خاصة بالجامعات، وارجع اسبابها الي غياب الرقابة الأسرية والتفكك الأسري وعوامل الفراغ والجلسات الخاصة بين الطلاب في الأماكن البعيدة عن الأنظار وايضاً الوضع المالي المرموق للبعض والذي يجعلهم يفكرون في تناول هذه المخدرات، لافتا الى ان تناولها قد يأتي بنتائج سلبية يصعب معالجتها لدي المدمن متمثلة في فشله اكاديمياً وتربوياً.

وأضاف انهم يتعرفون على الطلاب الذين يتعاطون المخدرات من خلال عدد من العلامات التى تصاحب تصرفاتهم بأنهم يفضلون الجلوس مع انفسهم لساعات طويلة ويتناول المكيفات من قهوة وشاي بطريقة مستمرة مع ملاحظة في تغيير ملامحهم، بينما يكون هذا المدمن متقلب المزاج ودائما مايميل الي سماع الاغاني العاطفية .

لما كانت الظاهرة لها تأثير مباشر على المجتمع تحدثت الينا د. حنان إبراهيم الجاك اخصائية علم الإجتماع مشيرة الى التحولات السياسية والمتغيرات المربوطة باستراتيجيات عالمية تهدف من خلالها بعض الجهات لإختراق كثير من المجتمعات العربية والأفريقية عن طريق المخدرات سواء كانت مخدرات عادية او رقمية من اجل تدمير المجتمعات العربية الضعيفة، مشيرة ً الى ان السودان شهد تحولات ديموغرافية من خلال تدفق اللاجئين بمختلف الجنسيات العربية والافريقية وغيرها لتدخل الي السودان وهؤلاء أتوا بكل مرجعياتهم الثقافية والإجتماعية التي كان لها الأثر البالغ فيما يحدث بالسودان ، واضافت ان هؤلاء استغلوا البيئة السودانية البسيطة وسهلة التعامل، وبما ان الإستهداف كان لشريحة الشباب فكان هذا الإستغلال للسودانيين انفسهم لتدمير المجتمع لأننا نري حجم الموروجين في الجامعات والمدارس وكل الامكنة” ، وأوضحت حنان الجاك ونعرف ان سن المراهقة هي سن الجنوح والتجريب والتمرد لاثبات الذات مع تضاؤل الرقابة الاسرية وضعف دور الاب والام في مراقبة سلوك ابنائهم، مضيفة ايضاً ان احد اسباب انتشار ظاهرة المخدرات هي الغفلة عن الجانب الديني في التربية التي خلقت فراغاً نفسياً يتم استغلاله من قبل مروجي المخدرات. وأكدت ان التعاطى أدي الى تطور عدد من الظواهر السالبة مثل الجريمة وتفشي ظاهرة الاغتصاب وكل السلوك الذي يتنافي مع الطبيعة البشرية لتغييب العقل كاملاً لدي المدمنين.

وعددت الجاك الأسباب التى ادت الى انتشار المخدارت على رأسها ترهل المجتمع وتفككت العلاقات، وغياب الدور الرقابي وهو يشكل هاجس اجتماعي علي مستوي السلوك مثل خروج الامهات الي العمل وغيابهم من الصباح الباكر الي المساء وهو ماجعل هنالك نوعاً من التفريط في تربية الأبناء، مشيرة الى غياب المراكز البحثية المتخصصة في الرقابة وصعوبة المعالجات في ظل القصور الإعلامي في مناقشة الظاهرة في صورة متكاملة لوضع معالجات جادة يقوم بدورها الإعلام والاجهزة الأمنية والشرطية ، داعية الى تفعيل الي دور المجتمع من خلال القيام بمنتديات مكثفة لتقديم معالجات لان الدولة وحدها لايمكنها ان تعالج الظاهرة باعتبارها قضية شراكة مجتمعية مابين الاسرة والمجتمع والدولة لوضع الحلول الرقابية التامة لكل المنافذ في الدولة .

واضافت د. حنان ان السودان يحتاج الي ميزانيات ضخمة لمراقبة الحدود والاهتمام بمراقبة المنافذ الحدودية التي تتدفق عبرها المخدرات الي مدن السودان أو العاصمة بوضع قوانين صارمة لكل أجنبي يستغل وضع السودان ليصبح تاجراً أو مروجاً، داعيةً الى ربط المدارس بالمنزل لان الجامعات تحولت فقط نحو التحصيل الاكاديمي ، ووصفت الجاك المجتمع السوداني بانه مجتمع “فرجوي” ينظر للمنحرف والمتعاطي اوالمدمن بانه مجرم ولايلتفت الي اهم جانب وهو إعادة التأهيل النفسي له عبر كثير من المحاذير التي يحتاجها وهذه مشكلة كبيرة جداً في مجتمعنا السوداني .

وفي هذا الاطار يقول البروفيسور علي بلدو استشاري الطب العصبي وعلاج الادمان ومدير مركز الأمل للتأهيل بامدرمان ان الادمان اصبح يطرق باب العديد من الاسر السودانية، وعادت تلك الظاهرة أو التهئية البايلوجية او الاستعداد البيلوجي الي البعض لادمان المؤثرات العقلية وكذلك رفقاء السوء ووجود انواع كثيرة من المخدرات متاحة في الشارع السوداني وباشكال مختلفة وكذلك المشاكل الاسرية والتفكك الاجتماعي وتزايد مشاكل النزوح والهجرة ، جنبا الي جنب مع الشعور العام بالاحباط والغبن الذي اصاب الكثيرين والكثيرات، وزاد ايضاً من ذلك الشعور بعدم الراحة والاوهام المسيطرة علي كثير من الناس حول المخدرات، وبالتالي سهولة التعاطي والاندماج في هذا العالم خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار وجود الكثير جدا من الواجهات التي يتم من خلالها تعاطي المخدرات، ويشير بلدو الى أن هنالك انواع مستحدثة من المخدرات الطبيعية والتقليلية المصنعة وكذلك وجود مخدرات جديدة هي المخدرات الرقمية التي أصبحت تغزو السودان بأشكال مختلفة وورود مخدرات كالهرويين والكاكويين بما لها من خطورة عالية، وغيرها من المخدرات الثقيلة والمصنعة وهي أنواع فتاكة ومن يتعاطاها له قدرة عالية على الإدمان من المرة الأولى، واشار الى ان المخدرات تحول الشاب الى قاتل مستقبلي يمكن ان يرتكب جريمته في اي لحظة نتيجة لتلك الاثار السحابية لتلك المواد المخدرة ، موضحاً ان الادمان يبدا بالتعود ثم التعاطي ثم عدم القدرة علي عدم التوقف وبعد ذلك التحمل او الزيادة في الكمية الي وجود درجة الادمان الكلي وهذا يحتاج الي علاج مباشر في مراكز التأهيل النفسي عن طريق العلاج الدوائي والسلوكي والمعرفي والاجتماعي وايضاً دمج الاسرة في هذه العملية العلاجية .

وقال بلدو إن انتشار التعاطي يجب التعامل معه فوراً دون دفن الرؤوس في الرمال واخفاء المشكلة وحجمها الحقيقي، داعياً الى ضرورة التنسيق بين الجهات المختلفة التي تعمل في اطار مكافحة الادمان وخصوصا بعد ورود تقارير تفيد بان بعض المروجين وتجار المخدرات اصبحوا يطورون أساليبهم وموضحاً ان هذا الامر يمكن ان يحدث اختراقا خطيرا في موضوع المكافحة ويجعل كل الاجراءات التي نقوم بها من علاج ووعي وتدعيم هباءاً منثورا، واختتم علي بلدو افاداته بالتشديد علي ضرورة التفرقة ما بين المروجين والمتعاطين والتجار واتاحة الفرص كاملة للعلاج في سرية ومهنية عالية والتوسع في برامج علاج الادمان وتأهيل المدمنين وكذلك تغطية السودان بمراكز علاج الادمان المختلفة بدلاً من وجودها فقط في العاصمة وبعض مدن الولايات القريبة من العاصمة بما يحرم الكثيرين جداً من الوصول اليها.

ويقول د. ابوبكر عبد الرازق الخبير القانوني أن القانون العقابي الذي ينظم التجريم والعقاب علي المخدرات هو قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1996م من حيث التكييف والتعريف ومن حيث التجريم والعقاب ومدي العقوبة ، المشروع القانوني يعاقب علي مجرد الحيازة اذا كان تعاطياً أو تجارة.

وأوضح ان مجرد الحيازة تعتبر جريمة الى ان يثبت العكس بان لاصلة للمشتبه فيه أو المتهم في هذه المخدرات لذلك هي ما يسمي في القانون بالجرائم المطلقة التي تقوم علي مجرد الحيازة مثلها مثل جريمة تزييف العملة ومثل كل الجرائم الصارمة التي ينظمها القانون علي مجرد الحيازة ، موضحاً ان عقوبة الحد الادني للتعاطي هو السجن 10 أعوام والحد الادني للمتاجرة هو 20 عاماً الا اذا كانت لاسباب تدونها المحكمة وبذلك تضطر للحكم بالسجن ومن ثم توقيف العقوبة بموجب المادة (170) من قانون الاجراءت الجنائية لسنة 1991م.

ويوضح رئيس اللجنة القومية لمكافحة المخدرات بروفيسور الجزولي دفع الله ان ان اسباب تناول المخدرات متعددة واحياناً يكون الدافع هو سرعة الحصول على المال “الغنى” أو الفشل أو التقليد وايضاً اصحاب السوء والقدوة السيئة ، وفي اجابته على سؤالنا حول الكمية التي يعلن عن ضبطها من المخدرات مقارنة بالحجم الحقيقي الموجود يقول دفع الله إن التجربة العالمية اثبتت ان البلاد التى لديها شرطة وامكانيات هائلة ثبت فيها ان ما تتوصل اليه الشرطة من معرفة كمية المخدرات لا يتجاوز 10% من ماهو موجود في المجتمع، موضحاً بان السودان شأنه شأن بقية دول العالم يعاني من صعوبة السيطرة علي المخدرات، مضيفاً ان اللجنة القومية لمكافحة المخدرات قامت باجراء مسح علي عدد 13 جامعة في الخرطوم وقال د. الجزولي لم نجد جامعة من بين تلك الجامعات خالية من المخدرات.

تحقيق: ثويبة الأمين المهدي
smc