مقاربة في السياسة وتطوراتها في السودان وإثيوبيا
تحاول هذه الدراسة، فهم قضايا الدين والهوية والعرق والقبيلة وكذلك فهم أطروحات الجماعات السياسية وأثر ذلك على البنية الاجتماعية والتماسك الوطني والسلام والتنمية وقضايا الجهل والفقر، ومدى نجاح السياسة في البلدين مواصلة بناء نسيج وطني، يستوعب قضية المواطنة ويسوق المجتمع في اتجاه التماسك ويسخر مطلوبات التدين والهوية والعرق والجهوية في اتجاه التصالح والتسامح والتعافي ويضع الطاقات في اتجاه السلام والتنمية.
رغم الإدانات المتكررة لنظام الرئيس السابق منجستو ، إلا أن التاريخ سيشهد له بأنه أول من صنع دولة وطنية قومية علمانية تقوم على أساس المواطنة في تاريخ إثيوبيا ، وكذلك فإن رواد حركة التحرير في إريتريا هم أول من رفعوا وبشروا بشعارات الحرية والعدالة وتقرير المصير والاعتراف بتعدد لهويات ولعل من أهم شخصيات الثورة الإريترية المرحوم عثمان سبي لجهوده التعليمية والثقافية والفكرية ، وكذلك الرئيس الحالي اسياس أفورقي الذي رفع علم تحرير إريتريا وكون أول دولة اريترية تقوم على فكرة المواطنة ويمكن أن يقال إن الثورة الإريترية والنخب كانت البادئة منذ فاتحة الستينيات في بذور الأفكار كالاشتراكية والليبرالية في البيئة الإثيوبية لتوطنها في مراكز الثورة العربية نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات ” القاهرة ، دمشق ، بيروت ، بغداد” وكذلك تأثرها بالشعارات التي رفعت بعد انتفاضة أكتوبر 1964م في ظروف الإطاحة بحكومة المرحوم الرئيس الفريق إبراهيم عبود.
وبعد سبعة عشر عاما من نظام الرئيس منجستو نجح تحالف حركة تحرير التجراي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا من الإطاحة بنظام منجستو هايلي ماريام ، وقبل الإطاحة به تم عمل اجتماع في لندن ، ضم مسؤولين أمريكيين وغربيين وممثلين لحركة تحرير التجراي وجبهة تحرير إريتريا لتنسيق دخول قوات الجبهتين لأديس أبابا وأسمرا دون قتال ودون أضرار بالمدنيين ، كما تم إيجاد ملاذ آمن لمنجستو في زمبابوي .
وبالفعل خرجت بقايا جيش منجستو المنهكة بالحروب مستسلمة بسلاحها في دول الجوار ، السودان والصومال ولعل أهم الأسباب التي أدت إلى نهاية نظام الرئيس منجستو، المجاعة التي ضربت إثيوبيا ، عام 1984م – 1985م نتيجة للجفاف والأحوال المناخية والتي مات بسببها الملايين ، وأصابت سمعة النظام بضربة قاضية ، نظام عرض شعبه للموت والجوع والحروب ، وكنظام لا يكترث للموت ويضرب شعبه بالطائرات ومن أهم الكوارث التي حلت بالنخب الإثيوبية، الموت بالجملة والتصفيات للقوى السياسية والمجتمع السياسي الإثيوبي ، مما ولد فراغا قياديا، ملأته الحركات الشعبوية والقومية والجهوية والعرقية .
وفي ظل نظام الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا – بقيادة الرئيس زيناوي تم تقييم لحالة الفراغ الناجمة عما تم من بطش بالمجتمع السياسي وملأ هذا الفراغ عمليا والتنصيص عليه دستوريا بما يسمى الديمقراطية الإثنية، كبديل للقومية الإثيوبية المعدلة والتي كان إطارها المواطنة والاشتراكية ومركزية الدولة ، وفي إطار النظام الجديد القائم على الديمقراطية الإثنية ، تم إعلان إثيوبيا جمهورية فدرالية تقوم على تسعة أقاليم” التجراي” الأمهرا ، العفر ، الصومال ، الأورومو ، الجنوبية ، بني شنقول ، هرر ، جامبيلا، إضافة إلى مدينتين ذاوتي وضع خاص ” أي أديس أبابا وديرداو”.
وفي ظل النظام الجديد ، ما عاد هناك أيدولوجية سياسية او مجتمع سياسي مركزي ، عابر للحدود الإثنية والعرقية والجهوية ، لأن الجبهة الحاكمة ذاتها ونواتها جبهة تحرير شعب التجراي ، جمعت حولها ثلاث حركات عرقية أخرى المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو ، وحركة أمهرة الوطنية الديمقراطية ، حركة شعب جنوب إثيوبيا الديمقراطية – ولم تمثل في هذا التنظيم الحاكم الذي جاء عبر الثورة الشعبية وفوهة البندقية منظمات صومالية أو عفرية أو حتى أحزاب سياسية قومية تتكلم باسم إثيوبيا الموحدة ، وفي ظل حكم زيناوي ، وإجازة الدستور في 3 ديسمبر 1994م ظلت الأمور ساكنة ، إلى أن اندلعت الحرب الإثيوبية الإريترية في 1998 ، والتي اعترف الرئيس زيناوي بأنه كان من أكبر الأخطاء الاستمرار فيها ، بما ألحقته من خسائر وأضرار وموت ودمار في بلدين فقيرين – وكان حصيلة الحرب السكوت عن تراكم سلبيات الحكمين ونمو قبضة العسكريين والأمنيين في البلدين في إطار سلطة الرئيسين زيناوي وأفورقي .
وحينما جرت انتخابات عام 2005م ، سقط مرشحو الجبهة الديمقراطية الثورية الحاكمة في المدن بما فيها أديس أبابا – وفقط استطاعت الجبهة أن تحافظ على أغلبيتها في البرلمان بمن فازوا في الأقاليم وخلت الأجواء ، أمام حزب الحكومة ليستأسد وبفوز بكل مقاعد البرلمان، ويبدو أن الرئيس زيناوي كان مراقبا ومتفهما للوضع وأن موته الذي جاء في أبريل 2012م سبقه موته السياسي ، حيث تأكد له ألا مستقبل لحكم الجبهة الديمقراطية الثورية .
ومنذ موت زيناوي نمت الحركات الجهوية والشعوبية والقبلية ، ومد لها في ذلك أن المادة 39 من الدستور الإثيوبي تنص على حق الشعوب والقوميات الإثيوبية في حق تقرير المصير بما في ذلك حق الانفصال ، في إطار تحقيق كل مطلوبات الحكم الذاتي لكل قومية، وأن مقومات الفدرالية الإثيوبية محدداتها نمط الاستيطان واللغة والهوية ورضاء الشعوب المعنية، وبذلك ذهب الدستور تماما بمعنى إثيوبيا التاريخي ، لأن الدستور نص أن الدولة ليس لها دين ، وكل اللغات الإثيوبية تتمتع بالمساواة أمام الدولة، والأمهرية لغة العمل في الدولة ، ولكل قومية الحق في اتخاذ علمها الخاص.
إن الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي كذلك عمل على تجاوز فكرة إثيوبيا التاريخية برمزيتها وكنائسها ونخبها، ولم تبق على الساحة إلا اللغة الأمهرية التي يتكلم بها فقط حوالي 35% من سكان إثيوبيا الذين تجاوز عددهم مائة المليون.
موت الرئيس زيناوي:
أدى موت الرئيس زيناوي ، إلى خلق فراغ انتقالي ومرحلة انتقالية في الكيان الإثيوبي، لأن الرئيس زيناوي كان المفكر والقائد والزعيم والمنظر والتنفيذي الذي كان الجميع يتعاملون معه بفقه المتلقي للتنفيذ، وحينما انتخب بديله هو هايلي ماريام ديسالين ، من شعوب الجنوب ، رئيسا للوزراء، ما كان يملك وضعية زيناوي ، بل أصبحت السلطة تتمركز في القيادة التاريخية لجبهة تحرير التجراي ، وتتوزع على المؤسسة العسكرية بفرعيها الجيش والأمن ، وأصبح مكتب رئيس الوزراء مكان إخراج القرارات وإضفاء الشرعية عليها.
في خلال سنيَّ الرئيس هايلي ماريام ، كان من الطبيعي أن تتصاعد وتيرة القوميات لتملأ الفراغ – علما أن مدرسة زيناوي عبأت المجتمع الإثيوبي ضد تاريخه ، وختمتّ حكم النخبة الأمهرية بالاستعمار وإذلال القوميات الأخرى، بل إن جبهة تحرير التجراي استمدت مشروعيتها السياسية كحركة تسعى لتحرير مجتمع التجراي من استعمار الأمهرا المزعوم في خطابها السياسي ، ثم لما خلصت لها الدولة الإثيوبية ، تخلت عن مشروعها الانفصالي بدعوة اتمام مهام تخليص كل القوميات الإثيوبية من استعمار الأمهرة – واليوم تدفع القومية الإثيوبية التاريخية والمعنى التاريخي، ثمن هذا الخطاب السياسي الذي تغذت عليه حركة القوميات التي تريد وظائف الدولة، وتريد اللحاق بالعصر وتريد حقها في السلطة والثروة، وكذلك تريد الانفراد بإقليمها وترى أن الآخر الإثيوبي مجرد ضيف، خصوصا إن كان من أصحاب الجاه والمال والأرض- وهذا ما يحدث الآن من تضييق في الأقاليم الإثيوبية على الذين استوطنوا هذه الأقاليم على أساس المواطنة وليس العرق أو القبيلة.
السودان لم يشهد في تاريخه ثورة سوى المهدية ثم كتشنر.
على مستوى الخطاب الشعبوي ، هناك خلط ما بين الثورة والانقلاب العسكري والتمرد والعصيان العسكري ، وفي علم السياسة الثورة هي التي تؤدي إلى تغيير كلي في حركة المجتمع ونخبه ، بحيث تصعد نخب جديدة على كل المستويات الروحية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية ، وقد رأينا ذلك في إثيوبيا حيث دالت سلطة الإمبراطور والإقطاعيين والكنيسة والنخب الأمهرية والتجراوية في الستين سنة الماضية – ولكن لم يشهد السودان مثل هذه التطورات إلا في حدثين – الثورة المهدية التي قلبت الأوضاع في السودان رأسا على عقب وحررت السودان من قبضة حكم الصفوة التركية والمتعاونين معها ولكن فشلت فشلا ذريعا في إدارة تركة الصفوة التركية. وبكت مناطق المحاكمة الحضارة السودانية على حكم الصفوة التركية بعدما رأت طوفان الجهل والدم والحروب القبلية وفنون القتل من تطويب. أن أكبر إنجاز للمهدية إعطاء المبرر للغزو الإنجليزي / المصري أي الحكم الثنائي.. ووطئت الإدارة الإنجليزية أرض السودان بجنودها وسككها الحديدية وما تلى ذلك من بدور التعليم الحديث وخزان سنار والكهرباء والمياه النظيفة والمدن الجديدة ومشروع الجزيرة والطيران الحربي وميناء بورتسودان المدني والنقل النهري، دخل السودان في إطار العالم الحديث بطبه وهندسته وعلومه الاجتماعية.
( قراءة مقارنة في الستين سنة الأخيرة عن أوضاع البلدين)
حسن مكي محمد أحمد
صحيفة الإنتباهة
خليت الهترشه الفكرية فى السياية السودانية !!!!
قبلته على الحبش .. شوف ليك موضوع …
واكسب زمنك