موازنة 2019م.. إجازة بعد (6) ساعات
لما يقارب الـ(6) ساعات تواصلت جلسة البرلمان حول موازنة العام 2019م.. وظل طيلة تلك الفترة رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى ونواب البرلمان يتداولون حول الموازنة بحضور معظم الجهاز التنفيذي وطاقم وزارة المالية.. الجدل بإجماع الحضور وُصِف بالكثيف وساد القاعة الرئيسية حول القوانين المصاحبة، ليجيز المجلس الوطني في نهاية الأمر موازنة العام المقبل بالأغلبية، في وقت اعترض فيه نواب المؤتمر الشعبي، كما امتنعت كتلة قوى التغيير عن التصويت.
مشهد أول
معتز موسى جاء مهندماً يرتدي (فل سوت) باللون البني متأبطا أوراقه وهموما زادت الشيب في رأسه خصوصا في ظل التبرم والاحتجاجات التي اكتنفت البلاد. منذ البداية عبر موسى عما يعتمل في دواخله واضعا يديه تارة على رأسه وأخرى على فمه، وبين هذا وذاك يلتفت ببطء متفحصا في وجوه النواب دون أن يدون أي حرف مما قالوه على غير عادته.
الزكاة والأوقاف
جدل كثيف ساد داخل أورقة البرلمان حول فرض ضرائب على استثمارات الزكاة والأوقاف ضمن قانون التعديلات المتنوعة، وطلب الكثير من النواب نقطة نظام لشرح الأمر. وأوضحت نائب رئيس البرلمان، بدرية سليمان خلال جلسة أمس، أن المادة (5) من الدستور تقول إن مصدر الحكم الشريعة الإسلامية والمادة (20) تؤكد على أن الزكاة شريعة، وقالت إن أي تشريع يخالف ذلك غير دستوري وغير مؤصل. وطالب السماني الوسيلة بعدم الاستثمار في أموال الزكاة وإنما تُوزع على مستحقيها. وشدد عبد الرحمن سعيد على أن التصويت على هذا الأمر لا يجوز، لتشهد الجلسة إعادة للتصويت أكثر من مرتين ليُسقط المقترح في التصويت الأخير.
ماذا قال معتز؟
رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى رفض مقترحات من النواب بتقليل الصرف على القطاع السيادي وقطاع الأمن والدفاع على أن يوجه ذلك للتعليم والصحة، مبررا رفضه بأن الدولة يجب أن تستمر في الإنفاق على القطاعين، لا سيما أن الصرف على الجوانب السيادية في الأمن لا يمكن إسناده للقطاع الخاص، ويجب أن تستمر الدولة في الإنفاق عليها، ومن ثم يستمر الحال كما هو عليه.
وأعلن موسى المضي في إلغاء جميع الإعفاءات الجمركية والضريبية على الشركات، قاطعا بأنه بعد إجازة القانون فإن الشركات الحكومية غير معفاة. مؤملا ألا يكون العام القادم عام رمادة، منوها إلى أن حصائل الصادر ستكون العمود الفقري للاقتصاد.
ووصف معتز الصرف على رئاسة الجمهورية بالـ(كبير) مبررا لذلك بأنها تشمل ما بين (6 – 7) مفوضيات وعدد من المجالس والمراجع القومي، وأضاف: الصرف ليس مجرد أرقام بلا أجر.
وكشف رئيس الوزراء عن مضيهم قدماً في معالجة أربعة ملفات (النقود والقمح والوقود والدواء)، مشددا على أن نتائج معالجة النقود ستظهر في يناير وستكون واضحة في بداية فبراير.
مداولات النواب
القيادي بالمؤتمر الوطني نافع علي نافع أقر بوجود فجوة كبيرة في الموازنة الأمر الذي سيؤثر على غلاء المعيشة وزيادة التضخم، منوها إلى أن هناك عدة مشكلات اقتصادية أثرت على الوضع الراهن، أبرزها اختلال الميزان التجاري وميزان المدفوعات، داعيا لمعالجة تلك الاختلالات.
وشدد نافع على عدم صرف أي مبلغ يمكن أن يؤثر على الميزان التجاري، مطالبا بإسقاط جميع المقترحات التي تقدم بها النواب والاكتفاء بما ورد في الموازنة مهما كانت أهمية تلك الاقتراحات، مناديا بوحدة الموازنة وضرورة ولاية وزارة المالية على المال العام وتشديدها على مراقبة الهيئات والشركات الحكومية.
واستغرب نافع من إقامة بعض المؤسسات مشاريع تنموية، مفسراً ذلك بضعف رقابة المالية على المال العام.
من جانبه قطع نائب رئيس حركة الإصلاح الآن البرلماني حسن رزق بعدم وجود رقابة على المال العام، متسائلا عن كيفية (تصفير) إيرادات قطاع الأمن والدفاع في وقت يمتلك فيه القطاع شركات استثمارية ومؤسسات معروفة للجميع.
واتهم رزق وزارة المالية بعدم قدرتها على ولاية المال فيما يتعلق بالجهاز السيادي، منوها إلى أن موازنة رئاسة الجمهورية الشهرية تبلغ (600) مليون جنيه، مناديا بخفض تلك الميزانية وتوجيهها للتعليم والصحة.
وشدد حسن على أن الوزارة أهملت تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، ووصف زيادة المرتبات بأنها لا تساوي تكلفة ترحيل المواصلات، وأضاف: (الموظف يدفع ثمن الترحال ويأتي راجعا خسرانا).
وهاجم رزق المالية بأنها تمارس (قبلية مهنية) من خلال العاملين بالوزارة، وأوضح أن موظفي الوزارة يصرفون أكثر من (50) مرتبا في العام. ووصف الميزانية بـ(الوردية) إن لم يكن هناك إنتاج حقيقي، وأضاف: بالرغم من قرار وزير المالية بمنع السفر الخارجي إلا أن هناك من يسافر بطائرة إلى المكسيك لتهنئة رئيسها بالفوز في الانتخابات في وقت كان يمكن أن يقوم بذلك أي سفير للبلاد في الدول القريبة لها.
اتهامات وتحذيرات
وزير المالية الأسبق، النائب بدر الدين محمود، اتهم البنك المركزي بعدم ولايته على النقد الأجنبي، مبيناً أن كثيرا من الشركات والمؤسسات الحكومية ما تزال تحتفظ بالنقد الأجنبي خارج البلاد، وأشار إلى ضعف مساهمة الهيئات والشركات الحكومية في الإيرادات العامة.
وطالب بدر الدين بالتحرك الخارجي لزيادة النقد الأجنبي، محذرا من طرح فئات النقد الجديدة التي تعتزم الحكومة طرحها في شكل تغذية للبنوك وإنما تقيّد بالاستبدال، وأضاف: يجب التحسب لهروب الودائع من البنوك ويجب وضع تدابير لتبقى الودائع داخل الجهاز المصرفي.
بينما حذر الفريق خليل محمد الصادق، من أن يجلس البرلمان بعد ثلاثة أشهر لتعديل موازنة 2019م التي وصفها بـ(الكارثية).
البرلماني عن الإصلاح الآن، فتح الرحمن فضيل، وصف الموازنة بـ(البطانية الصغيرة) التي لا تستطيع أن تفي بكل الاحتياجات؛ فيما قالت النائبة عبلة مهدي (مللنا الحديث عن تكوين مفوضية الفساد) مطالبة بضرورة تكوينها في ظرف ثلاثة أشهر، حتى تتمكن الدولة من مكافحة الفساد.
حروب سرية
النائب ساتي سوركتي كشف عن وجود حرب اقتصادية سرية، وأن بنك السودان المركزي لعب دوراً فيها ولم يحاسب، إضافة للبنوك التي شدد على أنها فاقمت من الأوضاع.
واتهم سوركتي جهاز الأمن بالتقاعس عن مكافحة التهريب، قاطعا بوجود علاقة مجهولة بين المحليات وزارة التجارة بخصوص الرقابة على الأسواق، فكل جهة تتنصل منها، مطالبا الوزارة بأداء دورها في الرقابة، وقال: (هذه البلاد إن لم نتصدّ لها ما بنمشي لقدام).
وشدد سوركتي على وجود تقصير إجرامي في الاقتصاد وتابع: (نتعامل مع الجرائم باعتبارها أخطاء)، ودعا رئيس مجلس الوزراء لعدم التعامل بحسن النية وطيبة السودانيين فيما يتعلق بتلك الجرائم.
وأرجع صالح صلوحة الأزمة الاقتصادية إلى الابتلاءات، منوها إلى أن الشعب قادر على تخطي هذه المرحلة الحرجة، وأضاف: (جزى الله المصائب عنا كل خير لأنها جعلتنا نعمل خطوات تنظيم). واحتج على ضعف ميزانية أبيي.
بينما أكد رئيس كتلة الوطني عبد الرحمن محمد سعيد أن الحصار الاقتصادي خانق جداً، وأضاف: هناك أمران مهمان، الشركات الحكومية لأننا لا ندرك ما يحدث فيها، والثاني فئات نقدية جديدة تعرض إلى المالية والبنك المركزي ويجب أن يتم وضع تدابير تقضي بعدم سحب العملاء ودائعهم.
صحيفة السوداني.