زواج القاصرات في جنوب السودان يصعد الانتقادات ضد الحكومة
في أكتوبر الماضي، وضع والد إحدى الفتيات القاصرات من جنوب السودان، إعلاناً على موقع الفيس بوك لتزويجها، وظل الإعلان على الموقع لمدة 15 يوماً، وإلى أن تم حجبه في نوفمبر الماضي، وتنافس على الزواج منها ثلاثة من الأثرياء، ودفع لها مهراً كبيراً، عبارة عن (500) رأس من الماشية، ومائتي ألف دولار، وثلاث سيارات فارهة، وأثار ذلك موجة من الاستهجان وسط الناشطين والمجتمع الجنوب سوداني.
وتعد الماشية في جنوب السودان، رمزاً للمكانة الاجتماعية، وصاحبة الدور المحوري في حياة قبائل (الشلك والدينكا، والنوير، والزاندي، والمورالي والأنواك والفراتيت) وغيرهم، وتتسبب في الاعتداءات، وتشعل الحروب بين هذه القبائل.
وتمثل الماشية قيمة كبرى في ترسيم مستقبل الفتيات، لجهة أنها القيمة المقبولة لدفع المهر، في طقس الزواج، وقد يدفع العريس ما يعادلها من مال نقدي.
وذهبت المدونة “أقون كاي أجاك” في حديثها لـ(المجهر) إلى أن الفتيات في الجنوب يتعرضن إلى البيع في سن الخامسة عشرة والثامنة عشرة من عمرهن، وأضافت “أقون” إن الظاهرة أصبحت خطيرة على الفتيات، وتعرضن إلى انتهاكات، وقالت إن بعض الأزواج كبار في السن، ويقومون بدفع أموال ضخمة لأسر الفتيات، وأشارت إلى أن معظم الفتيات في الجنوب يتعرضن لذلك لعدم وعي الأسر، وأوضحت أن الشخص الذي يتزوج الفتاة لا يكترث لمعرفة رأيها، باعتبار أنه دفع المال لأسرتها، بطريقة أقرب إلى الشراء منها إلى الزواج، لذلك لا تستطيع الأسرة اتخاذ موقف حال وقع خلاف بين الزوجين.
وأضافت “أقون” إن قصة زواج فتاة (الفيس بوك) الشهيرة، التي تم تداولها في بصورة واسعة في وسائط التواصل الاجتماعي، وصفتها بالتطور غير الحميد لجهة الأموال الطائلة التي دفعت لها كمهر، وهي (500) رأس من البقر و(200) ألف دولار و(3) سيارات، وهو أمر تجاوز الأعراف، وأنها عادات تتمسك بها القبيلة، تعتبر انتهاكا لحرية المرأة في اختيار الزوج، وتمثل خطر عليها لجهة أن الأسر أصبحت تتاجر ببناتها بما يشبه الاسترقاق لهن.
وقال مواطن من قبيلة “أوكانج إيواي” لـ(المجهر) إن زواج القاصرات تجاوز للعادات العائلية في الجنوب، وأضاف إن الزواج يتم بعد دفع (300) أو (400) رأس من الماشية وأموال نقدية، وتقوم القبيلة أو الأسرة باتخاذ القرار بأن يشارك أفراد أسرة الزوج، ويدفع الأعمام مثل: (10 أو 20) رأساً من الأبقار، إلى أن يتم اكتمال العدد الكلي للأبقار.
وأضاف أن بعض القبائل تفضل (المال والأبقار) عوضاً عن بنتهم القاصرة .
وأوضح أن بعض القبائل تحتاج إلى (20) رأسًا من الماشية تدفعها لأسرة الفتاة كمهر.
وطالب وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم حكومة الجنوب، “مايكل مكواي” المجتمعات المحلية والولايات، بضرورة منع زواج (القاصرات)، وقال لـ(المجهر) إن هذه الظاهرة تمثل خطرا للفتيات صغار السن، وإن بعض القبائل تعتبرها عادات، ولكنها تمثل خطراً على أعمارهن، ودعا الأسرة في جوبا ومنطقة بور وليج وتونج والاستوائية، بمحاربة الظاهرة، وأشار إلى أن العادات التي تقوم بها الأسر تشكل مخاطر على القبائل.
وقالت رئيسة (منظمة أستار) “أدوينا جيمس” لـ(المجهر) إن ظاهرة انتشار زواج الفتيات صغيرات السن وسط القبائل انتشرت بصورة كبيرة وتعتبرها عادات وتقاليد وسط المجتمعات الجنوبية ومناطق (الاستوائية والوحدة وجوبا) وغيرها من المناطق، وأشارت إلى أن الأبقار تمثل كل شيء في حياة للأسر، وقالت إن الزواج في القبائل يرتبط بالعادات والتقاليد التي يدفع فيها (300) رأس أو(500) رأس من البقر لأسرة الفتاة، وإذا أراد الرجل الزواج يدفع مهره من الماشية، وأوضحت أن زواج القاصرات أصبح رغبة بالنسبة لرجال الأعمال مما يشكل خطراً على الفتيات.
ومع تدهور الأمن والحرب، ازدادت الهجمات على الماشية، وقالت إن هناك بعض الشباب بسبب ارتفاع تكاليف الزواج والحرب لم تتمكن أسرهم التي فقدت الماشية من تزويجهم، وأصبحوا يبحثون عن طعامهم، لذا تحولت كثير من الأسر إلى تزويج البنات الأصغر سنًا كوسيلة للحصول على الماشية.
وقالت “أدوينا” إن (52%) من الفتيات في الجنوب يتزوجن في عمر (18) عامًا واحد من كل (10) يكون عمرها (15) عامًا، وأشارت إلى أن العدد آخذ في الزيادة، وبالنسبة للعديد من الفتيات، الزواج هو نهاية تعليمهن.
وأكد المنسق الميداني في (رومبيك) “دانيال كون”، للخطة الخيرية الدولية في المملكة المتحدة: (هناك صراع سياسي وصراع قبلي وغارات على الماشية)، كما أن هناك صلة بين الصراع والفقر، وأشار إلى أن الناس يريدون مداهمة الأغنياء من خلال مداهمة الماشية، وأضاف أن يرون أنه إذا حصل شخص ما على المزيد من الماشية سوف يحصل على المزيد من الزوجات والمزيد من الأطفال، والعشيرة وقال إنه سيكون الأكبر والأقوى، وبسبب القتال، لا يستطيع الناس التأكد من أن مواشيهم آمنة حتى يعتقدون أنه من الأفضل تمريرها للزواج.
وقال مدير فرع منظمة (بلان إنترناشيونال) في جنوب السودان “جورج أوتيم” إن زواج القاصرات يعد انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان وشكل من أشكال العنف ضد الفتيات ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الأطفال والصحة والتعليم والتنمية والرفاهة الاجتماعية وغالبا يتم هذا الزواج ضد رغبة (القاصرات)، وإرادتهن وحقوقهن في اختيار شريك الحياة.
وقال السُلطان “اكونجي فكتور” لـ(المجهر)، إن العادات والتقاليد إرث مهم لجميع القبائل، وأضاف إن المرأة الفتاة تأتي بأموال كثيرة وأبقار للقبيلة لذلك تتمسك الأسرة بفرض تكاليف الزواج بصورة ضخمة، وتقوم هذه الأسر بعمل اجتماع للعشائر للمواقفة على الزواج.
وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الوطني للمحاميات في جنوب السودان “سوزي ناتانا” إن أسرة الفتاة
تقوم بطلب المهر (الأبقار والأموال).
وطالبت “ناتانا” المنظمات الحقوقية والمسؤولين بالجنوب بضرورة المساواة والتركيز على القضايا التي تشكل مخاطر على المرأة، وتحسين إجراءات المراقبة والرصد لتكاليف الزواج والمهور للقبائل والأسر ومحاسبة الأسرة و(الوالد والوالدة) في حال وافقوا على تزويج بنتهم القاصر من أجل الحصول على المال والأبقار.
وقالت المدير الإقليمي للمنظمة الأفريقية بالجنوب “جودي جيتاو” إن الانتهاكات ضد المرأة في الجنوب مستمرة وأضاف أن معظم الأسر والقبائل يقومون بتزويج بناتهن بطريقة تجارية وعملية بيع لكسب المال وحجة التمسك بالتقاليد والعادات، وأن بعض النساء يقمن بالترويج إلى الفتيات عن طريق الإغراء بغرض الحصول على الأموال، وأشار إلى أن هذه الظاهرة خطيرة وتضر بالفتاة قبل الأسر لأنها تتعرض إلى عنف وقد يؤدي إلى موتها وطالب “جيتاو” حكومة الجنوب بوقف الزواج للقاصرات وفرض عقوبات على القبائل.
الخرطوم: فائز عبد الله
صحيفة المجهر السياسي