تحقيقات وتقارير

مثلث الشر في إفريقيا.. صراع النفوذ


إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أطلقت مؤخراً سياسة جديدة في إفريقيا لمواجهة التمدد الصيني والروسي في المنطقة، إلا أن العديد من الخبراء يقولون إن تحرك الولايات المتحدة جاء متأخرا، خصوصا تسليط الأضواء على القمة الصينية الإفريقية ببكين في سبتمبر الماضي، والتقطت الكاميرات صورا كثيفة للرئيس الصيني شي جين بينغ وهو يرحب بالقادة الأفارقة ويتبادل معهم المصافحات.

التمدد الصيني

الصور كان لها ما بعدها، فقد شهدت قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي في العام الماضي أكبر تجمع على الإطلاق لرؤساء الدول الإفريقية في الخارج، ولم يغب عنها سوى سوازيلاند من بين 54 دولة إفريقية، وجاء غيابها بسبب استمرار علاقتها الدبلوماسية مع تايوان، وربما يكون ذلك مؤشرًا لنمو الصين المتنامي في القارة.

ويشير تقرير حديث بموقع “تي آر تي وورلد” الإخباري التركي إلى أن إفريقيا بحاجة إلى المزيد من البنية التحتية، ومرافق الرعاية الصحية، والطرق الجيدة، إضافة إلى التعليم الجيد، علاوة على فرص العمل لسكانها الذين يتزايدون باستمرار، وقد يصل عددهم إلى 2.5 مليار نسمة بحلول العام 2050م، ويدرك القادة الأفارقة ذلك. في ذات الوقت لا يمكن إغفال المساعدات والقروض الإنمائية الصينية. حيث يشير التقرير إلى أن تأثير هذه العلاقة يتجلى في مجموعة الطرق والسدود الكهربائية والسكك الحديدية والمطارات وكابلات الألياف الضوئية والملاعب والموانئ والمباني الشاهقة والمصانع التي بنتها الصين عبر القارة.
وقد بلغ مجموع القروض الصينية – من الحكومة والبنوك والمقاولين في الفترة من العام 2000م إلى العام 2017م – إلى الحكومات الإفريقية والكيانات المملوكة للدولة 143 مليار دولار، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن مبادرة البحوث الصينية الإفريقية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن.
ولفت التقرير إلى أنه حتى مقر الاتحاد الإفريقي في إثيوبيا تم بناؤه من قبل الصين.

نفوذ روسي وإهمال أمريكي

إلا أن الصين ليست وحدها التي تسعى إلى خلق نفوذ لها في القارة السمراء. فقد اتخذت روسيا خطوات جادة لتوسيع وجودها في إفريقيا – من خلال تقديم الدعم العسكري لقوات الأمن في جمهورية إفريقيا الوسطى، والتفاوض على مبيعات الأسلحة وصفقات التعاون العسكري والآن الخطط جارية لبناء قاعدة لوجستية في أريتريا.
ويرى التقرير أن كل هذه العلاقات قد تزعج الولايات المتحدة، أو على أقل تقدير، قد لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل هذا التهديد.
كثيرا ما كان الرئيس دونالد ترمب يبدي تمسكا بسياسة “أمريكا أولاً” التي رفعتها إدارته منذ صعوده إلى السلطة قبل عامين. بما في ذلك سياساته المتعلقة بالهجرة، وتخفيض التمويل لبعثات حفظ السلام وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وكذلك انسحاب الولايات المتحدة من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، واليونسكو، واتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ، جميع هذه الخطوات قد جعلت موقفه أكثر وضوحا. جميعها كانت تمثل مؤشرات بالنسبة لإفريقيا.
واستهدف حظر سفر الرئيس ترمب العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك بعض الدول الإفريقية، وأصبحت جنوب إفريقيا ومصر ضحية للتعريفات الجمركية على الفولاذ والألمنيوم.

تركيز ترمب.. فراغ وفجوة

وكان ترمب قد وصف دولا إفريقية بـ”الأوكار القذرة” خلال اجتماع حول الهجرة في البيت الأبيض، مطلع العام الماضي، وقد استغرق الأمر من إدارته حوالي 18 شهراً لتعيين مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية.
وتركز الولايات المتحدة في ظل إدارة ترمب على الأمن ومكافحة الإرهاب في إفريقيا، حيث ينتشر نحو 7200 جندي في جميع أنحاء المنطقة، ويقدم معظمهم التدريب لقوات الأمن التابعة لشركائهم.
ويشير التقرير إلى أن هذه السياسة خلقت “فجوة” في إفريقيا التي تحتاج إلى قروض ومزيد من المساعدة، حيث تحركت الصين في هذا الاتجاه لملء الفراغ.

ومنذ ذلك الحين، لم تصبح الصين شريكًا تجاريًا بارزًا لإفريقيا فقط، بل وسعت أيضًا نطاق تأثيرها العسكري في القارة، كما فعلت روسيا. وكانت أول بعثة خارجية للصين للمشاركة في قوات حفظ السلام في دولة جنوب السودان في ديسمبر من العام 2015، وفي أغسطس من العام 2017 افتتحت أول قاعدة عسكرية لها بالخارج في جيبوتي، في القرن الإفريقي، على بعد بضعة أميال من قاعدة أمريكية.

الالتفات أخيرا

ويشير التقرير إلى أن استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة التي كشف عنها النقاب في يناير من العام الماضي، شهدت ابتعادا قليلا للولايات المتحدة عن أهدافها بشأن محاربة الإرهاب، واتجاهها نحو “منافسة القوى العظمى” التي تركز على إفريقيا – في إشارة إلى الصين وروسيا.
وقال ماثيو تي. بادج المسؤول السابق بوزارة الخارجية والزميل المشارك في المعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس”، إن موقف إدارة ترمب بالنسبة لمنافسة القوي العظمي في إفريقيا لا يقدم أي شيء لتعزيز المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في القارة، معتبرا أنها تتجاهل تعقيدات الانخراط الصيني في إفريقيا، كذلك تهمل الدول الإفريقية من خلال تجاهل وكالتها وسياستها.
وتهدف مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين في العام 2013 التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات، إلى إنشاء شبكة من الروابط البرية والبحرية، مما يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بين 70 دولة في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وفي قمة بكين في العام 2018 للقادة الأفارقة، تعهدت الصين بتقديم 60 مليار دولار من المساعدات والقروض لإفريقيا وحدها خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو مبلغ مماثل لتلك التي تم تقديمها في قمة العام 2015 في جنوب إفريقيا.
وفي ظل تحول اهتمام الولايات المتحدة إلى تواجد الصين وروسيا في إفريقيا، فإن عدد القوات الأمريكية في إفريقيا سينخفض بنسبة 10%، وفقاً لوزارة الدفاع. وسيتم إعادة نشر حوالي 700 جندي يقدمون حاليا بالتدريب على مكافحة الإرهاب على مدى السنوات القليلة المقبلة.
ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة اتخذت مؤخرا خطوات كبيرة لمواجهة التهديدات الصينية في إفريقيا من بينها قانون جديد للاستثمارت التنموية وقع عليه الرئيس ترمب في أكتوبر الماضي باسم “BUILD Act”.

مصيدة الديون

ووفقا للتقرير، فإن الولايات المتحدة ما تزال أكبر مستثمر في إفريقيا حيث يبلغ حجم استثماراتها الأجنبية المباشرة نحو 54 مليار دولار. ويسمح القانون الجديد بالاستفادة القصوى من هذه المحفظة الاستثمارية الضخمة لتوسيع الروابط التجارية الأمريكية الإفريقية.
ويشير التقرير إلى أنه كثيرا ما تتهم الولايات المتحدة الصين بإثقال كاهل البلدان النامية بالديون، وهو ما يسميه المسؤولون “مصيدة الديون”، لتوصيف خسارة الأصول الوطنية المهمة بسبب عدم سداد القروض. وتمثل الديون الصينية نحو 20% من ديون الحكومات الإفريقية الخارجية، مقارنة بـ32% من الديون لمقرضين في القطاع الخاص، و35% لمؤسسات دولية مثل البنك الدولي.
وتسعى الولايات المتحدة إلى توفير بديل للنموذج الصيني للإقراض المباشر للدولة، مع الاستثمار المتقدم في القطاع الخاص في البلدان النامية، بما يتماشي مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة ومصالح أمنها القومي.
ويقول خبير بشركة “إس بي إم” انتلجنت وهي شركة استشارية جيوسياسية مقرها لاغوس، أنه في الوقت الذي تأخرت فيه الولايات المتحدة في الدخول إلى اللعبة، فإنه تجب الإشارة إلى أن الفكرة الشائعة عنها “طيبة” مقارنة بمنافسيها، فقد عرفت بحسن النية، معتبرا أن رؤية أمريكا للمنطقة هي رؤية الاستقلال والاعتماد على النفس والنمو، وليس التبعية والهيمنة والديون.

وكانت تقارير إخبارية سابقة قد نقلت عن مستشار الأمن القومي الأمريكي تصريحات تعكس مساعي الولايات المتحدة لتصفية حساباتها مع منافسيها الأكبر، في إشارة إلى الصين وروسيا فقد أعلن بولتون أن بلاده تعتزم مواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي الصين وروسيا في إفريقيا، واصفا ممارسات شركات البلدين بأنها تتسم “بالفساد” و”الاستغلال”.
وقال بولتون في كلمة ألقاها في مؤسسة “هريتدج” للأبحاث، إن الأولوية الأهم لدى واشنطن ستتمثل في تطوير علاقات اقتصادية في المنطقة، لإتاحة فرص للشركات الأمريكية وحماية استقلال الدول الإفريقية، وكذلك مصالح الأمن القومي الأمريكي.
وفي بكين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانغ ردا على هذه التصريحات، إن تعاون بلاده مع إفريقيا يتعلق بمساعدة القارة على التطور والنماء، ويلقى إشادة واسعة هناك. ولفت في إفادة صحفية إلى أنه عندما تتحدث بكين عن التعاون مع إفريقيا فإنها تتحدث في الأغلب الأعم عما تحتاجه إفريقيا كالتحديث الزراعي، منتقدا الجانب الأمريكي وتفكيره في الصين وروسيا وحديثه عن احتياجات الولايات المتحدة نفسها، بدلا عن التفكير في الاحتياجات الإفريقية.
مؤكدا أن الصين ستواصل التعاون الودي المتبادل مع إفريقيا “مهما كانت آراء الآخرين”.

صحيفة السوداني.