تحقيقات وتقارير

مخاوف “سلفا كير” من الاستوائيين تطفو على السطح


لعب الاستوائيون دوراً كبيراً في الصراع المسلح بجنوب السودان قبل الانفصال، ودوراً سياسياً يذكره التاريخ، كان للاستوائيين موقف واضح من القضية، لاعتقادهم الراسخ بأن الإقليم الاستوائي تتوفر فيه مقومات الدولة.

وعلى مدى الـ(5) أعوام التي مضت من عمر الحرب الأهلية في جنوب السودان، ظلت المواجهات بين حكومة الرئيس “سلفا كير ميارديت” الدينكا، والمعارضة المسلحة بقيادة “رياك مشار” تنحصر بشكل أساسي في الولايات الاستوائية الشرقية الغنية بالنفط والعاصمة جوبا، مما دفع قيادات الاستوائية بالمطالبة بحكم فيدرالي لهذه الولايات شرق وغرب ووسط الاستوائية، بحجة هيمنة الدينكا على السلطة وإبعاد القيادات الاستوائية من المناصب الدستورية، حسب ما أكدت مصادر مطلعة على الوضع الجنوبي لـ(المجهر)، وعلل مراقبون إبعاد الاستوائيين لمخاوف “سلفا كير” منهم قبل موعد الانتخابات المرتقبة، بجانب سيطرة جبهة الخلاص الوطني بقيادة “توماس شيرلوا” على (4) مناطق إستراتيجية في الاستوائية، وكان الاستوائيون في وقت مضى قد طالبوا بنقل العاصمة من جوبا، إلى أي مدينة للتخلص من الكثافة العددية للدينكا في العاصمة.

}مخاوف “سلفا كير”

وأكدت مصادر مقربة في دولة الجنوب لـ(المجهر)، أن مخاوف “سلفا كير” من خروج أو انشقاق “واني إيقا” تعود إلى اقتراب موعد الانتخابات، واحتمال دعم “واني” لمجموعة “توماس شيرلوا”، والتي بالأساس مجموعة استوائية في تكوينها الأثني، وأن يخسر “سلفا كير” المناطق التي يسيطر عليها “توماس شيرلوا” حال استمرار زحف قواته إلى جميع ولايات الاستوائية، وشككت المصادر في إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل الوضع الراهن في جنوب السودان، والحرب تتمدد في جميع ولايات الجنوب وخاصة المناطق الغنية بالنفط في بحر الغزال الكبرى المتاخمة للسودان.

}عاصفة استوائية

وأفادت المصادر بأن العام (2015م) شهد انسلاخ أكثر من (350) ضابطاً من كبار قيادات الجيش الشعبي ينتمون إلى مناطق الاستوائية، بينهم قيادات سياسية، وأشارت إلى أن آخر القيادات التي كانت في الحكومة المحافظ السابق لمقاطعة (نهر ياي) في ولاية الاستوائية الوسطى (جنوب)، “كوزموس بيدالي”، المنشق عن حكومة “سلفا كير”، واعترض على هيمنة قبيلة الدينكا وإقصاء الاستوائيين من الحُكم، مضيفاً أن “سلفا كير” يتخوف من خوض الانتخابات حال خرج “واني إيقا” من الحكومة الحالية، وقالت المصادر إن تمسك جبهة الخلاص بمواقفها من الاتفاقية له تأثير كبير على السلام، بعد أن سيطرت على (4) مناطق إستراتيجية ومنطقة تبعد عن جوبا مسافة (20) كيلو متراً.
وأوضحت المصادر أن مخاوف الرئيس “سلفا كير” من انسلاخ “واني إيقا” ودعمه للاستوائيين الذين يطالبون بحكم فيدرالي بعد أن فقد “سلفا كير” رئيس هيئة الأركان السابق “فول ملونق”، خاصة أن “واني” يتمتع بشعبية واحترام في ولايات الاستوائية منذ فترة الراحل “جون قرنق”، وهو الرجل الثالث في الحركة الشعبية بعد “سلفا كير” و”مشار”.

}تهديد مسيرة السلام

وكشف مصدر بالحركة الوطنية الديمقراطية بدولة الجنوب التي أسسها الدكتور “لام أكول أجاوين” فضّل حجب اسمه، لـ”المجهر” أن مصدر الخوف من “واني إيقا” أن يدعم أبناء الاستوائية بقيادة “توماس شيرلوا”، وأن ذلك سيؤدي إلى انهيار اتفاقية السلام، وأضاف المصدر أن نظام “سلفا كير” واجه الكثير من الانشقاقات خاصة وسط قيادات الاستوائية بالجيش الشعبي والدولة في فترة الحرب، وأن ولايات الاستوائية غرب وشرق ووسط، طالبت منذ أكثر من (20) عاماً بحكم فيدرالي، وهذا ما طالب به “توماس شيرلوا” في الاتفاقية ورفض توقيعها، وأضاف أن الاستوائيين يتمسكون بحق الانفصال بعد الانتهاكات التي قامت بها الحكومة في مناطقهم، وزاد أن قياداتهم تشعر بالظلم والتميز منذ الانفصال وهيمنة الرئيس “سلفا كير” على السلطة، وتأتي خطورة دعوة الاستوائيين في أنهم أول من نادى بحق تقرير المصير من الشمال في اتفاقية أديس أبابا، التي وقعت مع حكومة الراحل “جعفر نميري” في مارس العام 1973، وقال المصدر إن عدداً من الضباط داخل حزب الحركة الشعبية انشق بسبب قرار “سلفا كير” بنسف قيادات الاستوائية ومن بينهم مساعد الرئيس الحالي “جيمس واني إيقا”، مضيفاً أن مجلس الدينكا الحاكم تسبب في إفشاء القبلية وأدى إلى خروج الاستوائيين من الحكومة لهيمنة الدينكا ومهاجمة مناطقهم من قبل قوات الجيش الشعبي، فأحدث ذلك انقساماً داخلياً ودفعهم إلى الانسلاخ، وأن انسلاخ مساعد “سلفا كير”، “جيمس واني إيقا” كان بسبب التميز الذي قام به “سلفا كير” وعرّض الاستوائيين لصعوبات حقيقية.
وحسب المصدر أنه منذ فترة “جون قرنق” حدثت خلافات حادة بين قيادات الاستوائية و”سلفا كير” بسبب التمييز وهيمنة قبيلة الدينكا على السلطة.

}جبهة الخلاص

وقال عضو التحالف بمجموعة “سوا”، “ماتسي اوكانيج” إن سقوط مناطق الاستوائية في يد جبهة الخلاص الوطني بقيادة “توماس شيرلوا” جاءت بسبب إصرار “سلفا كير” على إقصاء الاستوائيين.
وكشف مصدر رفيع بجنوب السودان لـ(المجهر) عن استعانة الرئيس “سلفا كير” برئيس يوغندا “يوري موسفيني” لوقف تقدم قوات “شيرلوا” في الاستوائية بعد أن سيطرت على (4) مناطق إستراتيجية، وأضاف المصدر أن “موسفيني” استجاب لطلب “سلفاكير” وأرسل (3) آلاف جندي إلى “جوبا” بغرض الحماية ومحاربة قوات جبهة “الخلاص الوطني” في مناطق الاستوائية وياي، وقال إن مهمة القوات توفير الحماية لـ”سلفا كير” ومنع قوات “توماس شيرلوا” من التقدم في مناطق ياي والاستوائية ومحاصرتهم في منطقة بوما.
وأضاف أن هناك منطقة إستراتيجية تبعد عن جوبا (20) كيلو متراً، سيطرت عليها قوات “توماس شيرلوا”، وأشار المصدر إلى أن نائب الرئيس “سلفا كير”، “جيمس واني” يرفض الاستجابة لمطالب الاستوائيين بدافع استمرار عملية السلام.
قال البرلماني “جاستن جوزيف” إن البرلمان القومي بالجنوب عقد جلسة طارئة، وأصدر قراراً بالإجماع في أغسطس من العام 2013م بتعيين “جيمس واني إيقا” نائباً لرئيس الجمهورية دون إخضاعه للإجراءات الدستورية والقانونية المتبعة من قبل لجنة الفحص البرلمانية.
البرلماني “قارواج لافوج” في حديثه لـ(المجهر) قال إن الاستوائيين في السلطة اليوم قلائل، من بينهم النائب السابق ومساعد الرئيس “سلفا كير”، “جيمس واني إيقا”، وأرجع انسلاخ الضباط الاستوائيين لسببين: هيمنة قبيلة الدينكا على السلطة والوضع العام وإبعاد قيادات الاستوائية من السلطة، بجانب تعيين “إيقا” في منصب أقل من “تعبان دينق”، وهذا ما رفضه “إيقا”، كونه يمثل أحد أهم الرجال الثلاثة في الحركة الشعبية أثناء فترة الراحل “جون قرنق دمبيور” و”سلفا كير”، وأضاف أن الضباط الاستوائيين لعبوا دوراً كبيراً في الحركة الشعبية منذ تأسيسها، وأن خروج القيادات الاستوائية عن نظام “سلفا كير” خاصة مناطق بحر الغزال وغرب الاستوائية، سيؤثر على الحكومة.
وقال إن “إيقا” شغل منصب رئيس البرلمان القومي لجنوب السودان منذ التوقيع على اتفاقية السلام في العام 2005، وأضاف “فوج” أنه عين نائباً للرئيس، كما أنه ظل نائباً لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد المؤتمر الذي انعقد في جوبا 2008م.
مؤكداً أن ولايات الاستوائية ترفض إقامة أو المشاركة في الانتخابات المقبلة حال تم إجراؤها بسبب الانتهاكات، وأشار إلى أن تعيينه في القيادة العسكرية العليا التابعة للحركة الشعبية لتحرير السودان يعد إحياء لسياسات الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 1987 بعد اندلاع الحرب الأهلية في الحركة بين الدينكا والنوير على السلطة، وتم اختيار “جيمس واني” ليكون في القيادة العليا للحركة، وقال إن من القيادات الاستوائية بالوزارة الاتحادية بالجنوب الجنرال “بكوك سورو” و”لوليس لبونغ” ولهما تأثير على ولايات الاستوائية بنسبة (76%)، وأشار إلى أن الحكومة تتخوف من هذه الشعبية في فترة الانتخابات، وقال إن الحكومة تسيطر على ولاية الاستوائية بنسبة (20%) ولا وجود لها في ولايات الاستوائية.

}هيمنة الدينكا

وقال رئيس منظمة التنمية للسلام بدولة الجنوب “ثيمون اقري الغ” إن الدور الذي لعبه “جيمس واني إيقا” أعاد الاستوائيين للمشهد السياسي، وكشف عن مدى تأثيرهم على الحكومة في السيطرة على المناطق في ولايات الاستوائية، وأن ولايات الاستوائية في الفترة الأخيرة شهدت انقسامات جديدة من داخل الحكومة وخرج عدد من الضباط من أبناء الاستوائية في فترة الـ(5) أعوام الأخيرة، وظل الممثل الوحيد للاستوائيين نائب الرئيس “سلفا كير”، “جيمس واني إيقا”.
وأشار إلى أن جبهة الخلاص الوطني الآن قادت تمرداً ضد الاتفاقية والحكومة بسبب رفضهم للاتفاقية التي طالب فيها رئيس الجبهة “توماس شيرلوا” بحكم فيدرالي، ورفض قرارات “سلفا كير” بتكوين ولايات جديدة في الجنوب، وأشار “اقري” إلى أن الحكومة تتسبب في انتشار الصراع الأهلي والقبلي بين قبائل في ولاية بحر الغزال والاستوائية بهدف الاستمرار في السلطة، وقال إن المجموعة الحالية التي تكونت في الاستوائية تسيطر على مواقع إستراتيجية طالبت بالحكم الفيدرالي الذاتي، وأوضح أن “واني إيقا” واحد من كبار الموالين للرئيس “سلفا كير” بين العديد من كبار كوادر الحركة الشعبية الذين خاضوا الحرب قبل (34) عاماً.

}النظام الفيدرالي

وقال القيادي بالحركة الشعبية “بيتر دوتيق” لـ(المجهر)، إنه لا بد من إقامة نظام فيدرالي في الجنوب، باعتباره “الأمثل للمجتمعات والعشائر الموجودة في الجنوب، والمتعدد الثقافات والقبائل”، وأضاف أن النظام الفيدرالي سيخلق توازناً في السياسات، كما في دول العالم مثل الولايات المتحدة وإثيوبيا.
ورأى أن رفض الحكومة للفيدرالية “خوفاً من حصول الولايات على النفط أولاً، كما يتيح النظام للولايات حكم نفسها بنفسها وإدارة مواردها، ما يقلص من سلطات الحكومة المركزية، التي تتجه للسياسة الخارجية”، وتتخوف من أن يعتمد الاستوائيون النظام الفيدرالي مدخلاً للانفصال”.
وأشار”بيتر” إلى أن تمسك الحكومة الحالية التي تنتمي إلى أثنية محددة “الدينكا” بجوبا، يدفع القيادات الاستوائية إلى الانفصال، وقال إن الاتفاقية لم تتضمن الحكم الفيدرالي لمطالب “توماس شيرلوا “.

صحيفة المجهر السياسي.