شملت إطلاق سراح معتقلين ومنح وكلاء النيابة سلطات واسعة الاحتجاجات.. قرارات حكومية لاستدراك ما مضى
مثلما اندلعت المظاهرات في التاسع عشر من ديسمبر المنصرم بشكل مفاجئ وغير متوقع فإن الحكومة اتخذت أخيراً قرارات مباغتة قضى إحداها بإطلاق سراح 186 من المعتقلين السياسيين الذين تم توقيفهم في الاحتجاجات الأخيرة وأردفته بقرار آخر من النائب العام منح أكثر من خمسين وكيل نيابة حق مراقبة المظاهرات الاحتجاجية، قرارات لم تكن متوقعة قياساً على التعامل الحكومي مع الحركة الاحتجاجية، بيد أنه تحول إلى واقع، لتتباين الآراء على إثر القرارات التي ذهبت في اتجاهات مختلفة، البعض اعتبرها تنازلاً من الحكومة نتيجة للضغوط الداخلية والخارجية التي دعتها لتغيير منهجها في التعامل مع المتظاهرين، فيما نظر إليها آخرون من زاوية أن الحكومة تسعى الى استدراك ما مضى بانتهاج خط عقلاني وموضوعي لنزع فتيل الأزمة بعيدًا عن لغة العنف التي أسهمت في زيادة وتيرة الحراك الشعبي وجلب الغضب عليها.
1
جهاز الأمن.. اقتحام الأزمة من باب مختلف
منذ انطلاقة المظاهرات في التاسع عشر من شهر ديسمبر فإن الأجهزة الأمنية كانت في وجه العاصفة بانتشار قواتها في الشوارع في سعيها للسيطرة على الاحتجاجات وهذا وضعها في مواجهة مع المتظاهرين الشباب، ولكن منذ الأول من أمس وشهر يناير يمضي نحو خواتيمه أقدمت المؤسسة الأمنية ممثلة في مديرها العام الفريق أول صلاح عبد الله الشهير بقوش على خطوة لم تكن في الحسبان، وذلك حينما سجل زيارة إلى سجن الهدى غرب أمدرمان وأطلق سراح 186 شاباً، ليس ذلك وحسب بل جلس إليهم وحاورهم وأفضى الاجتماع بهم الى الخروج بتفاهمات ملخصها تكوين لجنة تطرح حلول مشاكل الشباب السوداني وتعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد، وتحدث الناطق الرسمي باسم المجموعة المهندس طه الهادي الناطق الذي تم إطلاق سراحه، مؤكدا نجاح المبادرة، وأشاد بتفهم مدير جهاز الأمن لمطالبهم وتفاعله مع قضاياهم التي تعتبر مشروعة.
خطوة مدير جهاز الأمن تباينت حولها الآراء ما بين مادحة وقادحة غير أنها من حيث المبدأ تعتبر إيجابية تشابه تلك التي انتهجها الجهاز في حواره مع الشباب الذين انضموا لتنظيمات تدمغ بالإرهابية، حيث نجح في إعادتهم إلى جادة الصواب، ويبقى المحك في قبول الشباب بالمبادرة مواصلتهم للمظاهرات لإيصال صوتهم أو موافقة الجلوس مع الحكومة ووضع مشاكلهم على الطاولة.
2
النيابة.. استعادة دور مفقود
على خط الازمة دخلت النيابة العامة التي اتخذت قراراً يعتبر هو الأقوى منذ اندلاع المظاهرات في ديسمبر المنصرم، وذلك حينما وجهت بعدم تعقب المواطنين داخل الأزقة والمنازل أثناء فض الاحتجاجات واستثنت النيابة حالة حدوث تصرفات فردية تخالف القانون، مما يستوجب التعامل معها، كما قرر النائب العام عمر أحمد محمد استنفار 50 من أعضاء النيابة العامة والمتخصصة للتغطية الميدانية أثناء “فض التجمعات غير المشروعة والتعامل معها وفقاً للقانون”. وأكد النائب العام حرص النيابة العامة على مصاحبة أعضائها لقوات الشرطة، والتنسيق مع الضابط المسؤول عن القوة في العاصمة الخرطوم.
بدوره قال رئيس اللجنة العليا للتحقيق في الأحداث الأخيرة عامر محمد إبراهيم، إن “مسار التحقيقات شهد تطوراً كبيراً، خاصة بعد مناشدة النيابة العامة للمواطنين للإدلاء بإفاداتهم، وأعلن عن اتفاق وتنسيق بين وكلاء النيابة والقوات الأمنية على التواجد في مناطق للتمركز، محددة في الشوارع الرئيسية يتم من خلالها مخاطبة المحتجين بمكبرات الصوت، والطلب منهم التفرق قبل أن يتم التعامل معهم وفقاً للقانون.
3
البحث عن القاتل.. التحقيقات تتواصل
ومن الخطوات التي سبقت القرارات الأخيرة شروع النيابة العامة في التقصي لمعرفة الذين يقفون خلف مقتل ثلاثين مواطناً حسبما أعلنت الحكومة، وتمضي إجراءات التقصي بوتيرة متسارعة وهذا أشارت إليه النيابة العامة التي أوضحت عن إدلاء عدد من الشهود بإفاداتهم حول قتلى الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ 19 ديسمبر من العام الماضي في النيابة العامة ونيابات ولاية الخرطوم، وأفصح النائب العام عمر أحمد محمد عن انتقال النيابة العامة إلى مواقع الأحداث ومنازل بعض المبلغين واستجواب عدد إضافي من الشهود وأهالي المتوفين، ودعا جميع المواطنين للاستمرار في الإدلاء بشهاداتهم والإفادة عن أية معلومات تفيد التحريات أو تعين النيابة في الوصول للجناة لتقديمهم أمام القضاء، وشدد عمر على ضرورة أن تضطلع النيابة بدورها المنوط بها في سيادة حكم القانون وتحقيق العدالة وتوفير الضمانات الكافية للمبلغين والشهود اتساقاً مع القوانين والمواثيق الدولية، وطالب وكلاء النيابات بالاستمرار في التحري بجدٍ وتفانٍ، امتثالاً للمسؤولية المهنية.
4
حزب الأمة الفيدرالي.. استجابةً للضغوط وبحثاً عن التهدئة
سألت عضو المكتب القيادي لحزب الأمة الفدرالي، نجم الدين دريسة، عن قراءته للخطوات الحكومية الأخيرة في التعامل مع الأزمة خاصة إطلاق سراح 186 معتقلاً عطفًا على تكليف وكلاء النيابة بمراقبة المظاهرات، فقال لـ(الصيحة) إن الحكومة تحاول تهدئة الأوضاع على خلفية اعتقالها لعدد كبير من النشطاء السياسيين من الشباب، ويرجح فرضية ممارسة ضغوط عليها قضت بإعادتها النظر في نهج تعاطيها مع الأزمة لجهة أن الكثير من الجهات العدلية والحقوقية الداخلية والخارجية انتقدت سلوكها حيال الاحتجاجات السلمية، ويلفت إلى أن الحكومة تريد أن ترسل رسالة إلى الرأي العام مفادها أنها بصدد التعاطي بشكل مختلف مع الأزمة، بيد أن دريسة يؤكد أن هذا لن يعفيها من المسؤولية “لوقوع الفأس في الرأس”، كما يشير، قاطعاً بأن وتيرة المظاهرات لن تتراجع وستشكل المزيد من الضغط على الحكومة التي ينوه إلى أنها لم تعد تمتلك حلول وقد فقدت مشروعيتها ويرى أن استمراريتها ورغم تغيير منهجها بات غير وارد لجهة أنها لم تعد خياراً مفضلاً للمواطنين يلبي طموحاته وأشواقه.
4
الأسود الحرة.. الإعلام وليس وكلاء النيابة
من ناحيته، فإن نائب الأمين السياسي لحزب الأسود الحرة الدكتور حميد محمد حامد يشدد على أن الدستور أعطى المواطنين حق التعبير والتظاهر، وقال إن ذات الشيء ورد ضمن مخرجات الحوار الوطني، مبينا في حديث لـ(الصيحة) عن أن المتظاهرين لم يخرجوا عن الخط العام ولم يرتكبوا جرائم جنائية تستدعي حرمانهم من حقهم المشروع، معتقداً بأن وجود وكلاء نيابة في التظاهرات إجراء ليس له معنى ولا يوجد ما يبرره ويقول إن مهمة مراقبة المظاهرات يجب أن تترك للإعلام الذي يمكنه توضيح الصورة كاملة وأبراز حقائق من يخالفون القانون، متظاهرون كانوا أو قوات نظامية، وفيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين يرى حميد بأنه من الأصل لم تكن توجد أسباب تستدعي اعتقالهم، ويشدد على أن حل الأزمة الحالية بيد رئيس الجمهورية الذي يحظى بقبول واسع، وينصح المؤتمر الوطني بتقديم المزيد من التنازلات لإنقاذ البلاد.
5
(الوطني).. الموضوعية تفرض وجودها
بدا نائب رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، الدكتور محمد مصطفى الضو، هادئاً وموضوعياً وملامساً لعصب الأزمة وهو يوضح للصيحة وجهة نظره عن الخطوات الحكومية الأخيرة، وينوه إلى أن الأزمة الحالية ذات شقين، الأول يتمثل في وجود قضية حقيقية يقف من خلفها شباب سوداني لا يمكن وسمه بالخيانة لجهة أنهم أبناء السودان، وأنهم الرصيد التنموي والتعبوي والنهضوي الذي يمثل مستقل الأمة، ويقول أنهم عبروا عن قضيتهم عبر التظاهرات السملية، غير أن الضو يلفت إلى أن بعض الجهات سعت إلى استثمار الوضع الراهن وامتطاء صهوة جواد الشباب لتحقيق أهدافها التي عجزت عنها بشتى الطرق، ويعتبر أن هذه الحقيقة تحتم على الجميع التعامل مع الشباب بمسؤولية وفتح جسور التواصل والتحاور معهم من أجل أمن البلاد ومصالحها العليا حتى لا يتم الزج بهم في أتون صراع لا يد لهم فيه، معتقداً بأن المؤتمر الوطني وفي هذا الصدد قطع خطوات جيدة جاءت نتاج طبيعي لمخرجات الحوار الوطني التي تحولت إلى برنامج دولة تتكامل فيه الجهود من أجل تحقيق الكثير من الأهداف والغايات منها التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة، مشددًا على أن الشباب من حقهم التعبير عن قضاياهم وفقاً للقانون وأن من حق الوطن عليهم أن يتحاوروا مع الحكومة من أجل التوافق لحل مشاكل السودان، ويشدد على ضرورة التحاور معهم من أجل الاستفادة منهم حتى يكونوا معاول بناء وليس هدماً للبلاد، ويمتدح الضو الشباب ويصفهم بالوطنيين بالمعنى الشامل والواسع للوطن وأنهم أبناء هذا الشعب ومن حق الدولة أن ترعاهم لأنهم يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل.
6
وزير سابق.. التدخلات السياسية أفسدت التظاهرات
يقول الوزير السابق بوزارة الثروة الحيوانية جلال رابح أن حق التظاهر السلمي مكفول بالقانون والدستور وأنه لا خلاف حول هذا الأمر، بيد أن القيادي بحزب الحقيقة الفيدرالي رابح وفي حديث لـ(الصيحة) ينوه إلى أن حدوث تدخلات في المظاهرات أسهمت في انحرافها عن مسارها، معتبرا محاولة بعض القوى السياسية المعارضة تحقيق أهدافها الرامية إلى إسقاط النظام عبر استغلال الشباب أسهم في انحراف المظاهرات عن غاياتها، معتقداً أن تغيير الحكومة لا يمكن أن يتم بغير الوسائل السلمية المتمثلة في صناديق الاقتراع والتي اقتربت عمليتها الديمقراطية في العام 2020، ويعود رابح مجددًا مؤكدًا على أن الأسباب التي خرج على إثرها الشباب تبدو موضوعية وواقعية وتتمثل في الضائقة المعيشية والبطالة وأنها أسباب تدعو للخروج الى الشارع.
ويبدو رابح مصرًا على رأيه وهو يؤكد أن التدخلات السياسية أفسدت الاحتجاجات الشبابية، وفيما يتعلق بالنيابة ومراقبتها للمظاهرات قال إنها جهة محايدة تريد تحديد المجرم الحقيقي المتهم بقتل المتظاهرين، وكذلك المخربين، ويرى أن هذا يسهم في تحقيق المتظاهرين لمطالبهم، ويعتقد بأن الجميع مطالبون بالوصول إلى قناعة اتخاذ صناديق الاقتراع وسيلة للتداول السلمي للسلطة.
7
عضو برلماني.. إبداء حسن النية مهم
ويقرأ عضو مجلس الوطني، الخبير القانوني الفريق عثمان فقراي، خطوة إطلاق سراح المعتقلين من زاوية أن الحكومة أرادت إبداء حسن النية في تعاملها مع المظاهرات، مبيناً في حديث لـ(الصيحة) أن رئيس الجمهورية وفي أكثر من خطاب أكد على أنهم مستعدون لدفع فاتورة السلام والاستقرار وأنه من هذه الزاوية يمكن التعرف على النهج الحكومي الجديد في التعاطي مع الأزمة السياسية الحالية، ويلفت إلى أن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أمر يحسب للحكومة التي استدركت أن الاعتقال كان خاطئاً لجهة أن المعتقلين لم يرتكبوا جريمة تستدعي توقيفهم، مطالباً بإطلاق سراح كافة المعتقلين لتخفيف حدة الاحتقان وامتصاص حالة الغبن، وفيما يتعلق بوكلاء النيابة الذين تقرر أن يصاحبوا المظاهرات فقد أشار إلى أن هذا منصوص عليه في القانون وأن صلاحياتهم كبيرة خاصة في فض التظاهرات سلمياً أو أن يساعدوا المتظاهرين في تسليم مذكراتهم إلى الجهات التي يقصدونها، ويؤكد فقراي إن إطلاق النار في التظاهرات مرحلة أخيرة شدد القانون بعدم الوصول إليها قبل استنفاد كافة الحلول، وأوضح أن إطلاق النار لا يتم إلا في حالة تعرض الشرطة لخطر يحتم عليها دفعه بتعطيل المعتدي عليها، ويشدد فقراي على أن المظاهرات الشبابية تحتاج إلى التعامل بحكمة كبيرة حتى يمكن الخروج منها إلى بر الأمان دون إلحاق خسائر بالدولة.
صحيفة الصيحة.