تحقيقات وتقارير

بعد طرحها في المصارف الفئات النقدية الكبيرة.. هل تحل مشكلة السيولة؟

ينتظر المواطن أن تسهم فئة المائة جنيه الجديدة مشكلة السيولة في البنوك بعد اكتمال طباعتها في الثامن والعشرين من يناير الماضي، وفقاً لما صرح به محافظ بنك السودان المركزي محمد خير الزبير، بأن الفئة الجديدة ستطرح بكميات كافية لمقابلة احتياجات العملاء في البنوك، تمهيداً لحل أزمة السيولة والتى استمرت منذ الأول من يناير من العام الماضي. كما يتم إصدار فئة المائتي جنيه تعقبها الورقة النقدية الأخيرة من فئة الخمسمائة جنيه تمهيدًا لحل مشكلة السيولة بصورة نهائية وفقاً لما أكده رئيس الوزراء معتز موسى بأن شهر أبريل المقبل سيضع معالجة نهائية لأزمة السيولة بالمصارف، مؤكداً استطاعة العملاء سحب المبالغ التي يريدونها من أي مصرف فضلاً عن توفر كميات من النقود بالصرافات الآلية لمقابلة احتياجات الموظفين في المؤسسات الحكومية بعد إصدار قرار بإلزام المؤسسات بتحويل مرتبات العاملين بالدولة إلى حساباتهم في البنوك بدلاً من صرفها من خزينة المؤسسات التي يعملون بها.

شائعات في الطريق

وكانت شائعات انطلقت بأن الفئات الجديدة المرتقبة لا تتناسب مع أجهزة الصراف الآلي الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في الصرافات المحلية ما خلق نوعاً من الارتباك في أوساط الجهات المصرفية، ما دعا مسؤول في بنك السودان إلى كتابة منشور في صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، موضحاً بأن ما يتم تداوله في الوسائط الإلكترونية مجرد شائعات، مؤكدًا أن الفئات الجديدة تتناسب تماماً مع الصرافات الآلية، وأن طبيعة النقود تمر بعدة مراحل تراعي جميع الجوانب الفنية الخاصة بالتداول المصرفي، بل إن الأمر يتعدى حتى التداول العادي للمواطنين، بحيث تتوافق مع حافظات النقود الشخصية، وقال إن حجم الأوراق الجديدة يماثل تماماً الفئات المتداولة حالياً، لكنه كشف في ذات الوقت أن فئة المائة جنيه هي الوحيدة التي يتم تداولها وسحبها عبر الصراف الآلي، أما بقية الفئات الأخرى “المائتان والخمسمائة جنيه” يتم التعامل معها داخل البنوك باعتبارها فئات كبيرة لحفظ وتداول الأموال، مبررا قوله بأن تداول الفئات الكبيرة للمعاملات المصرفية التي تتخذ أرقاماً كبيرة، وأن فئة المائة جنيه سهلة التداول لشراء التزامات المستهلكين العادية.

ترتيبات حكومية

فيما قال رئيس الوزراء معتز موسى إن ترتيبات الحكومة استبقت الموعد المضروب لإنهاء أزمة السيولة، متعهداً بحلها خلال العشرة أيام الأولى من شهر فبراير المقبل قبل الموعد المحدد في أبريل المقبل، لكنه لم يحدد الكيفية التي يمكن أن تتبعها الجهات المختصة لتوفير السيولة بشكل نهائي، ولفت إلى أهمية تفعيل خدمات الدفع الإلكتروني في المعاملات الرسمية “الحكومية” بجانب القطاع الخاص والمتاجر الصغيرة بتوفير ماكينات الدفع الإلكتروني بكل المتاجر الصغيرة في الأحياء السكنية بجانب المولات الكبيرة والأسواق الحرة، وأكد أن جميع المصارف تعهدت بتوفير أجهزة الدفع الإلكتروني مجانًا.

ويتفق معظم المختصين بأن حل أزمة السيولة بشكل نهائي يستلزم أولاً عودة الإيداع من قبل المواطنين في البنوك رغم صعوبة الأمر خاصة في ظل الظروف الحالية، حيث أن استعادة ثقة العملاء في القطاع المصرفي عملية ليست سهلة بعد اهتزاز الثقة خلال العام الحالي، متوقعين أن تأخذ العملية وقتاً طويلاً حتى تعود المصارف لطبيعتها، خاصة مع تبعات اتخاذ البنك المركزي بعض القرارات التي لم تجد ترحيباً من المواطنين مثل تقليل سقف السحب عبر الصرافات الآلية بألا يتجاوز المبلغ “20” ألف جنيه في الشهر، مع استمرار البنوك في صرف مبالغ زهيدة للمودعين وبعد طول انتظار.

حل مشكلة

ويقلل عبد الله الرمادي الخبير الاقتصادي، من جدوى طباعة وضخ الفئات الكبيرة في حال كان هدف البنك المركزي حل مشكلة شح السيولة، رغم تأييده لأهمية وجود فئات كبيرة تقلل من حمل النقود السائلة، لكنه يرى أن المشكلة تتجاوز محض كونها أزمة في السيولة، ويرى أنها أعمق من ذلك. ويؤكد أن قرار حجب السيولة عن المودعين، كان لأسباب “غير منطقية” ولا علاقة لها بالاقتصاد، موضحًا أن الحكومة لا تستطيع حل الأزمة إن نظرت إليها بمعزل عن مجمل المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وعلى رأسها ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الجنيه، مشيراً إلى أن المعالجة ينبغي أن تركز على الداء وليس على الأعراض المصاحبة له.

فئة جديدة

أما الخبير المصرفي علي خالد الفويل قال إن إصدار فئة جديدة تقلل التكلفة النقدية والتضخم وعرض النقود، بيد أنه ليس حلاً جذرياً للأزمة، ويرى أن الحل يكمن في وجود آليات تعيد الثقة في الجهاز المصرفي لعودة المتعاملين للبنوك عبر تلبية احتياجاتهم ورغباتهم، مبيناً وجود فروقات في إعادة إصدار فئات نقدية جديدة والتي تعني تعديلاً في هيكلة الفئات وبين طباعة العملة التي تعنى الكتلة النقدية.

حلول مؤقتة

وفي ذات المنحى، يرى الخبير الاقتصادي محمد الناير أن طرح فئات نقدية كبيرة ما هي إلا “حلول مؤقتة” خاصة وأن 90% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، بالتالي من فوائد حل مشكلة الأوراق النقدية هي الفئات الكبيرة لأنها تقلل تكلفة الطباعة بصورة كبيرة، ولكنه يقول إذا لم تتضمن علامات تأمينية عالية تصبح عرضة للتزوير مما يضر بالاقتصاد بصورة كبيرة، ويطالب الناير بأن يكون التصميم والطباعة بعلامات تأمينية عالية وبجودة متقنة حتى لا تكون عرضة للتزوير وتخريب الاقتصاد في المرحلة القادمة، وأكد أن الفئات الكبيرة سلاح ذو حدين يمكن استغلالها وسحبها وإعادة تخزينها مرة أخرى حال استمرار السحب وعدم الإيداع كما حدث خلال الفترة الماضية، وحتى تنجح هذه السياسة لابد أن تتوافق تماماً مع منظومة الدفع الإلكتروني، حيث أعلنت الدولة أنها لن تقبل إيرادات خدمات كاش، اعتباراً من الأول من يناير الحالي وإلزامها كل مؤسسات الحكومة بالدفع الإلكتورني، وأضاف هذا ما لم يحدث في الواقع ما يعد مشكلة حقيقية تبين عدم مقدرة الدولة إلزام نفسها بالتحول إلكترونياً في السداد، فكيف تطالب المواطنين بالتحول الإلكتروني.

تقديرات اقتصادية

وحسب تقديرات اقتصادية فإن حاجة المواطنين من السيولة في الظروف العادية تبلغ حوالي “10%” من حجم الودائع الكلية المقدر بحوالي أربعين مليار جنيه من جملة الودائع البالغة “400” مليار جنيه، ولكن بسبب قرار “غير موفق” من بنك السودان قيد سحب الأموال من المصارف للتحكم في حجم السيولة لتقليل سرعة انهيار الجنيه، وهو قرار إن كان لمدة زمنية محددة بشهر أو أقل لكان عادياً ولكن بسبب تطاول الفترة الزمنية تحولت كافة تعاملات المواطنين مع المصارف للسحب فقط دون إيداع، ورغم تراجع المركزي عن سياسته إلا أن المصارف التجارية وحتى البنك المركزي أصبحا غير قادرين على الوفاء بمتطلبات المودعين.

الخرطوم: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة