تحقيقات وتقارير

قال (البشير قاعد ومتحكر) كبر في النيل الأبيض .. (مصالحات) بعيدة عن (الاحتجاجات)


أعاد نائب رئيس الجمهورية د. عثمان كبر إلى الأذهان رحلاته وجولاته في فيافي وقرى ولاية شمال دارفور، التي حكمها بحكمة وحنكة فائقتين، وبكثير من اللين وقليل من البأس والشدة كيفما اقتضى الحال، فكان زعيم الولاة، وقبلها أكثرهم صيتاً، ولذلك جاء هتاف (شبر بشبر البشير وكبر) وللمفارقة اليوم كبر كان قريباً جداً من الرئيس لا يفرقه منه إلا ذلك (الشبر) .. هاهو التاريخ يعيد نفسه ويواصل كبر جولاته بشأن السلام وترسيخاً له وللمحبة والوئام. أمس كسر النائب البروتوكول وغادر براً عبر طريق وعر غرب النيل (الريف الجنوبي بأم درمان) وصولاً لمناطق نائية حيث قرى الهلبة، بمحلية الدويم بولاية النيل الأبيض، كانت الزيارة بغرض حضور حفل توقيع الصلح بين قبيلتي الشويحات والحسانية الجوامعة.

صلح تاريخي

كان القاسم المشترك بين القبيلتين الضغائن والإحن، أريقت دماء هنا وهناك وتولدت الثأرات، ولذلك امتد الخصام بينهما لست سنوات كاملة،وبدأت مساعي الصلح منذ أربع سنوات ولكن تعثرت قبل عام حيث أطل الشيطان برأسه ، إذ تجدد الجرح بصدور حكم بإعدام تسعة من رجال وشباب الشويحات تم تنفيذه، مما جعل الأحزان تتجدد، والمنطقة يلفها السواد، والكل تحفز للأسوأ وغاب حسن الظن.

طوال زمن الرحلة التي استغرقت ثلاث ساعات ويزيد قليلاً ، منها ساعتان في الكثبان والرمال وصلنا منطقة الهلبة، وكان حشداً ضخماً ينتظر نائب الرئيس الذي نجح بعد جولات من التفاوض بواسطة أجاويد، في طي صفحة القطيعة بعد لقاءات تمت في هدوء تام وبعيداً عن أعين المخذلين، وكان رأس الرمح في أن تكللت الجهود بالنجاح.. الخليفة عبد الله الكباشي إلى جانب دور محوري لعبه وزير الحكم الاتحادي حامد ممتاز، ليس لأنه ابن بحر أبيض، ولكن من موقعه الرسمي، حيث قامت إدارة المصالحات والتعايش السلمي بوزارته بمجهود مقدر في إصلاح ذات البين وإقناع القبيلتين بقبول الديات من بعضهما، وقبل ذلك إزالة حالة الاحتقان بالمنطقة.
وكان تعويل الأطراف على نائب الرئيس كبيراً، حيث امتدح المتحدثون دوره في السلام والاستقرار في دارفور، في مقدمتهم الناظر هباني يوسف هباني، وشكره العمدة عمر عبد الماجد والذي قال: (نحن بالصلح دا متصافين عسل على لبن) بينما وصف وكيل ناظر الشويحات نصر الدين عثمان يوم الصلح باليوم التاريخي.

حضور كبير

نجحت حكومة النيل الأبيض بقيادة الوالي أبو القاسم بركة بتهدئة النفوس، وإيصال ملف الصلح إلى نهاياته، ولعل خبرة بركة الكبيرة في المصالحات كانت سبباً في تحقيق النتائج المأمولة، وقد كان والياً بغرب كردفان، وافلح في إنجاز أكبر صلح قبلي بين المسيرية والرزيقات، بعد قطعية أربعة وثلاثين عاماً، وخلف الصراع أربعمائة قتيل من الطرفين، وكذلك صلح شهير بين أبناء العمومة في المسيرية أولاد عمران والمسيرية الزيود، وربما ساعد د. بركة في ذلك أن درجة الماجستير التي نالها كانت في تسوية النزاعات.
وتأكد لنا أنه مامن ضيق إلا تلاه فرج، وما من عسر إلا أعقبه يسر، وهذا ماحدث، فرغبة الأطراف هي الأخرى كانت كبيرة لأجل حقن الدماء، وقد جاءت وفود من أفرع قبيلة الشويحات بولايات الشمالية، نهر النيل، شمال كردفان وعدد من قيادات قبائل أخرى للمشاركة في الاحتفال الذي كان لوحة من التآخي والتصافي.
مما دفع نائب الرئيس في كلمته إلى إزجاء الشكر للقبيلتين، وقال لهم (شكراً ليكم أديتونا اليد البيضاء وقدمتو النية السمحة وبدلتو الخصام بالنصائح والتقاضي بالتعافي) وأضاف كبر في حديث موجة لقبيلتي الشويحات والحسانية: (كتر خيركم). واعتبر أن الخصام والصراع بين القبائل أمراً طبيعياً ومتوقعاً، لكن الغريب والشاذ أن لا يتم معالجة المشكلة، وهو ذات ما مضى إليه الوالي بركة، وقال : (حلاً باليد ولا حلاً بالسنون). وتحدث نائب رئيس مجلس الولايات ابن الولاية د. إبراهيم هباني عن قيم ومعاني التصالح.

ممتاز واحتياجات المنطقة

كان لافتاً الحفاوة التي حظي بها وزير الحكم الاتحادي حامد ممتاز من مواطني بحر أبيض، ولم يكن مدرجاً أن يلقي كلمه في الاحتفال، لكن أصر عليه نائب الرئيس والوالي، وقال ممتاز إن العفو عند المقدرة من الشجاعة، وقال للمواطنين: (تنازلتم عن دماء رغبة في الأجر المبارك من عند الله، وبتعايشكم تضربون أروع الأمثال وأنتم تتناسون العصبيات والجهويات البغيضة).

واعتبر ممتاز ماحدث بسحابة الصيف، ودعا الجميع لطي الصفحة السوداء والإقبال نحو التواصل والإخاء، وأعلن ممتاز عن ابتعاث لجنة من وزارة الحكم الاتحادي للمنطقة لإجراء دراسة للوحدة الإدارية وترسيم الحدود الولائية، ولفت انتباه قيادات القبيلتين إلى أن القتال يكون في متر، ويموت العشرات، ويبقى المتر وتضيع الأرواح، وختم حامد حديثه بأن احتياجات المنطقة سيتحدث عنها نائب الرئيس.

وكان المواطنون تقدموا بحزمة من المطالب وتعامل معها نائب الرئيس بموضوعية وجدية، حيث أعلن عن إقامة سد بالمنطقة، وكان بمعية وفده وزير الكهرباء خضر قسم السيد، فيما أعلن عن كفالة أطفال قتلى الصراع، وتقديم مبلغ مليون جنيه، وكذلك تعهَّد وتكفَّل به الأمين العام لديوان الزكاة محمد عبد الرازق الذي كان حضوراً، فيما سيتم تشييد مدرسة قرآنية ومعهد بواسطة مفوضية الإيرادات أعلنها نائب الرئيس إنابة عن مدير المفوضية محمد أحمد الفشاشوية الذي شهد الصلح

تقعد تقعد بس

كان الرئيس البشير حاضراً باللقاءـ وكلما كانت تأتي سيرته هتف الحشد الضخم باسمه، وعندما قال د. كبر : (الرئيس قاعد ومحكر) علا التهليل والتكبير .. بينما رددت الحشود خلف الوالي بركة (تقعد تقعد تقعد بس) لمدة طويلة، بل وكان بركة يسأل الجماهير (الرئيس مالو)؟ وتأتيه الاجابة داوية: (يقعد بس) بينما وصف معتمد الدويم الجيلي العبيد البشير بالشيك المعتمد لعزة السودان وردد شعار (سير سير يابشير) وقال : (رسالتنا للمخذلين، تقعد بس).

الدويم : الهلبة: أسامه عبد الماجد
صحيفة اخر لحظة.