تحقيقات وتقارير

بعد لقائه مساعد الرئيس المُساعد الخاص لترمب.. رسالة واشنطن للخرطوم


لا زالت الإدارة الأمريكية ترمي بحبالها تجاه الأوضاع السياسية والاقتصادية السودانية بين الفينة والأخرى، مُستغلة بذلك أزمة الاحتجاجات التي تمر بها البلاد، وما زيارة المُساعد الخاص للرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه لإفريقيا بمجلس الأمن القومي (سيريل سارتر)، إلا واحدة من الأنشطة المُتعلِّقة بالوقوف على الأوضاع ميدانياً ورفع تقرير للإدارة الأمريكية للوصول الى موقفٍ مُناسبٍ تجاه مَا يجري في السُّودان والكيل بمكيالين فيما يَهم الشّأن السُّوداني، مِمّا يفتح الباب أمام فُرصة جديدة للخرطوم في احتواء التظاهرات بالطريقة السّلمية وإدارة الملفات التي يجب على الخرطوم اجتيازها وإغلاقها خلال الفترة المُقبلة، منها ملف الإرهاب، والقائمة السوداء، وحقوق الإنسان، إلى جانب الرسالة المبطنة التي أودعتها واشنطن بريد الخرطوم مفادها الحذر، وعدم الإفراط في التعامل مع المُحتجين، واحترام حق المُواطنين في التظاهر السلمي، وإيجاد حُلُولٍ داخليةٍ بأسرع ما يُمكن، ويضع زيارة الإدارة الأمريكية الى الخرطوم لمزيد من التدقيق والتمحيص.

*زيارةٌ غريبةٌ

أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، بروف الطيب زين العابدين قال لـ (الصيحة): من الغريب أنّ يأتي مُساعد الرئيس الأمريكي للخرطوم لمُقابلة المسؤلين ويؤكد بعدم فرض أيِّ عُقُوبات خارجية على الخرطوم ودعوة الخرطوم لحلحلة إشكالاتها داخلياً، مُضيفاً أنّ الخرطوم عليها الكثير من العُقُوبات المفروضة ولا زالت قيد التنفيذ فيما يتعلّق برعاية الإرهاب، مُبيِّناً أنّ الدعوة للتّعامل مع المتظاهرين سلمياً يعكس معه عدم الموضوعية لأنّها واحدة من الخطوات الأمريكية لقراءة الخارطة السودانية، وما يدور من أحداث ومن ثم نقلها للإدارة الأمريكية، وادّعى زين العابدين بأنّ مُساعد الرئيس الأمريكي لم يَختصر زيارته مع مُساعد رئيس الجمهورية فقط، بل شَملت الزيارة عدداً من الشخصيات وذلك لعكس كل ما يدور في السودان للخارجية الأمريكية لاتّخاذ ما تراه مُناسباً تجاه السودان، وأوضح زين العابدين أنّ الحكومة الأمريكية إذا قامت بقراءة الموقف السوداني وحركة الشارع وما يجده من تأييدٍ، سيما وأنّ التّجمُّع وقّع اتفاقية مع قوى نداء السودان وقُوى الإجماع الوطني والاتحادي الديمقراطي المُعارض، عليه فإنّ أيِّ شُعُور من الإدارة الأمريكية بسُقُوط النظام فإنّ له إثراً في تعامل واشنطن مع الخرطوم، مبيِّناً أنّ مُقابلة الإدارة الأمريكية لرئاسة الجمهورية ليس سوى استطلاع للوضع السُّوداني، مُشيراً إلى أنّ الحوار الوطني بين الحكومة والمُعارضة لم يأتِ بجديدٍ، وظَلّت مَخرجاته منذ أكتوبر 2016 كَمَا هِي، عَازياً تكوين لجنة من مجلس الولايات برئاسة مُحمّد الأمين خليفة لتقييم ما تَمّ تنفيذه من مخرجات فإنّه يمثل 20% فقط، مُشدِّداً أنّ المؤتمر الشعبي يُعتبر من أكثر الأحزاب تَمَسُّكَاً بالحوار، خَاصّةً فيما يتعلّق بجانب الحُريات، ولكن للأسف لم تلتزم الحكومة في إنفاذ مخرجات الحوار وبالتالي عدم تكرار التجربة مَرّةً أخرى، عليه فإنّ الحكومة أمام خيارين تجاه ما يحدث في الشارع، أولها حلحلة الإشكالية الاقتصادية وعدم المُعاملة المُفرطة، مُؤكِّداً أنّ سقف المطالب ارتفع أكبر من ذلك وأصبح مطلباً سياسياً، كاشفاً عن اهتزاز الثقة بين المعارضة والحكومة خَاصّةً فيما يلي الإشراف على الانتخابات.
وقال زين العابدين، إنّ توفير السُّيولة والدقيق والخُبز أصبحت ليست من الحُلُول المطلوبة لأنّ سقف المطالب أصبح سياسياً مِمّا خلّف معه بوادر خلاف داخل المؤتمر الوطني نفسه.

*اغتنام الفُرصة

مدير مركز الراصد للدراسات البروفيسور الفاتح محجوب، أكّد لـ (الصيحة) أنّ رغبة الإدارة الأمريكية في نسخ تجربة الربيع العربي في السودان أصبحت ضعيفة، سيما وأنّ الكثير من دول الربيع أصبحت وجهة للجماعات الإرهابية، مِمّا يُؤكِّد أنّ المصلحة الأمريكية في استمرارية النظام أو تطور النظام وليس إسقاطه، وتولد الفوضى كما حدث في التجارب المحيطة بالسودان، عليه يعتبر السبب الأساسي في الرسالة الأمريكية ورفضها لأيِّ تدخلٍ خارجي في الشأن السُّوداني، وعدم فرضها أيِّ حُلُولٍ على الحكومة السُّودانية هو من أهم الحلول الأمريكية، مُضيفاً أنّ الإدارة طالبت الحكومة السودانية في التعامل مع التظاهرات، مِمّا يعني أنّ الحكومة السودانية حالياً لا تُعاني من أيِّ ضغوطٍ خارجيةٍ، كاشفاً أن الأنظمة العربية التي سقطت كان للعون الخارجي، بل والأمريكي، مِمّا يضع الحكومة السودانية أمام محك، خاصةً قلقها من الضغوط الخارجية واللوبي الأمريكي عن ضغط الخرطوم مِمّا يتطلّب من الخرطوم أن تتعامل سلمياً في احتواء الاحتجاجات والاستفادة منها لتطوير النظام السوداني لأن يكون أكثر ديمقراطيةً وتعبيراً عن قضايا الشباب، وأشار محجوب الى أن الحكومة السودانية ستجد نفسها مضغوطةً في اتجاه المُحافظة على السلمية، مشدداً أن كثرة حوادث القتل ربما تؤلب الرأي العام العالمي بالضغط على الحكومة الأمريكية في التعامل مع السودان بشأنٍ مُختلفٍ وبذلك تتغيّر المَوازين السِّياسيّة وتتبدّل واستخدام السلمية يضع الحكومات الغربية في حرجٍ لتقف مواقف قوية تجاه الخرطوم، مبيناً أن هدوء التظاهرات يجعل الحكومة أكثر هدوءاً وحكمةً، بل وتلقيها لدعم دولي لاحتواء التظاهرات بطريقة سلمية، واعتبر محجوب أن الحلول الداخلية التي اقترحتها الإدارة الأمريكية يضع الكرة في ملعب الحكومة السودانية للبحث عن حُلُولٍ داخلية لما تراه مُناسباً من أفكار ووسائل لتهدئة التظاهرات عبر تقديم بعض التنازلات أو حوار وتغييرات سياسية، وعلى الخرطوم أن تختار لنفسها الحَل المُناسب للتظاهرات بدلاً من القمع والقتل بالوسائل السلمية التي تمتص بها غضب الشباب، بينما لا زال المشهد الاقتصادي هو سيد الموقف، مُبيِّناً أنّ الخطر على الحكومة ليس من المتظاهرين، بل من الأزمة الاقتصادية.

تقرير: النذير دفع الله
صحيفة الصيحة