تحقيقات وتقارير

للحديث عن الاحتجاجات قوش في البرلمان.. تفاصيل اجتماع مُغلق لأربع ساعات

حَالَة من التّرقُّب عاشها الصحفيون بالبرلمان، في انتظار انفضاض اجتماعٍ مُغلقٍ استمر لنحو (4) ساعاتٍ، قدّم فيه مُدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول صلاح عبد الله قوش للجنة برلمانية خاصّة تكوّنت من رئيس المجلس الوطني ونُوّابه ورؤساء اللجان البرلمانية ونُوّابهم ورُؤساء الكُتل البَرلمانية السّت، تَقريراً مُفصّلاً حَول الاحتجاجات التي اندلعت منذ خواتيم العام الماضي واستمرت لتصل يومها الرابع والستين اليوم.

ما حَفّز حالة الترقُّب، كانت الإجراءات المتشددة التي اتبعتها الأمانة العامة للمجلس الوطني بقصر الاجتماع على المدعوين فقط، بل وسحب الهواتف النقالة من الجميع خشية تسرُّب المعلومات من داخل الاجتماع، فضلاً عن منع عددٍ من النُّوّاب من الدخول لقاعة النيل الأبيض التي أُقيم فيها الاجتماع، كل ذلك جعل قرون استشعار الصحفيين ومُراسلي القنوات الفضائية يحسون أن هناك شيئاً ما سيُقال بالداخل ولا يُراد له الخروج لأجهزة الإعلام، خَاصّةً وأنّ القضية مثار النقاش تطاول أمدها وشهدت مقتل أكثر من 30 مواطناً حسب الإحصائيات الرسمية وتَمّ اعتقال المئات قبل إطلاق سراح مُعظمهم لاحقاً.

فك بعض الغُموض

رُبّما فكّ تصريحٌ مُقتضبٌ أدلى به الفريق أول صلاح قوش بعض الغُمُوض، لكنه بالطبع لم يزل نهماً للمعلومات، إذ أنه اشترط في بداية تصريح للصحفيين عدم تقديم أسئلة، كما أن الكلمات البالغة في مُجملها نحو 105 كلمات لم تكن ملخصاً كافياً لأربع ساعات من النقاش التفصيلي، خَاصّةً وأنّ قوش تَحَدّثَ فقط عن تنويره للبرلمان بمُجريات الأحدَاث، مُبيِّناً أنّه تَمّ تكليفه من اللجنة الأمنية العُليا لتقديم تنويرٍ لقيادة المجلس الوطني، وقال: “قَدّمت تنويراً تَحَدّثت فيه عن الظروف التي أحاطت بالاحتجاجات الأخيرة، وسردت ما تمّ وما تَوصّلنا إليه من تَحليلنا لقراءة مَا تَمّ وما هو مُتوقّعٌ في الفترة القادمة وكيفية مُعالجته”، مُبيِّناً أنّ قيادة المجلس دخلت في إطار الصورة الذهنية تماماً لواقع الأحداث بعد التنوير الذي قدّمه لهم.

مُبادرات مشروطة

تَحَدّث الفريق أول صلاح قوش أيضاً في تَصريحه المُقتضب، عن المُبادرات السِّياسيَّة التي تمّ طرحها مُؤخّراً في السَّاحة السِّياسيَّة لتقديم حُلُولٍ سياسيَّة واقتصاديَّة من شأنها إنهاء الاحتجاجات، لكنه اشترط لقُبُولها بالتزام الشّرعية القومية، وقال: “هنالك مُبادرات كثيرة جداً في السّاحة، ولكن يجب أن يعلم الجميع أنّ أيِّ مُبادرة تخرج عن الشرعية المُتمثلة في الدستور والقانون والمجلس الوطني القائم من أجل تشريع وسَن القوانين ليس لها أيِّ مكانٍ، كما أنّ أيِّ مُبادرة ينبغي أن تُبنى على الشرعية الموجودة وأيِّ خُرُوجٍ عن الشرعية مافي أيِّ مكان ليهو”.

معلومات تفصيلية

بعض التفاصيل كشف عنها رئيس لجنة الصناعة والتجارة بالبرلمان عبد الله علي مسار، مُبيِّناً أنّ مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني قدم تنويراً للبرلمان عن التظاهرات والاحتجاجات التي انتظمت العديد من المُدن، مُشيراً إلى أنّ التقرير كان مُفصّلاً وحوى الكثير من المعلومات والإحصائيات الدقيقة عن أعداد المعتقلين والقتلى والإصابات والخسائر المادية التي نتجت من خلال الاحتجاجات.

مانديت

مصادر أكّدت لـ(الصيحة) أنّ قوش نفى عن جهاز الأمن صفة الدفاع عن الحكومة أو حزب بعينه، مُبيِّناً أنّ الجهاز يُدافع عن شرعية قائمة وفق الدستور والقوانين الحاكمة والمُؤسّسات القائمة، مُضيفاً أنّه أقرّ بوجود أزمة اقتصادية تسبّبت في الأزمات اللاحقة، ودعا لضرورة حلها، لكنه نأي بالجهاز عن التسبب في الأزمة الاقتصادية أو حلها، مُوضِّحاً أنّ الجهاز يلتزم بالقانون الذي يحتم عليه التّدخُّل لحماية البلاد وحماية الشرعية الدستورية، وشَدّد على أنّ الوضع الحالي يحتاج إلى حلٍّ للأزمة الاقتصاديّة باعتبارها الجُذُور التي تُغذِّي الأزمة السِّياسيَّة.

اعتقالات وسحب السلاح

مَصدرٌ مُغايرٌ، أكّد لـ(الصيحة) أنّ قوش حدّد أعداد المعتقلين لدى الجهاز، لكنه تحاشى الحديث عن موعد لإطلاق سراحهم، مُوضِّحاً أنّ أعضاء جهاز الأمن لا يقومون بإطلاق النار على المُتظاهرين، لافتاً إلى أنّ حوادث إطلاق النار تمّت في حالات هجوم المُتظاهرين بسواطير على مواقع للقوات النظامية، لكنه قطع بأنّه وجّه عضوية الجهاز بعدم إطلاق النار، وأصدر تعليمات بسحب الأسلحة عنهم حتى لا يضطروا لإطلاق النار.

مُطالبة برفع حصانات

أحد المصدرين اللذين تحدّثا لـ(الصيحة) أكّد أنّ الاجتماع سادته روح وصفها بالإيجابية، خَاصّةً وأنّه حوى معلومات دقيقة أجابت على تساؤلات النواب الذين تحدّثوا، مُشيراً إلى أنّ كل الحاضرين في الاجتماع والذين يزيد عددهم عن 30 نائباً تَحدّثوا في الاجتماع وألقوا بتساؤلات عدا ثلاثة نُوّاب فقط، لافتاً إلى أنّ قوش أجاب عن غالبية ما طُرح عليه من أسئلة، واصفاً الإجابات بأنها “وضعت النقاط على الحروف” وأزالت كثيراً من اللبس واللغط الدائر حول الاحتجاجات، مُبيِّناً أن نواباً تحدّثوا عن التعذيب داخل المُعتقلات، مُستشهدين بقضية مُعلِّم خشم القربة أحمد الخير، وطالبوا بأهمية أن يقوم الجهاز برفع الحصانة عن أيِّ عضو من أعضائه متى ما خالف القانون حتى يُواجه العدالة.

تنسيق الاجتماع

وقال المصدر إنّ الاجتماع شهد عرضاً عبر “بروجكتر” وافتتحه رئيس البرلمان البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، الذي أكّد أهمية الحفاظ على البلاد من أيِّ انزلاق نحو ما لا تحمد عقباه، مُشدداً على أهمية مُعالجة الأزمات التي دَعت المُواطنين للبحث عن حُلول لها عبر الاحتجاجات، قبل أن يتيح الفُرصة للنُّوّاب ومن ثَمّ تعقيب الفريق أول قوش.

اكتمال الصُّورة

نائب برلماني أكّد لـ(الصيحة) أنّ الصورة ستكتمل لهم خلال اليوم “الخميس” بعد أن يعقدوا ذات الاجتماع مع رئيس الوزراء معتز موسى، مُوضِّحاً أنهم آثروا الاستماع أولاً للمُعالجات الأمنية قبل أن يتلمسوا أسباب الأزمة الحقيقيّة من الجهاز التنفيذي وآفاق الحُلول المُقترحة لطيِّها.

تقرير: محجوب عثمان
صحيفة الصيحة.