تحقيقات وتقارير

حكومة الكفاءات .. هل تنقذ الاقتصاد؟

تنادت العديد من الاصوات خلال الفترة الماضية بضرورة معالجة الاوضاع الاقتصادية وحلها جذرياً لجهة انها كانت السبب في تفجر الاوضاع الاخيرة وخروج الشعب الى الشارع، ومن ثم تتالت النداءات حتى اعلنها الرئيس البشير خلال خطابه بحل جميع الحكومات المركزية والولائية وتكوين حكومة «كفاءات» لمعالجة الازمة الاقتصادية، ومن هنا يُطرح السؤال حول ماهية هذه الكفاءات وهل ستنجح في المهمة الموكلة اليها ام ستكون هناك تقاطعات تقف بطريقها، اضافة الى اي الاساليب ستتبع لتنفيذ سياساتها، استفاهامات حملتها (الإنتباهة) ووضعتها على منضدة بعض الخبراء الاقتصاديين فكانت إجاباتهم كالآتي:

مصالحة قومية
واشار استاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة الخرطوم بروفيسور إبراهيم اونور الى انه على الرغم من المؤشرات الاقتصادية السلبية التي يعاني منها السودان في الوقت الحالي وتظهر في شكلها الخارجي نتاجاً لسياسات اقتصادية خاطئة، الا أن ما يعانيه الاقتصاد أزمة سياسية امتدت لأكثر من أربعة عقود لم تنته بتقسيمه مع انفصال الجنوب قبل حوالي سبعة أعوام. ولكن يبدو أنها ـ والحديث لاونورـ تنتظر تحقيق مصالحة قومية تشمل الشعب السوداني باحزابه السياسية والمهنية والشبابية، وقيام حكومة كفاءات غير مسيسة تعمل على توفير السلام في مناطق النزاعات المختلفة وتجهيز انتخابات فيما تبقى من فترة للانتخابات القادمة بحياد وشفافية ونزاهة، وتحقيق كل ذلك يحتاج إلى تنازلات كبيرة من كل الأطراف المعنية وخاصة حزب المؤتمر الوطني الحاكم.

اعباء متراكمة
وقال اونور ان تتابع الازمات منذ العام 1980م التي اضطرت القطاع المصرفي للتعامل مع مؤسسات التمويل العالمية عبر سماسرة وتجار شنطة مما أدى لزيادة كلفة تحويل الأموال حيث ترتب عن ذلك أعباء باهظة على الدولة والقطاع الخاص مما ادى لانخفاض احتياطي البنك المركزي من العملات الحرة وانتعاش السوق السوداء في العملات الحرة الأمر الذي أدى إلى تدهور قيمة الجنيه السوداني وأزمة سيولة في القطاع المصرفي مما أدى لفقدان الثقة في القطاع المصرفي الذي أصبح الآن اشبه بمراكز توزيع المؤون الغذائية في بلد يعاني من شح في المواد التموينية.

حديث ضبابي
وجزم الخبير الاقتصادي البروفيسور ميرغني بن عوف في حديثه برفض الخطاب جملة وتفصيلاً، فالقضية ليست تكوين حكومة كفاءات بقدر ما انها عمل مؤسسي لقيادة الدولة، والاعتماد على ان القضية الاقتصادية اساس الازمة حديث غير صحيح كما ان الخطاب نقاطه كانت مبهمة وغير واضحة.
وقال ابن عوف ان القراءة للمشاكل الاقتصادية تؤكد ألا يد للشعب السوداني في انهيار الاقتصاد و”السوتو الحكومة ما بتقدر تصلحو”، واضاف: حالة الطوارئ نعيشها من بدري وليس الآن حتى يتم اعلانها، وحظر التجول سينهي ما تبقى من الاقتصاد لانه سيحارب المواطن في معيشته، ولمدة عام غير مقبولة وسيكون السودانيون في سجن كبير والذي لن يمنع التظاهر وخروج الشباب للشارع بشعارات مؤدبة ومصممة مسبقاً لتوضيح رسالة واضحة مطلبها الاساسي اسقاط النظام لن تتوقف ، وقطع بأن المشكلة الاقتصادية ليست أس المشاكل، بل هي جزئية بسيطة من ازمة سياسية كبيرة.
البعد عن الترضية السياسية .

الاكثر التزاماً
فيما حدد الخبير الاقتصادي د.الفاتح عثمان محجوب بأن حديث الرئيس يركز على الكفاءات ويعني بذلك الاكثر قدرة والتزاماً وتسييراً لدولاب الحكم في الوزارات بشكل عام بما يؤدي للخروج من الازمة الاقتصادية. واشار الى أن التركيز على الملف الاقتصادي يعود الى ان تكون الحكومة محدودة وهي مهمتها الاساسية الخروج من الازمة الاقتصادية.
واضاف الفاتح : الوزراء الذين تم تعيينهم وزراء اثبتوا نجاحهم في الحكومة السابقة وبالتالي ووفقاً لذلك فإن التركيز سيعتمد على الكفاءة والبعد عن الترضية السياسية، وأكد ان الاتجاه الجديد لن يعين وزيراً لم يحدث اي اختراق في الملفات التي اُوكلت اليه بحيث انها تصب في صالح الاقتصاد السوداني لن يتم اعادة تعيينه مرة اخرى.

تغيير اقتصاد
واكد الفاتح ان الحكومة الجديدة تستطيع ان تحل أزمة الاقتصاد الصعبة ان نجحت في تغيير الاقتصاد السوداني من اقتصاد استهلاكي الى اقتصاد إنتاج موجه نحو الصادر ، مع سياسة تقشفية توجه كل مقدرات الاقتصاد نحو الانتاج والصادر وتم توجيه كافة علاقات السودان الخارجية لدعم الاستثمار والصادر وفتح الأسواق العالمية والإقليمية للمنتجات السودانية اضافة لإعادة بناء قطاع الصادر بحصر الصادرات الرئيسة على شركات مساهمة كبرى يتم حصر معظم أسهمها على المصارف مع تبني سياسة واضحة تضمن تحقيق سعر عادل يضمن الربح للمنتج مع استعداد الحكومة لدعم الصادر عند انخفاض الأسعار عالمياً وبذلك تعود كل اموال الصادر للبلاد وللنظام المصرفي الرسمي.

توفر بدائل
لن تنجح اية حكومة ما لم تعالج مشكلة دعم الوقود وتقديم البديل اي دعم التعليم والصحة والمواصلات العامة بما يحقق رضا غالب الشعب ويقلل الاستهلاك المتزايد للوقود والقمح بالتوجه نحو الخبز المخلوط، وزاد: الحل موجود لكنه يتطلب العزيمة والحزم والتخطيط المتكامل، الذي يضمن توجيه كافة مقدرات البلاد لخدمة بناء اقتصاد منتج للسلع والوظائف.

حكومة تسيير أعمال
اما الخبير الاقتصادي د.لؤي عبد المنعم فقد انحصرت رؤيته في حكومة الكفاءات هي بلا شك حكومة انتقالية وتشكيلها جاء استجابة لمطالب الشباب في كلا الطرفين، فهم ليسوا على خلاف جوهري ولم تجمعهم او تشكل قناعاتهم مصلحة شخصية. وقال إن تحديد فترة الحكومة بسنة واحدة قبل الانتخابات يجعل منها حكومة تسيير أعمال وإحلال للسلام أكثر منها حكومة برنامج إصلاح اقتصادي، فالصندوق وحده ـ والحديث للؤي ـ هو السبيل الدستوري الذي يمنح الفائز بالانتخابات الحق في رسم معالم المستقبل بدون إقصاء ويفضل أن تكون أول حكومة تأتي بالصندوق هي حكومة وحدة وطنية لضمان نجاحها في كبح جماح التضخم وإنقاذ الاقتصاد وإنفاذ مشاريع التنمية بدون منغصات داخلية أو خارجية.

كوادر تكنوقراط
واستدرك لؤي بقوله إن تشكيل حكومة الكفاءات وهي بالضرورة حكومة انتقالية مدتها سنة ولن تكون سبباً في تأخير الانتخابات عن موعدها في 2020، وينبغي على الرئيس في هذه المرحلة واستكمالاً لما ورد في الخطاب أن يستعين بكوادر تكنوقراط لا جدال حول كفاءتهم واستقلاليتهم بالسرعة المطلوبة وأن يمنحهم الصلاحيات الكافية لتحسين معاش الناس و وقف التضخم المتسارع، خاصة بعد حل حكومة المركز والولايات والتصدي للفساد الذي يعتبر مطلباً رئيساً للشباب .
وقال لؤي: الخطاب وإن جاء بالتنسيق مع المؤتمر الوطني فقد جرده من امتيازه كحزب حاكم عملياً وهذا التوجه من شأنه أن يخفف من حجم الضغوط المفروضة على السودان وربما نشهد السماح للمغتربين في الخارج بالتحويل إلى السودان عبر المصارف الخليجية وتحسن العلاقات مع الولايات المتحدة وهذا رهن أيضاً بعدم قمع المتظاهرين ومدى تجاوب الشباب مع الخطاب.

إجراءات حاسمة
وكان للباحث في الشأن الاقتصادي عبد العزيز مصطفى حديثاً مغايراً لأبعاد تكوين حكومة كفاءات، حيث تحدث عن السياسات المباشرة بقوله: نحتاج لاجراءات تضبط حركة السوق وتحارب التخزين والتلاعب بقوت الشعب واتخاذ اجراءات صارمة لنمو الاقتصاد وعلاج الكتلة النقدية خارج المصارف.وشدد على اهمية الفصل ما بين السلع السيادية المملوكة للدولة وتتعامل فيها مثل القمح والسلاح وغيرها وبين السلع لا يستثمر فيها الا المواطن وتلك التي تجمع المواطن مع الاجنبي، وهذا يتطلب ـ كما يقول مصطفى ـ قانون استثمار جديد يجذب المستثمرين من الداخل والخارج، بالاضافة الى نظام الحوافز للمزارعين بدلاً عن الضرائب في السلع الاساسية مثل القمح والفول.

هزة مدنية
وذكر مصطفى ضرورة احداث هزة كبيرة في الخدمة المدنية والوظائف القيادية لأنها اساس المشاكل، ولن ينصلح الحال ان ذهبت الحكومة ام بقيت ان لم تعالج مشاكل الخدمة المدنية . واكد أن الحكومة ان ذهبت ام بقيت، نحتاج الى سياسات جديدة مصرفية وتغيير الوجوه لاعادة الثقة في الجهاز المصرفي والي برامج وطنية ترفع وترتقي بالحس الوطني ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

استطلاع:رباب علي
صحيفة الإنتباهة