تحقيقات وتقارير

الاعتقالات لم تطلهم شركاء الإنقاذ .. مَن يُحاكِم مَن ؟

في أعقاب نجاح ثورة ديسمبر، طالت تهم كثيرة رموز حكومة الإنقاذ، ولعل ملفات الفساد كانت إحدى الأسباب التي دعت (الثوار) للمطالبة بوضع قادة الوطني في قائمة الاعتقالات، وأمتدت الاعتقالات ليُعلن المجلس العسكري وصول عدد منهم إلى زنازين سجن كوبر، وطالب الجميع بمحاكمة قادة الوطني دون غيره من الأحزاب التي شاركته الحكم طيلة الـ(30) عاماً بدءاً بأحزاب التوالي، ثم أحزاب الوحدة الوطنية، مروراً بحكومات الوفاق الوطني الثلاث التي أفرزتها مخرجات الحوار الوطني…

وهنا تتوالد أسئلة عن مسؤولية تلك الأحزاب وقادتها فيما حدث خلال حقبة الإنقاذ؟ ومدى مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والسياسية عن تلك الحقبة؟ وهل تمتد أيدي العدالة لأؤلئك القادة؟

بوابات ومداخل

يرى الخبير القانوني آدم أبكر، أن اعتقال المفسدين من قادة الوطني لا زال مستمراً وأن هنالك شخصيات في طريقها إلى المعتقل، وأن من تم اعتقالهم يعدون واجهة لهذا الفساد، لأنهم قادة الوطني ورموزه، وأضاف أن التحقيق مستمر في ملف الفساد، وسيُكشف عن أشحاص متهمين، وقضايا فساد غير معلومة للرأي العام، ولا يستبعد أبكر في حديثه “للصيحة” أن تكون الشخصيات التي ستكشفها التحقيقات شخصيات هم قادة وأفراد لأحزاب أخرى غير الوطني كان لها دور كبير في حكم الإنقاذ، منوهاً إلى أنه وعطفًا على المسؤولية الجنائية، فإن هؤلاء يجب اعتقالهم لمشاركتهم في تبديد المال العام عبر تقلدهم وظائف نفذوا فيها جرائم الفساد واتخذوا جرائم أخرى منذ 30 عاماً لكل الأحزاب المشاركة في الحكومة السابقة. واعتبر آدم أن اعتقال قادة الوطني وحدهم دون الأحزاب الأخرى للتحقيق حول الفساد في هذا التوقيت يعد أمراً طبيعيًا لجهة أن الوطني هو المسؤول الأول خلال حقبة الإنقاذ، فقد تمت كل الممارسات تحت نظرهم، وأن فسادهم مباشراً دون بوابات ومداخل كما تفعل الأحزاب المشاركة لهم، وأضاف أن خطأ قيادات الأحزاب الأخرى ليس خطأ مباشراً من ناحية قانونية، لأن القانون لديه الدليل، لذلك فإن الوضع يختلف وأن من تم اعتقالهم كانت التهم واضحة ومباشرة، كما ثبت بالبينة والدليل القاطع للرئيس المخلوع وهو يخفي مبلغاً مالياً كبيراً داخل منزله، في الوقت الذي كانت خزائن بنك السودان خالية والمواطنون يبحثون عن السيولة، وأشار أبكر أن من تم اعتقالهم الآن من قادة الوطني وإيداعهم سجن كوبر تعتبر جرائمهم من الجرائم السياسية، وأن فسادهم كان واضحاً تسبب مباشرة في أزمة الوطن، لذا يطالب أبكر بأن يتم التحقيق معهم فوراً لتبيين الحقائق، ويتم اعتقال مجرمين آخرين يتمتعون بحرية مطلقة ويحرضون، لذا فإن التحقيق سيكشف الكثير من الجرائم التي لم تتضح للعامة.

لائحة جديدة

فيما أكدت مصادر بأن هنالك اعتقالات كثيرة قادمة لرموز بالأحزاب السياسية الأخرى، وأوضح مصدر “للصيحة” أن هذه الشخصيات صاحبة فساد مشهود خلال حقبة الإنقاذ وأنها من الأحزاب العريقة في السودان ولها دور سياسي كبير، وكشفت المصادر عن أن هنالك حزباً يمتلك نصف مدينة، مشيراً إلى أنه وبعد اقتلاع الإنقاذ بدأ يتحدث عن تلك الممتلكات ويبرر أنها ورثة من أجل أن يكون خارج مظلة الاعتقالات، وقالت المصادر أن من يقوم بتلك الإجراءات هو عضو الحزب المقرب إلى بيت الحزب الطائفي العريق بعدما لمح اسمه من ضمن لائحة تضم عدداً من الذين سيتم اعتقالهم من الأحزاب الأخرى التي كانت شريكة في الحكم.

القادم أخطر

الثابت في الأمر أن اعتقالات كثيرة طالت عدداً كبيراً من المسؤولين الكبار في الدولة في العهد السابق للإنقاذ وفق مصدر تحدث لـ(الصيحة)، وأضاف بأن عدد الأسماء التي ورد ذكرها في قائمة المعتقلين يعد (رقماً) بسيطاً جدًا مقارنة بالمطلوبين للاعتقال قبل الكشف عن وجود أسماء في القائمة تشيب لها الرؤوس، مضيفاً بأن التحقيقات ستكشف حتى عن نساء الإنقاذ وستعيدهن حتى وإن كن خارج البلاد، وأبلغ المصدر الصيحة بأن السلطات اعتقلت من كانت له صلة بحكومة الإنقاذ، مضيفاً أن القادم أخطر وأن قائمة الأسماء المعتقلة يتصدرها رئيس البرلمان وبعض ولاة الولايات وقيادات المؤتمر الوطني، مشيراً إلى أن المعيار لاعتقالهم أنهم كانوا على صلة بملفات (الإنقاذ) وكانوا قادة ويعيشون في (حوش) العهد السابق.

دائرة اتهام

ويرى نائب رئيس هيئة الأركان السابق، والخبير الأمني الفريق ركن عثمان بلية في حديثه لـ(الصيحة) أن من تم اعتقالهم إلى الآن، في أعقاب ثورة ديسمبر يعتبرون واجهة المؤتمر الوطني وقياداته، موضحاً أنهم عناصر أساسية في الحكومة، لذلك ما لم يكن هنالك توجيه تُهَمٍ لهم فإن اعتقالهم يضحى سياسياً في المقام الأول.

وكشف بلية ورود أسماء لشخصيات ورموز سياسية من غير (الإنقاذيين) في مقدمة قائمة الاعتقال، مضيفاً بأن ورود هذه الأسماء جاء لتقديرات الجهات المختصة بأن هذه الأسماء مع أنها خارج (الإنقاذ)، إلا أنها لم تكن بعيدة عن الحكومة ومطبخ القرار، مما يشير إلى احتمالية تورطها أكثر من قيادات الصف الأول لـ(الإنقاذ) باعتبار أن المصلحة المشتركة بينهم هي التي أدخلتهم دائرة الاتهام وأنهم من المفسدين الأساسيين في عهد الإنقاذ، لكنهم تواروا خلف أعمال خارج مظلة الحكم و الواجهة، مضيفاً أن الشبهة تدور حول هؤلاء لأنهم أساسيون في القضية، لذا جاء اعتقالهم من أجل التحقيق لتأكيد أو نفي التهمة. وطالب بلية الجهات المختصة بالتحقيق مع المعتقلين بأن تكون هنالك عدالة واضحة في المرحلة القادمة تجاه من فرط في الأمانة الوظيفية لتكون المرحلة المقبلة مفصلية لقضايا الفساد الذي كان بعبعاً يخاف منه الجميع.

تقرير : عوضية سليمان
الخرطوم (صحيفة الصيحة)