تحقيقات وتقارير

التمكين في الأجهزة الأمنية .. كيف تنتهي المأساة؟

ضباط الشرطة السودانية من رتبة نقيب فما دون نفذوا إضراباً في جميع الهيئات والإدارات الشرطية أمس الأول، مطالبين بإصلاحات إدارية في هياكل الشرطة وبناء شرطة قومية مهمتها حفظ أمن الوطن والمواطن وخدمة الشعب والبعد عن الانتماءات السياسية والحزبية الضيقة وحل كل واجهاتها ومحاسبة كل من مارس عملاً سياسياً داخلها وإنشاء قضاء شرطي مستقل وإعادة المفصولين في القضايا السياسية الحزبية وعدم السماح لأي قوة نظامية أخرى بارتداء زي الشرطة والقيام بمهامها وفق الدستور.

الزبير غرس التمكين داخل الشرطة

اللواء شرطة (م) أمين مجذوب يذهب في حديثه لـ(السوداني) ليبين عمق التمكين للنظام البائد في الأجهزة الأمنية، مشيراً إلى مقولة الزبير محمد صالح للشرطة في العام 1996م (عمل الشرطة بدأ الآن) بعد غرس المنتمين لحزبه فيها وإنشاء جهاز أمني شرطي موازٍ للشرطة ممثلاً في الشرطة الشعبية التي حلت من قبل المجلس العسكري شأنها شأن بقية مؤسسات النظام السابق.

د.أمين أكد أن مطالب الضباط المضربين من الشرطة مستحقة، مؤكداً أن الشرطة جهاز خدمي قومي يوفر الأمن للمواطن ولديه قانون جنائي يعمل به ومنظومة أخرى من القوانين الإدارية الداخلية لتنظيم وحفظ حقوق الضباط من القادة إلى القاعدة، قاطعاً بأن التمكين أخل بهذا النظام بتدخله في عملية الاختيار وأيضاً أحدث شرخاً في علاقات العمل داخل الإدارات الشرطية بالتمييز الحزبي أو التنظيمي وبث روح الكراهية في مؤسسة شاعت منها روح العلاقات الإيجابية بينها وبين الشعب وحمل الشعب الهم الأمني معها.

التمكين سياسة وقائية

المحلل السياسي د.ناصر السيد وصف لـ(السوداني) أمس، التمكين في الأجهزة الأمنية، بالسياسة الوقائية لحفظ النظام، مشيراً بذلك إلى أن الأنظمة الشمولية تحاول التقليل و الحد من خطر هذه الأجهزة باعتبارها سلطة نافذة، وأضاف: يجب على الأجهزة الأمنية أن تعمل بمهنية بعيداً عن الانتماءات الحزبية كما يجب أن تتعامل مع المنتمين إليه بمبدأ المحاسبة لا الإقصاء والمحاكمة لكل من تثبت إدانته بالفساد واستغلال سلطات الجهاز لمآرب أخرى.

نتاج طبيعي لتسلط النظام السابق

القانونية د.زحل الأمين أكدت في حديثها لـ(السوداني) أن التمكين مخالف لقوانين الأجهزة الأمنية والمنوط بها تطبيق القانون وحمايته لأن عملها يتعلق بحياة المواطنين وأمنهم، منوهة إلى أن التشوهات أو التمكين في تلك الأجهزة هو نتاج طبيعي لتسلط النظام السابق، مشيرة إلى أن عقيدة الأجهزة الأمنية تبنى على أسس عسكرية وقومية لا على تحزب أو انتماء الأمر الذي أوجب الإصلاح بعد رحيل النظام السابق الذي خرق القانون بإقحام مليشيات كالأمن الشعبي والدفاع الشعبي والأمن الطلابي، مما أدى إلى انتقاص دور الأجهزة الأمنية، مشددة على أن رفض وجود مدير عام قوات الشرطة في المجلس العسكري يعود إلى عدم التزامه بقومية الشرطة وعدم تدخله لمنع الكتائب غير التابعة لها بارتداء زي الشرطة وإطلاق الرصاص على مرأى وحماية القوات الشرطية.

على أثر ثورة 19 ديسمبر المجيدة بدأت الأجهزة النظامية ثورتها لاستعادة عافيتها من تمكين الدولة العميقة بآليات عدة كان آخرها إضراب ضباط الشرطة وتسليم مذكرة للمجلس العسكري ورئاسة الشرطة تقضي بالحفاظ على الشرطة كجهاز قومي مهني يخدم الوطن والشعب وليس الحزب والسياسيين، وكذلك الجيش لم يكن بعيداً عن الاضطلاع بمهمته الأساسية في حفظ سلامة وأرواح المواطنين وليس النظام الحاكم وظهر ذلك جلياً في اعتصام القيادة العامة بإيواء الثائرين وحمايتهم من بطش الأجهزة الأمنية الأخرى خاصة جهاز الأمن الذي طالته مطالب الثورة بإعادة هيكلته.

تقرير : هبة علي
الخرطوم (صحيفة السوداني)