رمضان وعادات الاستهلاك عند السودانيين
يعد شهر الصوم أفضل الشهور الذي يمر على الإنسان خلال العام سواء من النواحي الروحانية أو من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، واختصه اللَّه تعالى بالخير والفضل، من بين سائر الأزمنة والأوقات، وجعل فيه ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، واختاره ليكون مهبطاً لوحيه ورسالاته، حيث أنزل فيه القرآن الكريم ويكفي في فضل هذا الشهر ما ورد عن رسول اللَّه: «سيد الشهور شهر رمضان».
فعلى الصعيد النفسي فإنه دورة تدريبية، لتربية الإنسان على التحكم في رغباته وشهواته، حيث يمتنع بقرار ذاتي عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات، مع ميله إليها، أو حاجته لها، في بعض الأحيان.
أما اجتماعياً يتحسس الإنسان من خلال الصوم جوع الفقراء والمعدمين، ويشعر بمعاناتهم وحاجتهم وفي هذا الإطار تنتظم العديد من برنامج العمل الاجتماعي على المستوى الرسمي مثل كرتونة الصائم التي تقدم من ديوان الزكاة للفقراء والمساكين، بجانب المؤسسات المجتمعية الأخرى التي تهيئ نفسها وتخصص ميزانيات مقدرة لتغطية شرائح معينة لتقديم الدعم لهم.
وفي كثير من مجتمعاتنا العربية تغطي الجوانب الاقتصادية والاستهلاكية على الجوانب الروحية مما يؤسف له نمو بعض العادات الخاطئة، والحالات السلبية، التي تجهض آثار الصوم، وتقلل الاستفادة من بركات الشهر الكريم.
وبالرغم أن أغلب مشاكل الإنسان الصحية تأتيه من الاسترسال مع شهوة الطعام والشراب، نجد في هذا العصر إتقان العديد من الشركات والمصانع في إنتاج سلع معينة للاستهلاك خلال شهر رمضان والاتخاذ من هذا الشهر مواسم للكسب والنماء لثرواته ومواسم للكسب السريع والاسترسال مع الشهيّة والرغبة، فخلال الثلاثين يوما هي أيام الشهر الفضيل تنفق الأسر السودانية ميزانية تسعين يوما حسب بعض التقديرات، حيث يرتفع متوسط صرف الأسر من ألفين جنيه إلى 6 آلاف، كما يرتفع استهلاك السلع المختلفة وخاصة المرتبطة بهذا الشهر مثل الفاكهة والخضروات والبقوليات والنشويات والحلويات والآواني المنزلية في الأسواق و(المولات) الكبيرة نسبة 30% إلى 50%عن الشهور الأخرى حسبما جاء في حديث عدد من التجار وأصحاب المحلات التي استطلعتهم (سونا).
ففي محلات أبو الفاضل بلازا للأدوات المنزلية بجبرة أبدى العديد من المواطنين الذين وفدوا بصورة كثيفة لشراء حاجياتهم استياءهم من أن جميع الأجهزة تمت زيادة أسعارها عن الشهر الماضي رغم القبول الواسع والتدافع الكبير من المواطن، مستنكرين ارتفاع أسعار السلع في موسم الخير التي من المفترض تخفيضها لزيادة استهلاكها.
وفي محلات ود المرضي بمنطقة جبل الأولياء التقت (سونا) بالمواطنة نسيبة محمد خلال خروجها من المحل الذي امتلأ بالمتسوقين من الجنسين بعد شراء احتياجاتها قالت إنها دائما ما تشتري حاجات الأسبوع، إلا أن أسعار بعض السلع ارتفعت لدخول شهر الصوم، مبينة أن احتياجاتها لأسبوع واحد فقط بلغت كلفتها 1650 جنيه، فيما كان صرفها للأسبوع قبل رمضان في حدود الـ700 جنيها فقط.
كما شهدت بقالة الأنفال بجبرة اصطفافا كبيرا للمواطنين لشراء حاجاتهم ليلة أمس وأمس الأول، كما شهدت جميع الأسواق ازدحاما كبيرا من المواطنين لتلبية حاجاتهم استقبالا لشهر رمضان.
حتى أسعار اللحوم لم تسلم من استغلال التجار، حيث ارتفع سعر كيلو الضأن من 250 إلى 280 إلى 300 جنيه، فيما ارتفع سعر كيلو العجالي من 160 إلى 180 إلى 200 جنيه وكيلو الفراخ من 100 إلى 120 إلى 150 بالشركات المختلفة وطبق البيض من 60 إلى 80 إلى 130جنيه، فيما ارتفعت دستة المانجو من 80 إلى 100 إلى 120 ودستة البرتقال من 50 إلى 70 إلى 100، فيما بلغ كيلو الليمون من 30 إلى 60 بدخول شهر رمضان.
وهكذا أصبح الشهر الكريم شهر الخير والبركة شهرا تتنافس فيه الأسر للتجويد والإتقان بتحضير أشهى المأكولات والمشروبات وخاصة أن الأسر السودانية تجود في هذا الشهر، كما تتميز بإخراج صينية الإفطار لأقرب فسحة جوار المنزل لتعميق العلاقات الاجتماعية وضيافة المارة في ساعة الإفطار مما يشعرهم بضرورة الإحسان والكرم وتجويد مكونات السفرة مما يخلق التنافس بينهم لتنويع والتجويد ورغم أن هذا الشهر يستحق التمييز في نوعية النظام الغذائي لخصوصية الصحية، إلا أن التدبير والترشيد أمر في غاية الأهمية.
ورغم وجود عادات دخيلة على المجتمع السوداني في استهلاك سلع معينة في هذا الشهر الكريم، إلا أن هنالك قيم وعادات سودانية خالصة باقية تضفي بريقا خالصا لهذا الموسم الروحي نكهته الخاصة وبين هذا وذاك لابد لنا من اغتنام فوائد هذا الشهر في حسن العبادة وتعميق العلاقات الاجتماعية وإصلاح ذات البين والتدريب على الانضباط الغذائي والتسامي والتسامح فيما بيننا.
تقرير/ إعداد سعيدة همت محمد
سونا