مقالات متنوعة

الجنيه السوداني .. هل سيتعافي؟


30 عاماً مضت والبلاد تعتصر الألم والأوجاع وكادت تعصف بها الرياح الى الهاوية في نفق مظلم بسبب الفساد والمحسوبية والظلم الذي استشرى في كل مؤسسات الدولة دون مراعاة، وتم تنفيذ العديد من السياسات ولكنها فشلت وآخرها علاج (الصدمة) التي كانت صدمة حقيقة للمواطن وارتفعت صرخته عالية بخروجه للشارع .. ومن هنا فان جملة من التحديات الاقتصادية تواجه الحكومة الجديدة، فالعديد من الملفات لم تحسم خلال العام 2018م، وبعد ان طوينا آخر صفحة من النظام البائد الذي كانت الضائقة الاقتصادية سببا في رحيله بما فيها الأحداث السياسية الى أن جاءت ثورة “6” أبريل وكانت ايضا مثقلة بالعديد من التحديات الجسام وشهدت مرحلة طويلة مابين الشد والجذب بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير وانتهى الأمر بالتوصل الى اتفاق لا يمكننا التنبؤ بما يحدث ولكننا نتفاءل بان تكون الأوضاع الاقتصادية معافاة من الأمراض التي أهلكت جسد الاقتصاد وتسببت في ضعف العمود الفقري له بتدني الصادرات وعدم استقرار سعر الصرف، بجانب فقدان المواطن ثقته في البنوك. العديد من الاشياء تنتظر هذا الاتفاق في المرحلة القادمة فهل يصلح التغيير ما أفسدته الإنقاذ؟

(علف البقرة)
قال الخبير الاقتصادي د.عبدالعظيم المهل ان التحديات كثيرة ولكن يمكن ان ينجز فيها حال تم ترتيب الأوراق عبر التخطيط السليم، واضاف المرحلة القادمة تتطلب التركيز على الاقتصاد والاستقرار والسلام بجانب محاربة الفساد، اما بالنسبة للسياسات الخارجية لابد من سياسة متوازنة لخدمة الاقتصاد، وحدد المهل لـ(الإنتباهة ) امس اولويات يجب الاهتمام بها أجملها في المشاريع الزراعية التي تؤدي الى زيادة الصادرات، وأردف قائلا حال تم رعايتها يمكن ان تقفز بالصادرات الى اكثر ما تحتاجه البلاد ، أما الجانب الآخر متعلق بالصناعات المتوقفة، داعيا الى ضرورة الاهتمام بها في كافة المشاريع وايضا المشاريع المقترحة التي لم يتم تنفيذها مبينا ان هنالك أكثر من 60% من المصانع متوقفة الأمر الذي يتطلب الوقوف عندها ومعرفة الأسباب ومعالجتها ، واستدل بالمثل (علّف البقرة قبل ان تحلبها ) في إشارة له على اهمية تجهيز الاولويات ، وطالب بإلغاء الرسوم والضرائب العشوائية. ولفت المهل الى اهمية إصلاح الجهاز المصرفي وإعادة الثقة وايضا استقرار سعر الصرف بجانب استقرار السياسات، وشدد على ضرورة العمل بمؤسسية.

إزالة الترهل الحكومي
لم يكن حديث أمين السياسات والإستراتيجية باتحاد اصحاب العمل د.سمير احمد قاسم بعيدا عن سابقه في التحديات التي تواجه الاقتصاد في المرحلة المقبلة بانها كثيرة وتأخير تشكيل الحكومة ساهم في عدم الاستقرار الاقتصادي مما ادى الى ندرة في السلع بالاسواق ، ورهن تنفيذ الاتفاق بانه يؤدي الى استقرار سياسي واقتصادي وأمني وفي نفس الوقت وجود الحكومة يسهم في وفرة السلع وخفض التخضم ولفت الانتباه الى ان التحديات المقبلة تتطلب ضرورة الاهتمام بالتحضير للموسم الزراعي الذي يحتاج توفير الكاش للعمالة والوقود والأسمدة، وطالب سمير في حديثه لـ”الإنتباهة ” بضرورة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كي يساعد في التعاون الدولي في كافة الاتجاهات وايضا يسهم في التعامل مع المصارف وايضا إلغاء الديون القديمة البالغة 56 مليار دولار، وشدد على ضرورة إيقاف نشاط الشركات الحكومية والامنية والاخرى التي يتم اعفاؤها من الضرائب والزكاة ولديها تمويل مصرفي كبير قائلا ” من الممكن الاستفادة منه في الانتاج والانتاجية”، وتقليل نسب الفقر بالبلاد، ولفت الانتباه الى ان السودان من الدول الأقل نموا وصادراته في حدود 3 مليارات دولار مؤكدا انها نسبة ضئيلة والواردات 9 مليارات دولار، واعتبر ذلك عجزا كبيرا في الميزان التجاري بحوالي 6 مليارات سنويا، الأمر الذي يتطلب تشجيع استقرار السياسات المالية، واضاف ان المرحلة المقبلة تحتاج الى كوادر مؤهلة لإدارة الاقتصاد مشددا على ضرورة إعفاء الصادرات من كافة الضرائب وتشجيع الصادرات غير البترولية بجانب ربط بعض المشاريع الانتاجية بالصادرات واهمية تحسين بيئة العمل، لافتا الى ضرورة تأهيل الموانئ لتواكب العالمية من معدات مناولة وشحن وتفريغ. منوها الى انه يتم دفع 300 مليون دولار سنويا عبارة عن غرامات بسبب تأخير الشحن والتفريغ , وذكر ايضا تدني الصادرات بنسبة 46% واعتبر ذلك مؤشرا خطيرا الأمر الذي يتطلب وجود إدارة مؤهلة وإزالة الترهل الحكومي، مؤكدا على اهمية التعامل الكترونياً في كافة المعاملات الحكومية .

الوجود الأجنبي
وذهب سمير في افاداته في شتى المجالات قائلا ان المرحلة تحدياتها كثيرة تتطلب تقنين الوجود الاجنبي الذي يمثل اكثر من 3 ملايين اثيوبي ومليون نسمة من غرب افريقيا، قائلا هؤلاء يشاركوننا في المأكل والمشرب والمواصلات والتعليم والصحة دون رسوم اقامة، ووصف ذلك بالفوضى حتى وصلت جرائم النازحين الى 8% واقترح دفع رسوم اقامة مائة دولار سنويا مقابل الاقامة بالبلاد ويشمل كافة الأجانب المقيمة بالبلاد، واضاف معظم الوجود الاجنبي يشتغلون في أعمال هامشية وليس مستثمرين، ونصح بان تكون تلك الأعمال لابناء المنطقة لمحاربة العطالة , ودعا الى تظيم سياسات الصادر والوارد عبر الحدود خاصة دول الجوار للاستفادة من التجارة التفضيلية.

استعادة قيمة الجنيه
في بداية حديثه للصحيفة تساءل استاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم بروفيسور عثمان البدري: هل يمكن عودة قيمة الجنيه السوداني الى عهدها الأول ؟ ومن ثم دلف الى اهم المرتكزات التي يجب ان تقوم عليها الحكومة الجديدة في مرحلة ما بعد الاتفاق بالمطالبة بتوفير الإدارة الجادة المؤهلة الملتزمة بتحقيق أهداف واضحة ، حتى تستطيع الدولة استعادة سيطرتها لما تم التفريط فيه من الممتلكات والمؤسسات العامة الاستراتيجية وإصلاح الخلل والمحاسبة الشفافة العادلة من المشاريع الزراعية والصناعية مثل النسيج والاتصالات وما عليها.

سيادة الموانئ
وطالب البدري بإرجاع الموانئ البحرية كاملة لسيادة الدولة وكذلك الخطوط الجوية السودانية ، اضافة الى عودة سيادة الدولة على القطاع المصرفي خاصة بنك الخرطوم وتقوية المصارف الحكومية الرئيسة بتمويلها للجهات المستهدفة بدلا من إعطاء الاموال للوسطاء المستغلين لأوضاع البسطاء والرأسمالية وأن تقوم تلك المصارف بتشجيع تصنيع المدخلات الزراعية والصناعية او شرائها فى غير أوقات الذروة على الطلب حتى تنخفض التكلفة فعليا.

وقال البدري ان أكبر التحديات ايقاف صادرات الخام من المنتجات المحلية وفتح اعتمادات الصادر الى بنك السودان بعد التأكد من عدالة الأسعار المقدمة ، مشددا على تنفيذ قرارات فض الانفاق الحكومي وقرارات إلغاء الامتيازات والإعفاءات لاية فئة كانت، مع تطبيق انظمة الشمول المالي والضريبي المحوسب على الجميع وأخذ اية شبهة فساد او استغلال نفوذ محمل الجد، وإيقاف استيراد ما لا لزوم له مثل الالبان المستوردة من الخارج أو وضع رسوم عالية عليها يتم دفعها بالدولار.

انفراج بإحسان
وذكر البدري ان الودائع التي حصل عليها البنك المركزي والقروض الشرعية طويلة الأجل من السعودية والامارات لتمويل السلع الاستراتيجية من القمح والادوية والمواد البترولية، ان تم إحسان ادارتها والتصرف في عوائدها ، ستؤدي الى قدر من الانفراج والاستقرار في سعر الصرف وبناء احتياطي آمن بالبنك المركزي من العملات الاجنبية لا يقل عن واردات ستة الى تسعة اشهر مع تراكم المخزون من الذهب وعدم بيعه.
ايضا المحافظة على المشاريع الزراعية الكبرى فى الجزيرة وغيرها والسكر والذهب و الموانئ والقيم المضافة فى القطن والثروة الحيوانية والحبوب الزيتية واخواتها وموارد الطيران المدنى وسودانير والخطوط البحرية وغيرها مع ترشيد الانفاق الحكومي الفالت وضبط انظمة الخدمة المدنية والهيئات العامة بالعودة الى الهيكل الاداري والوظيفى والراتبى الموحد للدولة.

ملفات مفاجئة
الخبير الاقتصادي د.الفاتح عثمان محجوب في حديثه للصحيفة اشار الى ان قوى الحرية والتغيير ستتفاجأ بملفات صعبة جدا على طاولة الحكومة الجديدة منها كيفية توفير الوقود والقمح اضافة الى ملف الديون ، مبينا انه تبقى من الدعم الاماراتي السعودي ثلاثة اشهر فقط وبعدها ستواجه الحكومة الجديدة صعوبة في توفير النقد الاجنبي لاستيراد القمح والوقود، لا سيما وان السودان يحتاج الى ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار للوقود واخرى بمقدار 2 مليار للقمح ، والفترة الانتقالية تحتاج الى ما لا يقل 3 مليارات دولار اخرى ، اضافة الى ان الوضع الداخلي مليء بالانفلات الصحي والتعليمي وكافة الخدمات الأخرى.

ولفت الفاتح الى مشكلة تطبيع العلاقات مع المصارف العالمية لجدولة الدولية يحتاج الى سياسات قوية وطرح اقوى من متمكنين في الشأن، وهذا سيجعل الحكومة الجديدة غير قادرة على التعامل مع المؤسسات الدولية.
متطلبات عاجلة
رئيس قسم الاقتصاد بجامعة السودان العالمية د.ماجدة مصطفى صادق قدمت خلال حديثها لـ(الإنتباهة) عدة معالجات ومقترحات لخصتها في اهمية تصميم صندوق الدعم الداخلي عبر تبرعات رجال وسيدات الاعمال وتوفير المخزون الاستراتيجي من السلع والوقود مع تأمين الحدود لمنع تهريب السلع الأساسية.
وشددت ماجدة على ضرورة محاولة ما تبقى من استعداد للموسم الزراعي بكل الطرق العلمية الممكنة ودعم المزارع ما أمكن والتركيز على مراجعة كل عقودات المشاريع الانتاجية التي تم بيعها لدول اخرى او شركات اجنبية ، وفي الشق الاجتماعي قالت ان معالجة الأسباب التي ادت الى خروج الشعب الى الشارع لا بد ان يكون في اولويات الحكومة الجديدة عبر توفير معالجات عاجلة للاسر الفقيرة عبر ديوان الزكاة ومنظمات المجتمع المدني وتوفير السلع مع سهولة انسيابها والرقابة على الأسواق لمحاربة جشع التجار ودراسة حل مشكلة الإمداد الكهربائي وإيجاد حلول عاجل لها.

مواجهة الصدمات
ويقول المتخصص في الشأن الاقتصادي دفع الله الامين انه بعد انفصال الجنوب في عام 2011م وما أعقبه من فقدان السودان لنحو 75% من انتاجه النفطي وحوالي 56% من إيرادات الموازنة العامة، و 85% من حصيلة النقد الأجنبي ، وقد ادت هذه التحديات ـ وفقا للامين ـ الى اختلال التوازنات الداخلية والخارجية، كما تأثرت الطاقة الانتاجية في القطاعات الرئيسة المولدة للقيمة المضافة، نظرا لتراجع مستوى الاستثمارات العامة والخاصة دون المستويات المنشودة لحفز النمو وخفض معدلات البطالة والفقر، وهذا قاد الى ارتفاع كبير في معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية وصعوبات كبيرة في ادارة السياسات الاقتصادية الكلية. وزاد: هذه التحديات تجعل الحكومة الجديدة في تحد كبير يرتكز على تبني سياسة اقتصادية ملائمة من اجل استعادة الاستقرار الاقتصادي وتذليل العقبات التي تواجهه عبر سياسة مواجهة الصدمات الداخلية والخارجية بتقييد السياستين المالية والنقدية وتشجيع الاستثمار المحلي والاجنبي وزيادة الإنتاج والانتاجية عبر تفعيل بند “العطالة” الذي تجمد كثيراً بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة. ورغم تسجيل القطاع الزراعي لنسبة نمو بلغت نسبته 9% خلال العام الماضي ـ والحديث لدفع الله ـ إلا ان القطاع تأثر هذا العام جراء ارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج المستوردة وهو ما يحدث الآن مع تذبذب واضح في سعر العملة الأجنبية في ظل التراجع الكبير في قيمة العملة، وكذلك من ارتفاع تكاليف النقل نتيجة النقص المتكرر في إمدادات الوقود.

 

 

الانتباهة