تحقيقات وتقارير

بيانات الشيوعي المنفردة .. المغزى والمضمون


تصريحات وُصفت بالمثيرة للحزب الشيوعي كشف فيها أن غموضا كثيفا يكتنف المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وقال: يوجد تغييب تام للجماهير صانعة الانتفاضة عما توصلت إليه الاجتماعات المتطاولة وعما يجري سلبا وإيجابا وتعمد واضح لإهدار حق الجماهير في معرفة ما يجري والاطمئنان على سير المفاوضات.
السكرتير السياسي للحزب مختار الخطيب أكد خلال بيانه رفض حزبه مشاركة الأعضاء الحاليين بالمجلس العسكري في أي مستوى من مستويات الحكم الانتقالي، وقال إن المفاوضات بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري يكتنفها الغموض، وتغييب تام للجماهير صانعة الانتفاضة، مشيرا إلى أن إخفاء للحقائق حرم تحالف قوى الإجماع الوطني من حقه الثابت في معرفة ما يدور في المفاوضات وأضاف: ما تزال المماطلة والتسويف في تسليم مشروع الاتفاق إلى قوى الإجماع على الرغم من إعلان الوساطة عن اتفاق.

مواقف مختلفة
هذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها الحزب الشيوعي بيانا منفردا رغم أنه واحد من مكونات الحرية والتغيير ولديه مفاوض وهو القيادي بالحزب صديق يوسف، ما يعني أن حديثه عن أن المعلومات محجوبة عن الحزب قصدا إلا ما يرد من معلومات شحيحة وغير مؤكدة ويمكن الاعتماد عليها في اتخاذ قرار بهذه الأهمية والخطورة يعتبر غير منطقي.
فيما يتخوف البعض من أن تؤدي الخلافات داخل إعلان الحرية والتغيير إلى انقسامات، ومعتبرين أن الشيوعي هو من يقود موقفا متطرفا بالتصعيد مع المجلس العسكري، مستقويا بالجماهير التي تخرج في مسيرات بين احتجاجية واحتفالية.

سبق أن أصدر الحزب بيانا منفردا عقب الوساطة التي تقدمت بها شخصيات قومية لتقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، واقترحت الوساطة وقتها أن يكون المجلس السيادي مشتركا: 7 مدنيين و3 عسكريين برئاسة رئيس المجلس الانتقالي البرهان، ومجلس وزراء بكامل الصلاحيات التنفيذية تختاره قوى الحرية والتغيير برئاسة رئيس مجلس وزراء يشارك في اختيار وزرائه، ولا يتدخل مجلس الأمن والدفاع في هذا الاختيار إلا في حدود الفحص الأمني، ويتم اعتماد التعيينات من قبل مجلس السيادة. وبعد أن وافق العسكري على هذا المقترح سارع الحزب الشيوعي لإصدار بيان أعلن فيه رفضه للمقترحات وتمسك بأن يكون المجلس السيادي مدنيا ولا يقبل أي تمثيل عسكري، معتبرا أن المشروع الذي قدمته لجنة الوساطة يفتح الباب أمام الثورة المضادة في محاولة شرعنة سلطة المجلس العسكري والمحافظة على مصالحها وتمكينها، ويصب ذلك في مصلحة مشروع الهبوط الناعم، الذي رفضه الشعب السوداني برفض طريق التبعية والتدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية.

لقاء منفرد
أبريل الماضي أصدر الحزب الشيوعي بيانا أعلن فيه رفضه لقاء المجلس العسكري الانتقالي منفردا بمعزل عن إعلان قوى الحرية والتغيير، وقال عن الدعوة المقدمة للاجتماع باللجنة السياسية للمجلس العسكري الانتقالي مساء 20 أبريل، “إنه سبق أن قدمت لجنة الاتصال بقوى إعلان الحرية والتغيير بشكل جماعي طلبا للاجتماع بالمجلس العسكري الانتقالي قبل 3 أيام ولم يصلها منكم رد”، مؤكدا الالتزام بحضور وتلبية أية دعوة للاجتماع في إطار قوى إعلان الحرية والتغيير وفق الطلب وحين استلام دعوة، وقال: “لا نوافق على عقد اجتماع مع الحزب الشيوعي السوداني بمعزل عن بقية مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير”.

الشوعي مخترق!
الشيوعي أكد في بيانه تمسكه بالمواثيق وتنفيذ برنامج الفترة الانتقالية المتوافق والموقع عليها من أطراف الحرية والتغيير لتهيئة المناخ لعقد مؤتمر دستوري قومي بنهاية الفترة الانتقالية ليضع الشعب السوداني تصوره في كيف يُحكم السودان، وكيف تُدار ثرواته وموارده لصالح الشعب والوطن، فضلا عن رسم علاقاته الخارجية بما يحقق الصداقة والمنفعة المتبادلة مع الشعوب، والتأكيد على استدامة الديمقراطية والسلام والتداول السلمي للسلطة وتحقيق الوحدة في التنوع وعدالة توزيع السلطة والثروة والتنمية والخدمات.

تقديرات ورؤى
المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أكد في حديثه لـ(السوداني) أن بيان الشيوعي مؤشر على وجود تحفظات على الاتفاق من قبل بعض الأطراف وهذا أمر مشروع في العمل السياسي وحتى في المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على الرأي والرأي الآخر، لكن ما يعاب على هذا البيان والسابق الذي صدر عقب الإعلان التوصل للاتفاق هي محاولة هدفها إظهار أن الشيوعي بعيد عن ما يتم في التفاوض ونتائجه وهو أمر غير صحيح وقد يصنف باعتباره مزايدة؛ فعلى سبيل المثال احتج الشيوعي على عدم حصوله على مسودة الاتفاق، ولكنه بعد أقل من ساعتين تحصل على نسخته دونما أن يبادر بإعلان هذا التطور بمثلما رفع صوته محتجاً بجانب ملاحظة تحميل الشيوعي من قبل بعض حلفائه لعدم تسلم مناديبه للاتفاق، وبشكل إجمالي فإن مثل هذه المواقف ستقود مستقبلا لتوتر علاقة الشيوعي مع حلفائه.

أبوالجوخ أكد أن الشيوعي لن يبادر بالخروج من قوى الحرية والتغيير باعتبار أن تكتيكات الشيوعي في العمل السياسي تقوم على بناء أوسع جباه تحالفية تتسق مع كل مرحلة، وربما كان الشيوعي سيتشجع للخروج من قوى الحرية والتغيير إذا ما تم ذلك تحت مظلة كتلته (قوى الإجماع)، إلا أنه من الواضح منذ مايو الماضي أن الشيوعي يجنح لاتخاذ مواقفه بشكل منفرد بمعزل عن كتلته وبالتالي ففي تقديري – والحديث لأبوالجوخ -فإن الشيوعي لن يخرج من قوى الحرية والتغيير منفردا ولكن يمكن حدوث هذا الأمر بالاتفاق مع كتل أخرى داخل الإجماع أو قوى التغيير وهذه الفرضية نفسها لا يلوح في الأفق ما يشير لإمكانية مشاركة كتل أخرى في هذه الخطوة في هذا التوقيت.

مشيرا إلى أن الشيوعي يستمد موقفه من تصوره للمشهد السياسي بشكل عام فهو يعتبر أنه أزاح بسقوط النظام أكبر قوى سياسية منظمة ظلت تمثل خصمه التاريخي ممثلة في الحركة الإسلامية وفي إطار مسعاه لاستكمال هيمنته على المشهد السياسي بالبلاد فذلك يستوجب منه إبعاد ثاني أكبر قوة منظمة بإمكانها أن تعرقل طموحه وصعوده السياسي ممثلا في المؤسسة العسكرية ومكوناتها التي لا يحتفظ الحزب بوجود كبير داخلها منذ النكسة الكبيرة التي تعرض لها جناحه العسكري في يوليو 1971م، وبالتالي فإن الشيوعي، حسب تصور أبو الجوخ، يعتبر أن موقفه المتشدد تجاه الجنرالات الحاليين والمطالبة بإبعادهم سيترتب عليه قلب موازين داخل القوات النظامية، وسيُفضي لصعود مجموعة من الضباط الصغار ذوي التوجهات الثورية خاصة مع استصحاب دور وموقف صغار الضباط منذ بداية الثورة في ديسمبر وحتى الأسبوع الأول لاعتصام القيادة في أبريل الماضي وحمايتهم للمتظاهرين والمعتصمين.

وقال إن تصور حدوث تحول وتغيير في موازين القوة داخل المؤسسة العسكرية وصعود ضباط صغار في ظل وجود حراك بالشارع قد يكون وارد الحدوث ضمن فرضيات التطورات السياسية، لكن سيتأثر فعليا بشكل سلبي لمساندي هذا التصور في حال حدوث أي تطورات على الأرض كـ(التوصل لاتفاق سلام مع الحركات- تكوين حكومة انتقالية وتنفيذها لبرامج اقتصادية وسياسية واجتماعية تترجم أهداف وتطلعات الثورة والثوار- انفراج الأزمة الاقتصادية وفك الحصار الدبلوماسي ورفع العقوبات وشطب الديون على السودان..إلخ)، والتي سيترتب عليها بشكل إجمالي تغيّرات في الفرضيات الأساسية لهذا السيناريو -الخاص بصغار الضباط الثوريين- وهو ما سيجعل موقف الشيوعي الذي يتحرك بوصفه متناغما مع مطالب الشارع في محك صعب باعتبار أن حدوث أي معطيات جديدة وتغيّرات في توجهات الشارع سيجعل موقف الحزب الشيوعي وقتها عصيبا للغاية.

فيما يذهب القيادي بقوى الحرية والتغيير بابكر فيصل في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن التمثيل داخل قوى الحرية والتغيير يكون بالكتل السياسية وليس بالأحزاب، مشيرا إلى أن الحزب الشيوعي ممثل ضمن قوى الإجماع الوطني التي ما تزال ضمن هذا المكون.
فيصل أكد أن الاتفاق وافقت عليه جميع كتل الحرية والتغيير بما فيها قوى الإجماع الوطني.

المحلل السياسي صلاح الدومة يذهب في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن بعض عناصر الحزب الشيوعي يعتبرون المواقف المتشددة ولاءً للقضية وهذا ليس جيدا، مشيرا إلى أن الحزب لديه مندوب في المفاوضات بين العسكري والحرية والتغيير وهو صديق يوسف، وبالتالي ليس مغيبا بأي حال من الأحوال.
الدومة يرى أنه لا يمكن أن يطالب بعدم التوقيع إلا بعد تحقيق المطالب الـ6 لأن هذه المطالب يمكن أن تتحقق بعد توقيع الاتفاق وتشكيل الحكومة، وأضاف: لا معنى للبيان والمواقف المتشددة، لافتا إلى أن مستقبل الحزب ضمن قوى الحرية والتغيير يتوقف على الحزب نفسه، إذا رغب في المواصلة أو الخروج كما فعلت الجبهة الثورية، مؤكدا أن المسيرة ستستمر لأن الشعب السوداني تعب جدا من عدم وجود حكومة.
الدومة اعتبر بيان الشيوعي الذي يطالب فيه بعدم التوقيع مع العسكري إلا بتحقيق الشروط الـ6 غير موفق، ولم يستبعد في الوقت نفسه أن يكون الحزب مخترقا من حزب المؤتمر الوطني، واستدرك: الجيد هو أن الشيوعي يتمتع بدرجة عالية من الوعي السياسي ويعلم أن انسحابه سيضر بالقضية كما أنه لا يمنع النصر ولكن يؤخره، وأضاف: الأفضل أن يواصل الحزب العمل مع الحرية والتغيير.

قاعدة جماهيرية
الخبير محمد إبراهيم كبج يذهب في حديثه لـ(السوداني)، إلى أن الشيوعي له قاعدة جماهيرية من حقه أن يطلعها عما يدور في الساحة عبر البيانات، وأضاف: الشيوعي كشف عن عدم تمليكه معلومات رغم أنه ضمن قوى الحرية والتغيير، واستدرك: صحيح الحزب الشيوعي منظم ومؤثر وفي نفس الوقت هو ضمن إعلان الحرية والتغيير ولا يمكن أن يتعامل معه كما يتعامل مع أي حزب.

وحول مصير الشيوعي ضمن إعلان الحرية والتغيير قال كبج إن الحزب كان معزولا لأسباب كثيرة ويجب أن يكون داخل هذا المكون المنظم، ويقول رأيه ويجب ألا يترك مكانه، وأضاف: بعض الأحزاب تمضي مع (الهوشة) وأخرى لديها موقف سياسي وعلى الآخرين أن يحترموا هذه النوعية من الأحزاب.

الخرطوم: وجدان طلحة
صحيفة السوداني