سعيد صالح مغنياً: “ممنوع من السفر”
قبل أيام قليلة مرت ذكرى رحيل الفنان المصري سعيد صالح (1 أغسطس/آب 2014)، أحد أهم الممثلين الكوميديين في تاريخ السينما والمسرح المصري. ورغم موهبته الكبيرة، يرى نقاد مصريون وعرب أن صالح كان يستحق مكانة أكبر من تلك التي حصدها في عالم الكوميديا. وقد يكون هذا التقدير صحيحاً، لكن الأكيد أن سعيد صالح كان راضياً بما وصل إليه، خصوصاً انه كان يردد دائماً انه لا يريد أكثر من فعل ما يحلو له.
سعيد صالح واحد من أهم أبطال ما يسمى بـ”أفلام المقاولات”. إذ له تاريخ طويل من الأفلام السيئة التي لم تحقق أي نجاح، سارقة منه قسماً من موهبته الفنية. لكن رغم ذلك بقي اسمه يتردد بكثرة على الساحة الفنية. فلم يكن يوماً نجماً بالشكل الحرفي للكلمة: يتشاجر ويدخل السجن لأسباب غريبة ورقابية. وتتحول قضاياه مع السجون إلى قصص معارضة سياسية تتماشى مع شخصيته الجامحة. لكن رغم الهالة المشاغبة، كان شخصاً بسيطاً أحب المسرح أكثر من السينما، وأحبّ الغناء أكثر من التمثيل كما صرح في أكثر من مقابلة.
هكذا ورغم نجاحه الفني في المسرح والسينما منذ بدايته، حلم أن يصبح مغنياً. وتقدم إلى امتحانات نقابة الموسيقيين لكنه لم ينجح في الاختبار. وهو ما بدا طبيعياً نظراً إلى إمكاناته الصوتية الضعيفة، لكن رغم ذلك لا بدّ من الإشادة بأدائه الجيد والصادق لأغلب الأغاني التي أداها. غنى صالح في أفلام عدة، بداية من “ربع دستة أشرار” (1970) مع شويكار، وفؤاد المهندس، وعبد المنعم مدبولي، ثلاثة من نجوم الأداء الغنائي على المسرح أو السينما، وقد تعلم منهم الكثير وفق قوله. ثمّ في فيلم “محطة الأنس” (1985) التي أدى فيها أغنيته الشهيرة “سيدي ورور” وهي من كلمات أمل الطائر. ورغم أنه لم يكتب على شارة الفيلم اسم ملحن العمل، هناك اعتقاد شائع أن صالح هو الذي لحنها، خصوصاً أنه كان يهوى التلحين بشكل سماعي، أي دون دراسة موسيقية، متأثراً بالألحان الفولكلورية ذات الجمل البسيطة.
كما نجده مثلاً في فيلم “الأبطال الثلاثة” (1990)، يغني جزءاً صغيراً جداً من قصيدة “مافيش في الأغاني كده ومش كده” لفؤاد حداد، غير مُغنّى من قبل. وقدم أيضاً قصيدة أحمد فؤاد نجم “ممنوع من السفر”، و”اسمع كلامي”، و”حلله”، و”مسافر مسافر”، و”بحبك يا مصر”، و”أنا اتلهيت و خدل زندي” من كلمات بيرم التونسي. والأغنية الأخيرة استخدم محمد محي لحنها في أغنية “أنا حبيت” ظنا منه إنه لحن تراثي. وغنى أيضاً قصائد عدة لفؤاد حداد مثل “يا أم العروسة”، و”لما يبقى القلب صادق”… كل هذه الأغاني كانت من ألحانه.
وقد كان سعيد صالح يقترب في تلك الفترة من روح الشيخ إمام في الغناء والتلحين، أغان أغلبها عن الوطن وحالة الشعب، وغناء حماسي وصادق. كان الغناء الأمر الوحيد الذي ظل سعيد يعامله بقدسية وحب، إلى جانب المسرح، فكان يرى حقاً أن الغناء هو أصدق التعبيرات وأشجعها وأجملها، وأن الكلمة الملحنة بصدق ستصل لقلب المستمع، من دون حاجته لدراسة الموسيقى. وبإمكان كل من يعيد مشاهدة مسرحيات سعيد صالح، أن يرى سعادته أثناء الغناء على خشبة المسرح.
العربي الجديد