استشارات و فتاوي

هل تاريخ الدولة الاسلامية عبارة عن سفك للدماء؟


هل تاريخ الدولة الاسلامية عبارة عن سفك للدماء؟

*السؤال :
يقول قائلهم : تحدثوننا عن الشريعة و عدلها و جمالها و عيش الناس تحتها بسلام ، بينما المستقرىء للتأريخ يجد أنه منذ القرن من بعد مقتل سيدنا عثمان و لم نر في الدولة الإسلامية إلا سفك الدماء و التسلط و التجبر و الانقلابات امتدادا إلى تأريخنا هذا فكيف تطالبوننا بتحكيمها و لم يحسن تطبيقها الأوائل ؟

كيف نرد على صاحب المقالة

*الجواب :
أحسن الله إليك وبارك فيك، والجواب عن هذه الشبهة بأن يقال لمن يطرحها: إن الكلام معك من وجهين: أولهما إن كنت من دعاة الشيوعية مثلاً فهذا الذي رميت به الشريعة نستطيع أن نرمي به ما تدعو إليه، ودونك تاريخ الشيوعية في سائر البلاد؛ فكله دماء وحروب وتسلط، بل إن الشيوعية تفسر تاريخ البشرية كله بأنه صراع بين البرجوازية والبروليتاريا (الرأسماليين والفقراء) وينتهي هذا الصراع حسب زعمهم بدكتاتورية البروليتاريا!! ثم أنهم لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. قال لينين: إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا!!!!! وهذه القاعدة طبقوها في روسيا أيام الثورة وبعدها، وكذلك في الصين وغيرها حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم لأفغانستان عام 1979 بعد أن اكتسحوا الجمهوريات الإسلامية الأخرى كبُخاري وسمرقند وبلاد الشيشان والشركس، إنما ينضوي تحت تلك القاعدة االإجرامية….. وأما إن كان القائل ناصريا مثلا فالجواب يكون باستعراض ما فعله عبد الناصر حين حكم مصر من سنة 1954 إلى حين هلاكه في 1970 ويمكنه معرفة ذلك بمراجعة بعض ما كتبه معاصروه من مؤيديه ومعارضيه مثل (كيف عرفت عبد الناصر) لأحمد حسين، (عبد الناصر المفتري عليه والمفتري علينا) لأنيس منصور، (قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر) لعمر التلسماني، بالإضافة إلى ما كتبه زملاؤه في مجلس قيادة الثورة من أمثال كمال الدين حسين وعبد اللطيف البغدادي وأنور السادات.. وأما إن كان بعثياً فالشواهد حاضرة والأحداث ماثلة مما حدث في العراق وسوريا حين ابتليت بحكم من يحملون هذا الفكر المعوج… وأما إن كان علمانياً صرفياً وقد زعم أنه ليس بشيوعي ولا بعثي ولا ناصري فنقول له: هذه بلاد المسلمين التي حكمت بالعلمانية ابتداء بتركيا التي حكمتها العلمانية المعادية للدين من سنة 1924 مروراً بغيرها من دول المسلمين ماذا كان حصاد العلمانية فيها سوى التخلف الاقتصادي والصراع الاجتماعي والاستبداد السياسي والحروب الأهلية والخلافات الداخلية وفقد الاستقرار؟ وأما الجواب المفصل عن هذه الشبهة فأقول: إن هذه من أكبر الفرى الكاذبة التي يروجها دعاة العلمانية وقد نقلوها عن فؤاد زكريا وسعيد العشماوي وفرج فودة وأمثالهم، وهؤلاء جميعاً رددوها نقلاً عن خالد محمد خالد في كتابه (من هنا نبدأ) الذي تراجع عنه فيما بعد وكتب كتاباً أسماه (الدولة في الإسلام)، وبعض هؤلاء يأخذون أخبار تاريخ المسملين من مصادر غير موثوقة وروايات عن الإخباريين الكذابين من أمثال لوط بن يحيى (أبي مخنف) وكتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصبهاني؛ حيث يصورون حياة المسلمين خلاعة ومجوناً وخمراً وفجورا، وقد غفل هؤلاء أن الوقائع التاريخية تكذبهم، فلو كان المسلمون وخلفاؤهم كذلك كيف تأتى لهم أن تتسع دولتهم ويتمكن دينهم وتمتد حضارتهم، ويدخل الناس في دين الله أفواجا؟ وهل كان عهد الراشدين – رضوان الله عليهم – إلا صورة ناصعة من عدل الإسلام ورفقه وفضله وبرِّه،؟ ومن بعدهم عهد معاوية رضي الله عنه الذي سماه المؤرخون (أول ملك في الإسلام) وقد كان الصحابة وبعض التابعين يواجهونه بالحق المر فلا يكون منه إلا الاستجابة والانصياع، ثم جاء عهد عمر بن عبد العزيز الذي ولي الخلافة ثلاثين شهرا، وما مات حتى جعل الرجل يأتي بالمال العظيم؛ فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء؛ فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذاكر من يضعه فيه، فلا يجده، قد أغنى عمر الناس!! وكذلك في سيرة يزيد بن الوليد، وكان لقبه (الناقص) لأنه نقص من أعطيات الجند لتوفير المال للمصارف الأخرى – وهو ما يطالب به الناس الآن من تخفيض ميزانية الأمن والدفاع لحساب الصحة والتعليم – وكذلك سيرة نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي، وفي تلك العهود كلها ظل الإسلام مرفوع اللواء راسخ البناء منفرداً بالفتوى والقضاء.. وقد زيَّف تلك الدعوى – التي يروج لها العلمانيون ويرددها كثير من الجهلة -رجل محسوب على التيار اليساري وهو المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري حيث قال: أنا لست من رجال القانون، ولكن اهتمامي بالتراث يجعلني أشعر بالقلق والانزعاج، عندما أسمع من يقول: إن الإسلام أو الشريعة الإسلامية – بالتحديد – لم تطبق منذ عصر الخلفاء الراشدين، يقلقني هذا القول بأن شريعة (لم تطبق) طوال أربعة عشر قرنا الماضية، ويدفعني إلى التساؤل وهل يمكن تطبيقها في المستقبل؟ وكيف؟ إن هذا القول يؤدي إلى عدمية مخيفة، فأين ستضع آلاف عشرات الآلاف من الفقهاء الذين عرفهم تاريخ الإسلام؟ أين ستضع كتب الفقه والاجتهادات والفتاوى؟ إلى أن قال: أعتقد أنه يجب الحرص على النظر إلى التراث، إلى الشريعة والفقه وغيرهما نظرة تاريخية، وإلا سقطنا في العدمية. نحن نقول: إن الإسلام دين ودولة نعم، وقد كان ذلك بالفعل. أما إذا قلنا: إن الشريعة لم تطبق منذ الرسول، أو منذ الخلفاء الراشدين، فمعنى ذلك أن الإسلام لم يكن ديناً مطبقاً، ولا كان دولة طوال أربعة عشر قرنا، وهذا غير صحيح تاريخيا، وغير مقبول منطقيا، إنه قول يجر إلى عدمية مخيفة، تتركنا بدون هوية، بدون تاريخ، وبالتالي بدون حاضر، بدون مستقبل، فهل نقبل بهذا.ا.هـــ

د. عبدالحي يوسف


‫2 تعليقات

  1. يا أهبل كده أنت وضعت الشرعية الإسلامية في وضع مساوي للشيوعية و الناصرية و البعثية يعني كلهم سفكو الدماء .. ده حالتو إسمك الشيخ ..