الليل ما زال طفلا يحبو
أقر أني إبتعدت عن (كتل) الحفلات ؛ اخر عهدي بها في المناسبات الإجتماعية حينما كانت الأعراس تقام في ازقة الأحياء وذاك عهد مضى مع الطبع الإستهلاكي للسلوك الجماعي لسوادنة المدن . والذين مع تحولات عديدة نقلوا أفراحهم الى (الصالات) حيث تتحول الأمكنة الى أستديو بكاميرات و(كرين) ووجوه لامعة ومدخل زفة مثل بدايات فرق القوات الخاصة بدخان يرسل متطفلا تعقبه زفة عربية وبل رايت فاصل رقص للعريس والعروسة (إسلو) ! بدا لي تقليد ممل ومحرج وان اختلفت تقديرات الناس وخياراتهم . فصرت في الغالب الاعم اكتفي بالتسلل لتهنئة ومباركة المناسبة ثم تبتلعني ظلمات الشواغل . اعراس الأحياء كانت اكثر حميمية وإشتراكية وفي عهدنا كان نجومها في العادة من يكبرونا سنا . وعادة فهؤلاء يهلون بعد التاسعة في ازهى حلل واقمصة تكون عادة مجلوبة باسلوب (الشد) وهي ان يبذل صديق موسر قمصانه لرفقته على الشيوع ؛ فترى القوم في ارقى مقامات الاناقة ؛ ينسربون عادة الى حماسة مصطنعة ؛ تسخو كلما قادتهم ارجلهم الى حيث مقاعد السيدات او (البنات) بتعبير ادق واكثر مباشرة ! فتكثر ملاحظات بشأن غطاء المسرح او شغب سالك نفر او يتحول احدهم الى مهندس إضاءة يحسن مساقط الاضواء ؛ فإن حانت لحظة إفتتاح الحفل يتقدم (مثقف عضوي) من شباب المنطقة فيجمع حاطب اشواك وعويش من اشعار يتيمة وثرثرات نصوص متناثرة يحزمها مع (لوية) سلك المايك ويرشها على الحضور ! عادة يكون هذا الشخص (شجاع ادبي) وجرئ وشعره اسود ويرتدي قميص مخطط ! فيشرق ويغرب على بحور الاماني والتمنيات للعرسان ؛ يتحدث وفمه يقصد به العريس وقلبه يوجف تجاه عشم في ان تكون فلانة قد استملحت حديثه الممل الذي لو تعرض لعصاة ناقد لقتله بسوء الاختيارات التي تنتهي بان الليل ما زال طفلا يحبو وهي اللازمة التي كانت مثل مرض الجدري رسمت في وجه كل الاحاديث المشاعة في هذا التقليد ! وكان في العادة ولمن ملك اليسار يجلب مغن ذائع الصيت فهكذا شاهدنا زيدان وعبد العظيم حركة والخالدي وحمد الريح وثنائي العاصمة في الاحياء والديوم وملاحظتي وارجو الا تكون في محلها اني لا اذكر اقله في مراتع صباي (كابلي) ولا اعرف هل لكونه فنان نخب ام لان حال بيئتي كان يقتصد ! فرايت كذلك عمار السنوسي وعامر الجوهري ، تلك المناسبات دوما كانت تنتهي بمشاجرات اهلية لا يعقبها بلاغات للشرطة او تدخل سلطاني ولا اعرف لماذا وربما لحكمة طي تلك التفاصيل الصغيرة في تقليد انتهاء مراسم الحفل. وفي ذاك العهد شاع كذلك للمناسبات الصغرى ما يسمى (البارتي) وهو الاستعاضة عن الفنان بمسجل عريض الكراديس مسنود باشرطة (الجالوة) واحيانا المطرب مايكل جاكسون وكنت احب هذه الطقوس في مناسبات جيران لنا من منطقة (الزاندي) حيث الرقص على النسق الزائيري الموقع الذي يستعر كلما تصاعدت إغماضات الوان حمراء وصفراء من جهاز التسجيل واذكر جيدا براعة دفعتنا (أكرم) في رقص البريك دانس ؛ خاصة حينما يتلوى مثل ثعبان على الارض وقد اسند ظهره وقفاه لساقين تبرزان من تحت راسه ! كنا نعامله كنجم حتى اني عجبت كيف له ان يمشى مثلنا ويدرس معنا ويجلد مرات في طابور الصباح ! كنا معلمين واولاد قلبا حتى ساد من بعدنا (البعامات) كما نورت اليوم في بوست سابق.
محمد حامد جمعة