دموع الرجال
ارسل قائلا ..(يا دكتورة اكتر من كدا نعمل شنو ؟ ابني اجتهدت معاهو ..من صغير كان شاطر وما احتاج لى مدرس خصوصي ..ودخل مدرسة نموذجية بمجموع كبير جدا ..مبسوطين انا وامه ..الولد ما اتعبنا اصلو وعارف ظروفنا نحن موظفين على قدر حالنا ..امتحن الشهادة السودانية وجاب درجة عالية وقبلوهو في جامعة الخرطوم في كلية مرموقة ..لما جينا التسجيل اكتشفنا ان رسوم الدراسة للقبول العام 8000 جنيه ..تمانية الاف جنيه يا دكتورة ..الناس دي قايلنها بسيطة؟ ..انا وزوجتي لو لمينا مرتباتنا الاتنين يمكن ما نقدر نكمل التمانية ألف ..طيب قول ندفعها ناكل شنو ؟ نجهزو للجامعة بي شنو ؟ قلنا نستلف قروش ..منو البدينك الزمن دا؟ ..لو لقينا ..السداد كيف ؟ انا كتبت ليك الكلام دا ما عشان ولدي بس ..لاني عارف كتير من الأباء الفرحوا بي قبول اولادهم في جامعة الخرطوم ..هسه بضربوا اخماس في اسداس عشان رسوم الدراسة …والله يا دكتورة اول مرة من وفاة والدي ..لقيت دموعي بتنزل غصب عني ..لأني حسيت اني عاجز قدام ولدي)..
انتهت رسالة الاب بعد ان اسال دموعي أيضا ..معقول البحصل دا ؟ اصحاب الأبراج العاجية الذين يفرضون الرسوم الباهظة هذه ..ما عارفين ان 90% من الشعب السوداني تحت خط الفقر؟ الناس ما بتصدق ابنها يتفوق ويتم قبوله قبول عام …يتنفس الأب والام الصعداء ..لكن فرحتهم لا تكتمل ..ليه بس ؟ حزب هادمي اللذات موجود ..كيف يعني رسوم دراسة عالية كدا ؟ مش كفاية ان القبول الخاص ظل يتمدد من 25% حتى صار 50% ؟..الا يرفد الجامعات بما يكفي من اموال ..حتى صارت الجامعات تنافس المحليات في الجبايات ؟؟ ..ووصل الامر حتى الجميلة ..درة الجامعات !! …حتى انت يا بروتس ؟؟ يمشوا وين الناس ديل ؟؟ يقبلوا وين ويحكوا الوجعة ؟؟ لاحظ ان رسوم الدراسة تدفع للجامعة ..ولا يزال امام هذا الأب ترحيل ابنه ومصاريف اليوم والملابس وغيرها ..
الرسالة اعلاه حولتها الى فاعل خير يهتم باعانة الطلاب المتعسرين ماديا ..تكفل بمصاريف الطالب النجيب ..
بل وعد بكفالته حتى التخرج ان حافظ على ذات التفوق ..لكن هذا كما قال صاحب الرسالة حل فردي ..والمفترض ان تكون هناك حلول جذرية عامة للجميع ..تحسم هذه الامور التي ادخلها العهد البائد وهي ثقافة الاتجار في كل شئ حتى فلذات الاكباد ..خطرت على بالي فكرة ..لماذا لا توجد منح وكفالات للمتفوقين ولاصحاب المواهب واصحاب الاحتياجات الخاصة ؟ لماذا لا توجد منح باسم رجال الاعمال السودانيين ..لماذا لا يخرج علينا اسامة داؤد ولا نادر ابراهيم مالك ولا آل النفيدي ..وواسماء كثيرة لا تحضرني الآن ..لماذا لا تكون هناك منح ومؤسسات ترعى هؤلاء الطلاب وتجنبهم شر السؤال والمسغبة؟ ..كل الجامعات العالمية عندما تدخل الى صفحتها الاسفيرية تجد هناك ايقونة تعطيك معلومات عن كيفية التقديم للمنح ..ستجد ان هناك الكثيرين من رجال الاعمال الذين يسخرون اموالهم فقط لمساعدة الطلاب ..وهناك من ينشئ مؤسسات خاصة بهذا الامر ..كما ان الجامعة نفسها تمنح مقاعدا مخصصة لذوي الاحتياجات وللطلاب المتفوقين اكاديميا والموهوبين في المناشط الرياضية والثقافية مثل الفن والرسم والنحت ..فتنتفع البلاد منهم اجمعين
اتمنى ان تصل رسالتي الى مديرة جامعة الخرطوم ..ومعالي وزيرة التعليم العالي .التغيير يبدأ من ترك ثقافة التربح في رسالة التعليم ..لا لواد الاحلام ..لا للتفرقة الطبقية في فرص التعليم ..واخيرا وليس آخرا رجاء اوقفوا دموع الرجال .
صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة