الوطني .. سيناريوهات مُتوقّعة
بعد نجاح ثورة إبريل بالإطاحة بحكومة الإنقاذ، برزت اتجاهات عديدة بين مكونات قوى التغيير تنادي بحل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، حينها رفض المجلس العسكري الانتقالي أن يقوم بذلك الدور، ويصدر قرار حل الوطني، واكتفى بمنعه من المشاركة السياسية في المرحلة الانتقالية، وبعدها ذهبت بعض القوى في نفس اتجاه المجلس العسكري، ولم تطالب بحل حزب المؤتمر الوطني، بل تركت له مساحة للممارسة السياسية وقيدت ذلك بمحاسبة رموزه الذين تورّطوا في جرائم الفساد وغيرها من الاتهامات.
الهدوء والعاصفة
ويبدو أن المؤتمر الوطني اطمأن في بادئ الأمر بأن الهدوء السياسي الذي بدأ من خلال تصريحات بعض قيادات قوى التغيير سيكون في صالحه ولا تعقبه عاصفة، وأن حسابات الرأي العام طبقاً لمراقبين ترى عدم جدوى حل الحزب، وليست هنالك غضاضة من ممارسة نشاطه بحجة أن شعارات التغيير(حرية سلام وعدالة) لم تأت لتكميم الأصوات أو لمنعها من ممارسة نشاطها.
بتلك الخلفية، قام الوطني بتجديد قياداته وإعادة هيكلته وبدأ كما قال غندور في ممارسة نشاطه العلني بعدما اختفى عن الأنظار إبان التغيير الأخير، ولكن كان ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة، فما أن تمكنت قوى التغيير من مفاصل الدولة حتى بدأت أصوات تنادي من وقت لآخر بحل الحزب أو تفكيكه أو محاربة رموز النظام السابق حتى وصلت إلى المطالبة القضائية بحل حزب المؤتمر الوطني.
خطوات جادة
ورغم القبول الابتدائي للمحكمة الإدارية للطعن المقدم من منظمة (زيرو فساد) بحل حزب المؤتمر الوطني، إلا أن المسعى لتحقيق ذلك الهدف كما قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك سيكون هو الشغل الشاغل للحكومة خلال الفترة الانتقالية.
وسبقت تلك الخطوات مطالبة نادى بها وزير المالية من قبل إلى بيع أصول المؤتمر الوطني بالداخل والخارج في مزاد علني لدعم خزينة الدولة، مما وضع وزير المالية نفسه أمام انتقادات لاذعة.
فيما نادى آخرون الحكومة بضرورة أن تضع يدها واحتجاز أموال المؤتمر الوطني في ماليزيا، تلك خطوات كانت دليلاً على أن القادم من رياح التغيير سيكون الأسوأ.
تجفيف المنابع
رئيس المؤتمر الوطني المكلف بروفيسور إبرهيم غندور، رغم تصريحاته الإيجابية ومداخلاته على وسائط التواصل الاجتماعي التي أبرزت توجّهات الحزب وخططه المستقبلية، إلا أن ذلك لم يكن شفيعاً للحزب عند دعاة التغيير و(كنس آثار الإنقاذ) بالدعوة إلى حل الحزب ومحاكمة رموزه والتضييق عليه، وإغلاق شركاته وتجفيف منابع دخله إن وُجِدت.
تلك الصورة ربما دفعت غندور لإعلان استعدادهم وجاهزيتهم لكل السيناريوهات المتوقعة. بيد أنه اعتبر الحديث عن منع الحزب من المشاركة في الانتخابات القادمة بعد الفترة الانتقالية، هو دليل ضعف واضح وخوف من التنافس الانتخابي.
وقال على حسابه في الفيس بوك: نحن ننظم ونعيد ترتيب الحزب داخلياً لمواكبة التغيير في البلاد واستعداداً للانتخابات القادمة، واعتبر أن حزب المؤتمر الوطني ليس بحزب صغير أو لا خبرة سياسية له حتى يمنع من حقه في الوجود السياسي.
وقال: نحن نراقب وندعم عبور البلاد لبر الأمان قال: (هي مسئوليتنا جميعاً).
القائمة تطول
واحدة من السيناريوهات الماضية حتى الآن صدور أوامر قبض في مواجهة كل أعضاء مجلس قيادة انقلاب الإنقاذ، العسكريين الأحياء منهم والمدنيون مثل علي عثمان ويوسف عبد الفتاح وغيرهما وربما القائمة تطول .
تلك الخطوة طبقاً لرئيس حزب الإصلاح الآن د. غازي صلاح الدين في تصريحات سابقة قال (إن الفكرة في مجملها تخرق مبدأين مهمين في القانون، أحدهما مبدأ أن القانون يطبق بحسن نية). وتابع (من الواضح أن حسن النية غير متوفر بأي درجة في هذه المادة، فهي مقصود منها استخدام القانون لملاحقة الخصوم السياسيين، وهذا يقدح في أصل القانون حيث أنه قانون شرّع بسوء نية ويراد له أن يطبق بسوء نية أيضاً).
القانون للجميع
ويقول غازي إنه بذلك التصرف سيكون هناك خرق حسب قوله لمبدأ عدم المساواة وفيها (تمييز بلا حياء). وأضاف (هذا القانون لا يساوي بين المواطنين فهو عملياً يقول: الطائفة (أ) من المواطنين تعاقب على الجرم(س) بينما لا تسأل الطائفة (ب) من المواطنين لدى ارتكابها لذات الجرم دون توضيح أسباب هذا التمييز.. إذا أردنا المحاسبة حقاً فلتكن البداية هي الاستقلال بحيث ينطبق القانون على الجميع). واعتبر الحديث عن محاكمة مدبري الإنقاذ ليس سوى (محاولة بائسة لصرف الأنظار عن الفشل التاريخي لأسوأ حكومة منذ الاستقلال). وقال (الأولى هو الانصراف إلى معالجة أزمات المعاش الطاحنة، وتحقيق السلام وهو ما فشلوا فيه حتى الآن، وهذا هو رأي الشارع الذي سننصاع لمبادئه وأولوياته).
مجرى الديمقراطية
ويقول المحلل السياسي والقانوني الفاضل حاج سليمان لـ(الصيحة) ارتاح جداً عندما يحال أي نزاع مهما كانت صفته لسيادة حكم القانون، مسألة تصب في مجرى الديمقراطية التي تنشدها الدول وتسعى من خلالها الشعوب بالتالي قضية الوطني كحزب سياسي وما يثار حوله الآن كحزب استلم السلطة في انقلاب وظل لمدة (30) عاماً من بعد ذلك قام الشعب بثورة ضده هذه قضية استيلاء للسلطة يمكن أن يفصل فيها وفق القانون والدستور، ويكون الحكم الذي يصدر من السلطة القضائية هو القرار الذي يخضع له الجميع.
سيناريو متوقع
ووفقاً لمراقبين أنه في الغالب تبني قضية حل الوطني على الانتقام السياسي والسعي نحو الكسب السياسي دون مراعاة لأحكام القانون والدستور. بيد أن الفاضل يؤكد أن واحدة من السيناريوهات المتوقعة تجاه المؤتمر الوطني إما أن يقدم الأمر كله لأحكام القضاء والدستور، وبالتالي الإجراء ينبغي أن يخضع له الجميع دون حساسية لجهة أنه في النهاية الدستور والقانون والأحزاب السياسية هي التي ساهمت وشكلت إصدار الدستور والقانون، وكل الأحزاب تُنادي بسيادة حكم القانون، ولذلك من المهم الرجوع لأحكام القضاء والدستور على الوطني وكل القوى السياسية, أما محاولة أخرى فتمثل انتقاماً عن طريق المحاكمات السياسية.
عملية قانونية
ولأن تجميد النشاط وحل الحزب عملية قانونية، دعا سليمان إلى أن تترك المسألة للسلطة القضائية المستقلة، لأنه إذا اتخذ القرار من قبل السلطة التنفيذية يعتبر القرار ليس قراراً مستقلاً وإنما قرار من جهة تمارس سلطة ذات مصلحة وليس لها الاختصاص القضائي، إلا إذا لم تكن هنالك ثقة في القضاء، بالتالي تسعى أن تتعامل مع جهة أخرى ليست السلطة القضائية.
تقرير: صلاح مختار
الخرطوم: (كوش نيوز)