حتى لا تتحول السجون لدور مسنين
تناولت في هذه الزاوية عدة مرات المشكلة التي تعاني منها حكومة حمدوك والبطء الذي يلازم أدائها بشكل عام، وكيف ان هذا البطء اصاب المواطن الموالي للحكومة بالاحباط، وإمتلأ غبناً اضافياً تجاه النظام البائد ومنسوبيه، ولعل ما أراح الكثير من السودانيين مؤخرا القرارات القوية التي تأخرت كثيراً جداً، مثل حل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة ممتلكاته، وغيرها من قرارات جاءت عبر قانون تفكيك منظومة ومؤسسات الحزب البائد، وكان بإمكان الحكومة التعامل بجدية وذكاء باستخدام وسائل الإعلام المملوكة للدولة في استمرار إشعال فتيل الثورة وجعلها اسلوب حياة تجذب من خلالها المواطن المقاطع لها لسنوات طوال، ولعل اكثر الكتابات التي وجدتها تعبر عن فكرتي بصورة كبيرة، ما كتبه الأخ المحامي مشعل الزين، ورغم قسوته الا انني اقتبس منه ما يلي: اختباء وزير الإعلام ووكيله خلف متاريس متوهمة في الوثيقة الدستورية خوفا من إعمال إصلاحات جذرية في منظومة الإعلام بكل مؤسساته يمثل اهم أسباب احتشاد فلول النظام البائد بهذه الجرأة والتجاسر، فلو أنهما جيرا هذه الأجهزة التي بين ايديهما لفضح كل سوءات النظام البائد ، فساده، وانتهاكاته وفظائعه عبر برامج معدة ومنتجة بطريقة احترافية استناداً على وقائع ثابتة ودامغة وعرض قادته أثناء القبض عليهم وفي المعتقلات بدلا من الاعتماد على الإعلام البديل الذي تحمّل عبء الحكومة منذ شرارة الثورة الأولى وما زال. عندها كان سيعلم كثير من المغرر بهم اي نظام شيطاني هذا الذي يتباكون عليه ولعادوا لرشدهم بل ودعموا مساعي التغيير التي يضطلع بها حمدوك وغالبية أعضاء حكومته.
من وجهة نظري متى ما تم هذا الأمر، فإن الوضع سيتغير تماماً، وسيكون المواطن البسيط هو أكثر الداعمين لحكومة الفترة الانتقالية، وربما كانت البرامج التفاعلية مع المواطنين هي المطلب الحالي لما يعتبر إشراكاً للشعب في صنع القرار، خاصة فيما يتعلق بالقوانين والمحاكمات واعباء المعيشة، وغيرها من مقترحات لبرامج يمكن ان تغير من الخارطة السياسية ولو بالجزء اليسير. وعلى ذكر القوانين، فالصدمة التي أعقبت صدور الحكم في قضية الرئيس المعزول، كشفت بوضوح حاجتنا لإعادة النظر في العديد من القوانين التي فصلتها الإنقاذ على مقاس قادتها ومنسوبيها، وهو الأمر الذي اعتادت عليه الأنظمة الدكتاتورية بشكل عام بغرض فرض سيطرتها وحماية قادتها من أي عقوبات قد تلحق بهم حال تعرضت انظمتها لانقلابات او متغيرات سياسية مفاجئة، وهو ما فعلته الإنقاذ لحماية رئيس نظامها ليأت الحكم عليه مخففاً ولا يوازي حجم الجرم الذي ارتكبه بالسجن عامان فقط في (دار الإصلاح الإجتماعي)، في قضية كانت عقوبتها الإعدام مع بدايات حكمهم، وذلك بحجة تجاوزه لسن السبعين، وهي العقوبة التي ابتدعوها من خيالهم الخصب، ولم تشرعها القوانين السماوية والشريعة الإسلامية التي يتباكون على عدم تطبيقها اليوم، ولعل القانونيين قتلوا هذا القرار بحثاً وانتقادا لما له من تبعات خطيرة مستقبلا. وما لم تتم تعديلات في هذه القوانين قبل محاكمة بقية رموز الفساد وقططه السمان، فليجهز الشعب السودان مواكبه من الان، لأن معظم من تسببوا في كوارث البلاد تجاوزوا السبعين من العمر، وأولهم قائد كتائب الظل التي فعلت ما فعلت منذ بدايات الإنقاذ وحتى مجزرة القيادة وما بعدها (علي عثمان محمد طه) ، وأيضا المسؤول عن بيوت الأشباح في بدايات العهد الدموي نافع علي نافع ومسؤول بلف البترول لسنوات طوال والذي أضاع ثروات البلاد من الذهب الأسود لثلاثين عاماً (عوض الجاز)، ومأمون حميدة، وغيرهم من أسماء كونت ثروات طائلة على حساب المواطن، ومارست عليه صنوف القهر والافقار والاذلال، ويفترض ان تطبق عليهم الحدود الشرعية قبل القوانين الوضعية. فأي تهاون في تطبيق القانون العادل مستقبلا، ستكون عواقبه وخيمة، لذا وجب على حكومة حمدوك مع قوى إعلان الحرية والتغيير الإسراع بتشكيل لجان لتعديل جميع القوانين التي اجيزت في عهد الإنقاذ لتتوافق مع مطلوبات المرحلة. وحتى لا تتحول السجون لدور عجزة ومسنين.
بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة