رأي ومقالات

ابو ضفيرة: الخلاف بين أهل السودان وبين الحركة الإسلامية التي لعبت بالدين وبدلته

قلت: “هل يفلح الناجي عبد الله في إرشاد الجمهوريين والحركة الإسلامية المزعومة والأحزاب العلمانية فلا نحتاج إلى ثورة تصحيحية شعبية أو عسكرية؟
تم ترتيب المطلوب إرشادهم تبعا للرتبة التي هم فيها من مجانبة الرشاد. فأحوج الناس إلى ذلك هم الجمهوريون والدليل على ذلك اعتقادهم بأن المعبود ذات قديمة مطلقة لا تسمى ولا توصف ومقام نزل منها هو الله الرحمن الرحيم وأن الله ينزل من العرش إلى الفرش – أي إلى الأرض – فيحل في ذات إنسان يصير هو الحي القيوم فيحيا ولا يموت ويحكم زمنا في الأرض ثم يستوي على العرش ثانية ثم يحاسب الناس يوم القيامة.
وحين نقول إن عمر القراي آمن بأن الإنسان يكتمل فيصير الله وصرح بهذا مخاطبا طلاب جامعة الخرطوم في يوم الخميس 17 يناير 1985 فإن هذا يعني أنه آمن بما قاله محمود محمد طه في كتبه التي لو قرأها الناس بفهم لوجدوا فيها هذا الاعتقاد بثنائية الإله والذي صرح به عمر القراي وهو يلوم طلاب جامعة الخرطوم قائلا: “ألا تعلمون أن الذي يحاسب الناس يوم القيامة إنسان؟” وبدلا من أن يصير محمود محمد طه الله في اليوم التالي الجمعة 18 يناير 1985 تم شنقه وخذله الشيطان “وكان الشيطان للإنسان خذولا”.
ومن أجابنا بأنه قرأ كتب محمود محمد طه ولم يجد هذا الاعتقاد في ثنائية الإله فيها فهو بلا ريب لم يحسن فهمها وحجتنا عليه يعضدها تأكيد عمر القراي وغيره من الجمهوريين له بأنه فعلا لم يقرأ تلك الكتب بفهم وإن حاولوا إقناعه بأن ذلك صحيح.
وأحوج الناس بعد الجمهوريين إلى الإرشاد هو الحركة الإسلامية المزعومة التي أفلحت أحزاب اليسار في علمنتها بدلا من أن تفلح هي في أسلمة الدولة العلمانية التي تركها الإنجليز عند خروجهم من البلاد في منتصف خمسينيات القرن الماضي. بل أطلقت هذه الحركة على ما زعمت من قبل أنها تريد أسلمته اسم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وقامت بسن تشريعات المواطنة التي تساوي بين الناس في الحقوق والواجبات خلافا لما أمر الله تعالى به وخالفت هي بذلك شعاراتها الأولى مخالفة سافرة.
وأحوج الناس بعد الجمهوريين والحركة الإسلامية المزعومة إلى الإرشاد هم أحزاب اليسار إلديمقراطية. وكل الأحزاب الديمقراطية هي أحزاب يسارية فالديمقراطية هي بنت العلمانية التي تنفذ في الواقع الفكر العلماني الداعي إلى إعطاء الشعب حق التشريع المطلق والسلطة المطلقة في الحكم وإجازة الأحكام بالأغلبية في الجمعية التشريعية واعتماد المواطنة أساسا للحقوق والواجبات.
وأسوأ من حكم بالفكر اليساري الديمقراطي العلماني هو الحركة الإسلامية المزعومة التي أطلقت عليه في نهاية الأمر اسم دولة المدينة المنورة بدلا من أسلمة الدولة كما زعمت في بداية أمرها.
هل يفلح الناجي عبد الله في إرشاد جميع هؤلاء وهو يكشف من حين إلى آخر علمه بأن الدولة الإسلامية ليست دولة وطنية قومية وأنها دولة جامعة لكل المسلمين في الأرض بأمير واحد يحكم بينهم بما أنزل الله تعالى ويقومون بدعوة أهل الأرض جميعا إلى الإيمان بالله ورسوله المبعوث بالقرآن الكريم إليهم أجمعين؟ إنني أرى أن الناجي عبد الله سيفلح أولا في إرشاد حركة الإسلام السياسي إلى الدعوة الإسلامية الصحيحة التي فارقت طريقها يعينه على ذلك إخفاقها المشهود الذي أفضى إلى الثورة عليها وعلمه وعلمهم بأن الحق هو ما أرادوه في خمسينيات القرن الماضي ألا وهو أسلمة الوضع السياسي العلماني الذي تركه المستعمر خلفه وأن المنهاج إلى ذلك هو الدعوة والصبر على الدعوة أو الجهاد عند القدرة على ذلك وليس المنهاج هو تكوين حزب ودخول الجمعية التشريعية ورفع مشروع قانون يحرم ما حرمه الله تعالى في كتابه العزيز وأحله المستعمر الكافر وعجزت الأحزاب بعد خروجه عن تحريمه.
وحين تثوب حركة الإسلام السياسي إلى رشدها يقول الجمهوريون إنها صدقت في دعوتها إلى الشريعة فهم يعلمون أنها أخفقت من قبل حين زعمت أن الشرع يبيح قيام الدولة على المواطنة والحزبية والديمقراطية والدولة الوطنية فهذا لا يبيحه إلا الجمهوريون بالمزاعم التي ساقها محمود محمد طه في كتابه الرسالة الثانية للإسلام. وكذلك تعلم كل الأحزاب أن حركة الإسلام السياسي طرحت الفكر الإسلامي ولم تبدله ولم ترفعه شعارات للكسب السياسي.
وحين يعلم الناس ذلك يقتربون من تصديق الدعاة إلى الإسلام الصحيح فالإسلام السياسي هو أن تبدل المنهاج ألا وهو الدعوة والصبر عليها أو الجهاد وتبتكر منهاجا آخر – مثل الديمقراطية ودولة المواطنة – تسميه الإسلام بفقه فاسد وتجتهد في الدعوة إلى ذلك وتموت في سبيله وتصد عن سبيل الله.
فإذا وفق الله تعالى الناجي عبد الله إلى كشف علمه بأن حركة الإسلام السياسي قد تمت علمنتها علمنة سافرة بدلا من أن تفلح هي في أسلمة العلمانيين فإن الخلاف القائم في الصف الإسلامي المتفرق يصير خلافا مرفوعا ويعتصمون جميعا بحبل الله تعالى. والخلاف بين أهل السودان وبين الحركة الإسلامية المزعومة التي لعبت بالدين وبدلته فثاروا عليها يرفعه رشادها المرتقب الذي تتحقق بحدوثه مطالب الثورة التي لن تتحقق في ظل استمرار الصراع التأريخي بين اليمين السوداني المزعوم المنافق واليسار السوداني بكل أحزابه.
إن الثوار يعلمون أن مطالب الثورة لم تتحقق ولن تتحقق إلا بقيادة ثورية تعرف ما تريد وتعرف كيف تصل إلى ما تريد. ولا سبيل إلى ذلك إلا برفع الخلاف الفكري بين الجماعات المتصارعة وإنما أشار هذا المقال إلى الناجي عبد الله للسبب الذي ذكرناه لأن الصراع القائم يضيع قدرات الثوار وقدرات كثيرين ينتمون إلى كل الجماعات يمكن أن ينصر الله تعالى بهم دينه جميعا بتوفيقهم إلى الفكر والمناظرة والتداول العلمي”.

د. صديق الحاج أبو ضفيرة