مزمل ابو القاسم

طريق الموت السريع


* ليس من رأى كمن سمع، وقد سمعنا وقرأنا شكاوى كثيرة عن سوء حال الطريق القومي الذي يربط ميناء بورتسودان بالعاصمة، مروراً بولاية نهر النيل، لكننا لم نتخيل في أسوأ كوابيسنا أن يصل به السوء درجة اختفاء الأسفلت عن أجزاء كبيرة منه، وامتلائه بالحفر والمطبات، مما يؤهله لنيل لقب الطريق الأسوأ والأوفر خطراً على البشر والسيارات في العالم أجمع.
* يُعد الشارع المذكور الأهم في الدولة، لأنه ينقل غالب صادرات البلاد إلى الميناء، ويتم عبره نقل معظم الواردات إلى العاصمة والولايات.. من الغريب حقاً أن يتعرض إلى إهمالٍ مريع، ليتحول إلى أثرٍ بعد عين، برغم قيمته الاستراتيجية العالية، وأهميته البالغة بحسابات الاقتصاد الكلي للدولة.
* سلكته في رحلة بالغة الألم والإرهاق قبل أيام من الآن، فاستغرقت مني أكثر من نصف يوم، وأتت ساعاتها زاخرةً بوعثاء السفر وكآبة المنظر.
* الداخل إلى طريق الموت السريع مفقود، والخارج منه مولود حتى ولو سلكه في وضح النهار، أما عبوره ليلاً فيحتاج إلى سائق يمتلك قدرات ساحر كي ينجو من مخاطره الكبيرة.
* الشارع الذي يربط سنكات بهيا يمر بجبال عالية، ويجتاز منطقة العقبة الوعرة ذات الارتفاع الشاهق، ومع ذلك يخلو تماماً من أي حواجز تقي السيارات شرور السقوط من حالق، برغم امتلائه بالمطبات، علاوةً على انعدام الإشارات المرورية فيه.
* من يمر بتلك المنطقة سيرى بعينيه سيارات وشاحنات محترقة ومحطمة، سقطت في هوةٍ عميقة، لتودي بحياة مستقليها.
* أما الجزء الذي يربط هيا بعطبرة، والذي يمتد حوالي (250) كيلومتراً فهو لا يستحق أن يحمل اسم طريق مسفلت أصلاً، لأنه أصبح غير مرصوف، بعد أن تهدم منه الأسفلت وتلاشى، وتنوعت أخاديده العميقة، وحفره الضخمة، التي تكلف الشاحنات أعطالاً عديدة، وتلفاً في الإطارات، وهدراً للوقت، مثلما تشكل خطراً داهماً على حياة سائقي السيارات الصغيرة وركاب البصات السفرية، وعددهم بالآلاف كل يوم.
* لا توجد أي آثار صيانة على الطريق، بل إنه يخلو حتى من الوجود الأمني، بدليل أن إحدى محطاته تشهد نشاطاً ضخماً لبيع الوقود بالسوق السوداء.
* آلاف البراميل الممتلئة بالجازولين والبنزين، تعرض علناً على جانبي الطريق، وتباع على الملأ، ليتم نقلها عبر شاحنات كبيرة إلى مناطق التعدين الأهلي، ويتم تهريب كميات أخرى إلى دول الجوار، بغير خوفٍ من ملاحقة أو محاسبة.
* ما شاهدناه يجعلنا نطالب وزارة النقل بشطب اسم الطريق المذكور ومسافته من حساباتها للطرق المرصوفة في السودان، برغم كثافة الحركة فيه، وكثرة الشاحنات التي تعبره كل يوم، لأنه لم يعد مرصوفاً ولا يحزنون.
* أكوام الإطارات التالفة على الجانبين تدل على أن الشريان الذي يربط الميناء بالعاصمة تمزق تماماً، ليتسبب في نزيف يومي مستمر لرصيد ضخم من العملات الصعبة التي تنفق على استيراد قطع الغيار والإطارات.
* درجت الوزارة على ترقيع الطرق القومية، لتقليص عدد مطباتها، وتحسين مساراتها، وإخفاء حفرها بما يشبه (علوق الشدَّة)، ونجزم أن الترقيع ما عاد يجدي نفعاً مع الطريق المذكور، لأنه بات بحاجة إلى رصفٍ جديد، بعد أن تلاشى أصله وتمزقت منه (الرُقع).
* أدركوا الطريق القومي، مع أنه ما عاد يستحق ذلك الوصف بتاتاً.

صحيفة اليوم التالي