أسطورة الجنيهات الإسفيرية
طالعت ما خطه يراع الأستاذ محمد وداعة في (ما وراء الخبر) عن موازنة 2020 بتمعن وروية قراءة تخطت مناقشة الافتراضات إلى الوقوف عند الأرقام، وتوقفت عند الفقرة التي تحدث فيها عن شركات الاتصالات، وبأنه “لا توجد إحصاءات أو أرقام يمكن اعتمادها”
اذا تجاوزنا عن عبارة “*يمكن اعتمادها*” التي أوردها وداعة، وعدّلناها إلى: (*يمكن الاستفادة منها*)، سنجد أن أكثر قطاع يتوفّر على الإحصاءات والأرقام، هو قطاع الاتصالات تظهر في أبسط صورها بالـ(كم)، ثم تتعقّد لتسبر أغوار الـ(كيف) والـ(هل)، وتنسرب إلى (من) و(ماذا)، ثم تتراكم وتترجم إلى منتجات تستجيب لحاجات الزبون ومطلوباته بعدها، يتطور الأمر إلى استجابة دقيقة تصل إلى التفصيل الأدق والمحدد *لما يطلبه* الزبون الفرد
أسهمت التقانة التي توفّرت لدى شركات الاتصالات، مع الكم الهائل من البيانات التي تراكمت لديها وهي رهن الاستدعاء بكبسة زر، إضافة إلى التطور الكبير والمتلاحق في سوق التطبيقات الذكية التي تنتجها عقول رياضية جبّارة، أسهمت في الاستجابة إلى احتياجات سوق الاتصالات العملاق
أخلص من مقدمتي أعلاها، إلى أن البيانات الإحصائية والأرقام متوفّرة في قطاع الاتصالات وبكثرة، ويأتي التحدي الأصغر في كيفية الحصول عليها من مظانها الحقيقية ويبقى التحدي الأكبر في التوظيف الأمثل لهذه الإحصاءات والأرقام واستخدامها في الغرض المطلوب
الاقتصاد في أبسط تعريفاته: “معرفة سلوك الفرد والنشاط الاجتماعي المرتبط بالمجالات الاستهلاكية والإنتاجية، باستخدام الموارد المتاحة لإشباع الحاجات المختلفة” وفي حالة شركات الاتصالات، تتجلّى معرفة سلوك المستهلك (الفرد) في أبهى صورها، على النحو الذي يظهر بين ثنايا الأرقام والإحصاءات التي تكشف عن سلوك الفرد المستهلك، ليس في مكالمة اتصال يجريها، بل يمتد إلى نشاطاته الاجتماعية التي ترتبط بالمجالات الاستهلاكية والإنتاجية
إذا تحققنا من أنّ نسبة مستخدمي خدمات شركات الاتصالات تبلغ 80% من جملة السكان، سنكشف بنظرة فاحصة ومتعمقة في بيانات الاتصالات وإحصاءاتها وأرقامها، سنكشف عن صورة حقيقية لسلوك الفرد في السودان، وأنماط نشاطه الاجتماعي المرتبط بالاستهلاك والإنتاج، وما هذا إلّا (الاقتصاد) بعينه!
ألا تتفق معي أخي وداعة، أن بيانات – إحصاءات وأرقام – شركات الاتصالات متوفّرة ومتاحة تحت أيدي جهات عديدة، منها على سبيل المثال: هيئة الاتصالات، وزارة المالية عبر ذراعها ديوان الضرائب وغيرها من الجهات ذات الصلة متوفّرة و(بكثرة)، لكن الاستفادة منها رهين توفير الجهات المعنية للقوالب والتطبيقات الذكية التي تمكّنها من الاستفادة القصوى للبيانات
وعوداً إلى افتراض مهم أورده وداعة، بأنّ: “الجنيهات الافتراضية – الإسفيرية التي تنتجها شركات الاتصالات تقدر بـ 200 ترليون جنيه”، أرى أن الحقيقة التي تستند إلى أرقام دقيقة ربما تقول بغير ذلك يمكنني أن افترض أيضًا بأن مداخيل شركات الاتصالات مجتمعة في اليوم الواحد تساوي 50 مليون جنيه، وبأن 80% من هذه المداخيل تأتي من مستخدمي شرائح الاتصال، عندها سيصبح في ذمة اتهام “الجنيهات الإسفيرية” حوالي 40 مليون جنيه في اليوم الواحد، أي حوالي 14 تريليون جنيه في السنة الواحدة،
إذا افترضنا – جدلًا لا حقيقة – أنّ كل ما تنتجه شركات الاتصال من رصيد شحن، يدخل دائرة الاقتصاد دون مقابل بنكي يغطيه فإن الجنيهات الإسفيرية المفترضة لا يجب أن تصرف النظر عن المعطيات الأخرى، والأكثر أهمية في قطاع الاتصالات ودوره الكبير الذي يمكن أن يلعبه في الإسهام في (عبور آمن لاقتصاد معافى)
كل ما تحتاج إليه: نظرة إلى النصف الممتلئ من الكوب
إبراهيم أحمد الحسن
خبير في تسويق وإدارة الاتصالات
التحية للأستاذ إبراهيم احمد الحسن وأشكره على التعقيب ونسبة لأهمية التعقيب سنفرد له مساحة أخرى.
صحيفة الجريدة