مقالات متنوعة

(دوشكات ودالفكي).. التاريخ لن يرحم!!

تمنيت لو أدرك الحكام الجدد (المختصر المفيد) من كتاب سقوط دولة المؤتمر الوطني ، لوكانت (الدوشكات) و(تاتشرات) الدعم السريع تحمي الأنظمة وتحقق مضامين الحكم العادل لاستمرت الإنقاذ فاعلة تاركة حتى يوم الناس هذا) .
ولو كان قهر الآخر عبر الاستقواء بالسلطة والسلاح مجدياً لما وجدت قوى الحرية والتغيير نفسها حاكمة حتى تعيد سيناريو الاستبداد لدرجة أن تغلق صحيفتين وقناتين في يوم واحد، وتحرسها بالسيارات المدججة بالسلاح والجنود لمجرد (الاشتباه فقط) في علاقتها بالنظام السابق.
هكذا وبلا أي غطاء قضائي أو مظلة قانونية ولـ(مجرد اشتباه) حركته غبائن المكر السياسي حجزت سلطة التغيير صحيفتي( السوداني والرأي العام) و(قناتي الشروق وطيبة) حيث تم الاستيلاء عليها بقانون (وضع اليد) .
لم تكلف الجهة الفاعلة والمعتدة باثم (المصادرة الكيري) تحت سكرة هتافات (الحل و البل) نفسها عناء إصدار ورقة تحمل فحوي القرار، ولم تجتهد في إجراءات (تسليم وتسلم) تحفظ حقوق الجهات التي تم احتلالها بقوة السلاح وبـ(سطوة) القوي على الضعيف.
المحير أن يحدث مثل هذا الأمر من قبل سلطة قائمة على مبادئ وشعارات ثورية تدعي أنها حامية للحرية والعدالة وأنها لن تكرر ممارسات النظام الذي خرجت لتغييره، والأغرب من ذلك أن تحاكم مؤسسة إعلامية لـ(مجرد الاشتباه) في مصادر تمويلها دون أن تكلف الجهة المدعية نفسها عناء تطبيق القاعدة القانونية التي تقول إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن الاشتباه لا يقيم حجة كافية لإصدار الأحكام على طريقة (قرقوش).
لن نشفق على أوضاع العاملين في هذه المؤسسات ونذكر باحتياجات أسرهم في زمن عز فيه المال وصعبت المعيشة ثقة في أن لهم رب يحميهم، ولكن حسرتنا الكبرى وفجيعتنا العظيمة في مصابنا الجلل مبادئ الثورة التي تجنى عليها القرار وأصابها في مقتل، كنت أظن أن ثورة إبريل وحكومة تغييرها ستضع حداً لتبدل مواقف القوى السياسية بمجرد وصولها الحكم ، إذ سرعان ما تنقلب على القيم التي عارضت من أجلها ووصلت بها إلى السلطة.
ترى كيف أمضى زميلنا الصحفي محمد الفكي عضو مجلس السيادة ليلته ولجنة إزالة التمكين تختاره لدفن حرية الصحافة وقطع أرزاق زملائه في يوم وجع وطني كبير أعاد للأذهان ذكرى تأميم الصحافة (وصمة العار الأبدية) ، وليلة ذبح الإنقاذ لـ (14) صحيفة في ليلة واحدة بتوجيه من الرئيس السابق عمر البشير.
وهكذا دخل (ود الفكي) التاريخ من أسوأ أبوابه واسمه يرتبط بهذه الكارثة والمؤسف كذلك أن كل هذا حدث في عهد زميلنا الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الإعلام بالرغم من بهاء تاريخه النضالي ومسيرته في الدفاع عن الحريات حتى حصوله على جائزة
بيتر ماكلر التي تُمنح مكافأة للصحفيين على شجاعتهم ونزاهتهم أثناء قيامهم بواجباتهم المهنية في العام 2013.
مؤلم حقاً أن تتبدل مواقف فيصل فيبارك ماحدث، ويؤثر أن يحتفظ بالموقع ويضحي بالموقف على غير عهدنا به، فالجمع بينهما صعب في مثل ما تعرضت له حرية الصحافة من انتهاكات لم تكن تروق لفيصل على أيام معارضته للإنقاذ.
بالطبع لم يكن هذا حديث الفلول وحدهم من أنصار النظام السابق، ولا انطباعات صحفي أرهقه التجني على زملاء ومؤسسات إعلامية من حكومة غيرت بمواكب الحرية النظام لكنها وما إن بلغت (الكرسي) حتى تنكرت لمبادئ الحرية والسلام والعدالة وللجميع، عدد كبير من رموز التغيير عارضوا قرار حجز المؤسسات الإعلامية كذلك.
مازال عشمنا قائماً في أن ينصلح الحال ويتبدل القرار، فأهل( الجلد والرأس) في التغيير (يا فيصل وود الفكي) يرون أنكم أخطأتم خطأ كبيراً وانتهكتم مبادئ و(مانفستو الثورة) ، هاهو المهندس عمر الدقير يعلنها داوية (نقف مع تفكيك التمكين.. والموقف المبدئي من حرية التعبير لا يتصالح مع إغلاق الصحف بقرارات إدارية)، ويتبعه فارس النور دينمو الحراك ونجم الاعتصام ليكتب:(دولة القانون والعداله التي نسعى لتأسيسها لاتحتاج أن نصادر بالشبهات أو أن نعتقل شخص بدون تهمه، في دولة العدالة ممكن نخالفك في الرأي لكن مستعدون نموت عشان تقول رأيك بكل حرية) .
ترى هل قرأ فيصل وود الفكي ما أصدرته (صحفيون لحقوق الإنسان) واجهة النضال المعنية بتوثيق الانتهاكات ضد الحريات الصحفية، ونشهد لها بالاتساق والضمير الحي حتى على أيام حكم الإنقاذ إذ جاء موقفها متسقاً مع مبادئ الثورة (إننا فى “صحفيون لحقوق الانسان ” جهر “، ومن موقفنا المبدئي والثابت مع حرية التعبير والصحافة، نرى
خطورة التوقيف والمنع الإداري للمؤسسات الصحفية تتناقض مع شعارات الثورة ، و مبدأ حرية الصحافة والتعبير، وسيادة حكم القانون .
ربما لم يكن المناضل الأستاذ عبدالله رزق وحيداً في الدعوة للاتساق والالتزام بمبادئ الثورة فقد قرأت لرموز إعلامية من أبناء النضال الحقيقيين الزملاء الأماجد عمر عشاري وعارف الصاوي وحاتم إلياس وغيرهم ولكني ساكتفي بفقرة من منشور لأستاذنا المتسق عبدالله رزق
سكرتير تحرير جريدة الهدف، الناطقة بلسان حزب البعث العربي الاشتراكي، عندما وقع انقلاب 30 يونيو 1989
وأحد المشردين من العمل، بجرة قلم في ذلك الوقت ومع ذلك كتب
( أجدني، أرفض رفضاً باتا، أن تقوم حكومة حمدوك التي تمثلني، بمصادرة وإيقاف وسائل إعلامية، “خارج مظلة القضاء”.
مصادرة أم تحفظ؟ ليس مهماً التوصيف، الذي أصبح محل اختلاف،، لكن من المهم من وجهة نظر العدالة، أن يصدر القرار من محاكمة عادلة تتيح للطرف الآخر، غير الحكومة، أن يدافع عن نفسه وعن مصالحه).
نعم كل هؤلاء عارضوا القرار وقالوا كلمتهم في وجه الاحداث التي توثق الآن لاسوأ مراحل عسف السلطة ضد الصحافة والحريات الإعلامية، ضياء الدين بلال ليس وحده في ساحة المقاومة بعد أن شهد شاهد من انقياء الثورة ورموزها المحترمين، ادركوا ما تبقى من ماء الوجوه حتى لا تريقه الغبينة واستعجال تصفية الخصوم ، فالحياة مواقف والتاريخ لن يرحم.

صحيفة اليوم التالي