إبراهيم عربي: (العلمانية) … القشة التي قصمت ظهر البعير ..!
إنتهت الجمعة الماضية 11يناير قانونية تمديد حالة الطوارئ بالبلاد بموجب المرسوم الجمهوري رقم (8) وأصبح القانون وفقا لذلك غير قابل للتجديد تماما كما إنتهي أجل المحكمة الدستورية ، فيما تبوء قانون تفكيك التمكين مكانه متربعا علي العرش ، وبالتالي تكون الموازين قد إختلت ودخلت البلاد في مأزق .
في وقت لازالت الرؤي تتباين فيه حول زيارة حمدوك إلي كاودا ! والتي إعتبرها المؤيدون مهمة لأجل السلام ، بينما عدها آخرون إنتهاكا للسيادة الوطنية وقالوا إنها لم تحقق اي مكاسب للمصلحة العامة ، غير ان الساخرون إعتبروها مجرد زيارة صديق لصديقه ، وقالوا إنها حققت مكاسب كان يبحث عنها عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية – شمال وظل يقاتل في شأنها (تسع) سنوات ، وقد قالها الرجل (إما العلمانية وفصل الدين عن الدولة او تقرير المصير والذهاب كما ذهب الجنوب!) .
بلاشك أن الحلو قد نجح في إنتزاع الإعتراف بشرعية بدولته العلمانية الديمقراطية بكاودا التي دشنها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بشهادة أصحاب الأجندات وتقاطعات المصالح الذين شكلوا حضورا مخططا له وأكدوا دعمهم للحلو ، مع الأسف لم يدرك حمدوك إنه إنتهك السيادة الوطنية وقد أدركت للتو مقولة الإمام الصادق المهدي (حمدوك لا يصلح ليدأن يكون رئيسا للوزراء) فانطبق المثل السوداني (المابعرف ماندوه يغرف .. بكسر الكاس وبحير الناس) .
فجرت العلمانية تلك غضب الجماهير وقد خرجت تزحف في أول تدشين عملي لمشروع (حسم) بمدني في ولاية الجزيرة منددة بالعلمانية لينتقل الموكب إلي غرب كردفان الاسبوع المقبل وما أدراك ما غرب كردفان وقد إنتهي مفعول قانون الطوارئ بالبلاد (الله يكضب الشينة) .
لقد ظل الحلو وأتباعه يدافعون بقوة بأن (حق تقرير المصير لا يعني الإنفصال) ، غير ان التجارب الواقعية أثبتت أن كافة الدول التي تم منحها تقرير المصير صوتت للإنفصال ، ودوننا دولة جنوب السودان كأسوء نموذج لتقرير المصير وإقليم كاتلونيا الإسباني والاكراد في العراق الذين تراجعوا بعد ان صوتوا له وغيرها ، فإن كان الحلو يقصد تقرير مصير مصير النوبة كإثنية فإن النوبة أحرار وهم أصل السودان وهم وحدهم من يقررون ذلك ، ولكن هل يعقل أن ينفصل الأصل ليبقي الجزء ؟، إما أن كان الحلو يقصد فصل المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) فإن ذلك بمثابة الدخول في حقل ألغام دائرية فلكل ولاية شعبها وخصوصيتها ومطالبها .
بلاشك أن العلمانية المقصودة مهما كانت وفق تطبيقاتها المتباينة بين الدول ، مرفوضة ولا يقبلها المجتمع السوداني الذي يتجاوز نسبة المسلمين فيه 95% وهو مجتمع محافظ ووسطي ، وربما أدرك الحلو إستحالة كسب علمانية الدولة عبر الإستفتاء الشعبي ليس في السودان فحسب بل حتي في المنطقتين نفسها ، وربما لذلك جاءت خطة تضارب المصالح تلك تدشين دولته المستقلة والتي أجازها حمدوك في شيك من بياض .
المتابع لخطوات الحلو التفاوضية يجدها تتقدم خطوة إلي الأمام ولكنها حالما تتراجع خطوات للوراء ربما بسبب إرتباط المنطقتين بدولة حنوب السودان وعدم فك الإرتباط بينهما ، ويظل تفويض أهالي المنطقتين لجون قرنق بشأنهما في العام 2002 من أكبر الأخطاء التي قادت لإرتباط المنطقتين بجنوب السودان (سياسيا وأمنيا وأجتماعيا وإفتصاديا) ، وقد أدخلتهما في أزمة تتحمله قيادات الحركة الشعبية التاريخية ، وتتحمل بذاتها أيضا تفويضها الحلو ولكن من هم الذين فوضوه وفيما فوضوه حتي تثاقلت خطاه نحو السلام ؟.
لا أعتقد أن الحلو يكون قد شد الرحال إلي أبو ظبي دون خطة او هدف ، ولا أعتقد أيضا أن دعوة الإمارات للحلو جاءت دون خطة او هدف !، بلاشك أن المصالح المشتركة قد إلتقت في هذه الخطوة !، لاسيما وان الحلو قد أعاب علي رفيقيه (عقار وعرمان) أصدقاء الأمس أعداء اليوم ذات الخطوة ، متهما إياهما (بيع القضية) فهل باع الحلو أيضا القضية والا لماذا سياسة الكيل بمكيالين ؟ ، المعلوم ان كل من حج أبوظبي او إعتمر إليها من قيادات الحرية والتغيير (حدث ما حدث) ! وليس خافيا علي أحد تأثيرات أبو ظبي علي مآلات الثورة السودانية مدنيا وعسكريا ، ولذلك ظلت مباحثات الحلو في ابوظبي سرية يكتنفها الغموض !.
علي كل لا يستطيع أحد التكهن بمخرجات مفاوضات جوبا بشأن المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ، وتعتبر المفاصلة التي قادت الحركة الشعبية – شمال للإنشقاق (الحلو – عقار) من أكبر مهددات العملية السلمية في المنطقتين ، ولا يمكن ان تتم العملية دون نجاح رتق فتق الحركة الشعبية – شمال ، قالها الحلو إنها خلافات جوهرية حول المبادئ والأهداف ، ولكننا لا ولن نغفل مصالح دولة جنوب السودان في العملية السلمية السودانية ، ولن نغفل تعهدات جوبا للحلو وجماعته عشية الإستقلال لهم (لن ننساكم) ولكن هل ستصبح العلمانية القشة التي قصمت ظهر البعير ؟!.
إبراهيم عربي