“وللا اسيبا مدني واجي اقعد حداكا”
على سبيل الاحتياط تجيء حروف أغلب الكتاب السودانيين هذه الأيام نازفة بما يخيف، هذه هي مهمة الصحافة التي تريد أن ترى شعبها يعيش “عيشة” مجتمع الكفاية والعدل، لا أن تراه “مشلهتا” من أجل الحياة العادية التي تبدأ بـ”صلى على عجل” وتنتهي بـ”اتخمد نوم” أو “أن كترت عليك الهموم ادمدم نوم”.
# يهمنا جداً أن نزرع شوارعنا المنسية بالفرح والأمل والأمنيات السحاب.. نريد ان نرتدي “نظارة بمبية” لنرى بها الجانب الفرائحي في البلد، لا أن نزرع الإحباط في قلوب تحترق.. ولكننا لا نريد أن نكذب أو حتى نتجمل على قول شاعر العربية و”الريدة الخرافية” نزار قباني.. الذي قال “كنت مثل نقاد الضرورة قد اجامل”.. كيف نجامل، دام فضلكم، وحياتنا تمشي “خطوة.. اتنين.. مستحيل” والأخطار تفخخ المخارج والمداخل.. كان الود ودنا أن نمتلك ذلك اللقاح الذي يجعلنا نتجاوز ذلك التوسل المفضوح للفنان الكبير “الطيب عبد الله” في رائعته تلك” عود لينا يا ليل الفرح”.. ولكن..
# أنا أحب الاجترار.. ولكن لا أحد يطيق أن يظل طويلاً في محطته القديمة حيث توقف القطار.. و… “ما كنت أود العودة إلى ما كنت قد كتبته في هذه الزاوية في السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي، عن الحريق الذي ينتظر السودان وهناك الكثير من الوميض الذي يتناثر هنا وهناك ونخشى أن يكون له ضرام، حيث قلت: “تحول الصراع السلطوي في السودان، بإعلان مدبري ومنفذي المحاولة الانقلابية الخامسة، الى الحالة التي كان يشتهيها الكثيرون، من اولئك الذين لم ترضهم حالة “البيات” التي عاشتها القوات المسلحة، كما لم تعجبهم “مسكنة” رموز النظام السابق، بكتائب ظلهم، ومليشياتهم، وجيوشهم الكثيرة المستترة، فقد أرادوها حرباً في شوارع الخرطوم، يلعلع فيها السلاح من كل ناحية، ويعزف الرصاص لحناً في كل ناصية.. تشيع الفوضى في البلد كتلك التي أشاعها غياب الدولة في ليبيا.. واليمن، حتى تحكم البلد بوضع اليد.. فيأكل القوي الضعيف.. ويدخل القانون في إجازة علنية تؤكد ذهاب السودان، الذي كان، إلى سكة اللاعودة.
# ثم أضفت: “ما يجري خلف الستار.. يبشر بأن هناك انفجاراً قادماً، وأن هناك حرباً ستدق طبولها في أي لحظة لتقضي على ما تبقى من عافية هذا البلد الطيب الذي أنهكه المرض.. وأقعده فساد الحكام فأبعده عن سوح المنافسة في أي مضمار تتقدم فيه الدول من حولنا حيث تأتي لتحدث عن حاضرها ومستقبلها وتعلن عن نفسها ولكن أين نحن… ؟! نحن ما بين نظام بائد بفساده ولصوصه وبطانته وجهويته وقدرته العجيبة على إنتاج الفشل، ونظام جديد اسمه، السودانيون ضد السودانيين، ارقى شعارات هذا النظام.. “وداد ام جضوم الليلة ما بتنوم”.. أزهى أيقوناته “كاروهات الأصم وعمة صديق يوسف وفيديوهات ماما أميرة.. ونظارات شمس الدين كباشي”.. هذا هو حزب الشكليات الذي لا يمكن أن يحدث تغييراً، لا في المفاهيم ولا في الخطوات السريعة نحو التطور والتطوير.. أخيراً.. لن نمضي إلى الأمام ونحن لا نجيد صناعة شيء نقدمه لأنفسنا والإنسانية.. نحن لا نصنع غير الاحتقان.. وشعارات حزب الكراهية.. هذه الثقافة ستقودنا إلى الحريق.. وأي حريق.. ؟.. انتهى ما كتبته في ذلك التاريخ وحكومة حمدوك تفعل كل شيء يصنع الاحتقان، وتنسى معاش الناس وتتجاهل الأزمات، بينما توحد الإسلاميون وأعدوا الكتائب ليوم كريهة لن يكون فيه “الكاكي” حاضراً لكي يناصر أحداً، اسمعوها مني.. هناك شجراً يسير نحو شر مستطير.. ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد.
# بت أتضجر مما أعيده وأستعيده ولكن ما جرى في حاضرة الجزيرة.. مدينة ود مدني الجميلة من اشتباك بين معسكرين متباينين.. أيقظ هذه الحروف التحذيرية ونخشى أن يخبئ لنا الغيب ما يرسلنا إلى العدم.. هذا آخر اجترار على سبيل الأمنيات بأن يكذب الغد كل حروفي الخائفة.
صحيفة اليوم التالي