مقالات متنوعة

لا تكرروا تهديدات (الراجل يطلع الشارع)!!


ظللنا و(الأرشيف) موجود نحذر النظام السابق من مغبة إهمال قضايا الناس، طالبناه بالاستجابة للمطالب والسعي لتوفير العيش الكريم بدلاً عن خنق أصوات المحتجين ومصادرة حريتهم في التعبير والتصدي لتظاهراتهم بالحديد والنار.
كان رأينا أن كلفة استيعاب احتياجات المواطن أقل بكثير من فواتير قمعه والتصدي له بالحديد والنار والكرباج، أخطأت الإنقاذ حينما رأت وبقصر نظر شديد أنها تستطيع قمع الناس وإسكات أصواتهم بالقوانين والإجراءات والتدابير الاستثنائية، فات عليها في لحظة الغرور السلطوي وضياع البوصلة أن أرواح السودانيين بلغت الحلقوم وأن خياري الحياة والموت يتساويان لدى من لا يملك قوت يومه، عجبت كيف لا يخرج شاهراً سيفه على الناس مثلما قال سيدنا علي كرم الله وجهه.
تأخرت الحكومة السابقة في إطلاق مبادرات سياسية تتصدى للواقع المأزوم آنذاك ، كان غليان الشارع يتصاعد كلما ارتفعت حدة التعاطي الأمني مع الأحداث، غابت الحلول فنهض القمع وأصبح طريقاً لاتجاه واحد مضى بالحاكمين الذين راهنوا على الحلول الأمنية فقط إلى ما نراه اليوم.
وكأنما التاريخ يعيد نفسه، ويبدو أننا سنضطر إلى صرف ذات الروشتة لحكومة ما بعد التغيير المواجهة بذات التحديات الاقتصادية التي عجلت برحيل الإنقاذ، لكنها وللأسف تسلك نفس الطريق الذي يسعى للعلاج على طريقة (البصيرة أم حمد) ، وهي تقطع رأس الثور بعد أن دخل في (البرمة) وتضطر لكسرها لاحقاً.
عجبت لما رشح من انتواء مجلس الأمن والدفاع اتخاذ قرارات لتقييد الحق في التظاهر تحت ذريعة التصدي للمظاهرات والاحتجاجات على الأوضاع في البلاد، مثل هذا الإجراء سيزيد من أوار المواجهات ويذكي من حراك الشارع ويرفع من وتيرة الاحتقان ويضاعف من أزمات بلادنا الأمنية، تقييد حرية الناس في التعبير سيطعن الثورة في أعز ما تملك (الحرية) ويجعل من شعاراتها عرضة للبيع في مزادات السياسة اليومية، ستضطر حكومة حمدوك لبيع المبادئ التي صعدت بها إلى السلطة واحداً تلو الآخر.
ستكون قوى الحرية والتغيير أول من يكتوي بتقييد حق التظاهر لأن مشروعيتها مازالت موجودة في الشارع وسيرتد قرارها على مكوناتها التي مازالت تحتفظ بالمواكب كرصيد ثوري مدخر لتصحيح الأوضاع وإعادة ضبط عقارب الأحداث والتطورات بتوقيت الثورة.
تقييد التظاهر لن يوقف مد الاحتجاجات على أداء ولن يحاصر نزعة الغاضبين على قوى الحرية والتغيير ورغبتهم في تحريك الشارع، الأجدى من كل ذلك التعامل المباشر مع قضايا الناس والانفتاح على حلول من خارج صندوق التفكير الأمني المحدود، الأفضل أن توجه فواتير البمبان وأموال الاستعداد اليومي إلى ما ينفع الناس ويقرب بينهم والسلطة، الأجدى مشروع عقد سياسي يحقق أكبر قدر من التراضي الوطني حول برنامج عمل متفق عليه لعبور المرحلة الانتقالية، أما استراتيجية (الراجل يطلع الشارع)، فقد أثبتت خطلها وعادت بنتائج عكسية على من أطلقوها من أنصار النظام السابق).

صحيفة اليوم التالي