منوعات

من دمشق إلى موسكو…رحالة يقطع أكثر من 6000 كم على ظهر الخيل


بعد أكثر من 10 أشهر على انطلاقه من العاصمة السورية دمشق على ظهر الحصان، وصل الرحالة السوري عدنان عزام إلى نهاية رحلته في العاصمة الروسية موسكو قاطعا أكثر من 6 آلاف كيلومتر.

وخلال الرحلة التي أسماها “سوريا العالم” عبر عزام أراضي كل من الأردن والعراق وإيران وأذربيجان وصولا إلى الأراضي الروسية، تقديرا لمواقف الدول الصديقة الداعمة لوطنه سوريا في الحرب على الإرهاب، ومن أجل تقوية العلاقات الشعبية مع هذه الدول، وتعزيز ثقافة الحوار في مواجهة التطرف والتكفير.

والتقت وكالة “سبوتنيك” بالرحالة السوري في موسكو وأجرت معه حوارا مطولا حول الرحلة وأبرز المحطات بها، وقبل ذلك تحدث عن بداية ظهور الفكرة لديه، وبصورة قصيرة عن حياته قبل الرحلة، فيقول عدنان عزام: أعمل على مشروع سوريا العالم وانفتاح سوريا على العالم منذ 40 عام تقريبا، وتخصصت في بداية حياتي في الدراسة الجامعية في دراسة الإستشراق وكيف استطاع الغرب السيطرة على الشرق، ودرست إعلام وصحافة في باريس وكنت أُدرس في كلية الإعلام في العاصمة الفرنسية.

ويكمل عزام: أعرف أن الحرب إعلامية وليست عسكرية فقط، وبعد أن عشت 9 سنوات في سوريا خلال الحرب وكان لي الشرف أن أكون مع السوريين الوطنيين على جبهات القتال أو في مراسم دفن الشهداء أو على المنصات الإعلامية، حيث كنا يوميا ضمن أرض المعركة إن كانت حربية أو إعلامية.
ويواصل: وفي نهاية الأعمال العسكرية الواسعة عندما استعاد الجيش السوري السيطرة على معظم أراضي الجمهورية العربية السورية، قمت بعمل فيلم وثائقي اسمه “سوريا صورة صمود” وقمت بترجمته إلى اللغة الفارسية والفرنسية والروسية، وذهبت إلى أوروبا وعرضته في الكثير من المدن الأوروبية.

ويتابع الرحالة: لاحظت من خلال عرض الفيلم التأثير الكبير والهائل على الناس الذين شاهدوه، وكان هناك حالات بكاء من بعض الأوروبيين الذين شعروا بعقدة الذنب لأنهم أخذوا مواقف معادية لسوريا بناء على تضليل إعلامي من القنوات الإعلامية، حيث كان هناك أكثر من ألف قناة ووسيلة إعلامية تبث أخبار كاذبة على مدار الساعة تجاه الشعب السوري والعالم أجمع لتكوين رأي بأنه يجب القضاء على النظام السوري.

فكرة الرحلة إلى موسكو
وأشار عزام إلى أنه من خلال هذا الفيلم وبإمكانات محدودة جدا استطاع أن يشكل حالة في فرنسا في عام 2018، حيث تم عرض الفيلم في أكثر من 50 مدينة فرنسية وفي جنيف وبروكسل في بلجيكا، ليعود بعد ذلك إلى سوريا ويقرر التوجه إلى الشعوب التي وقفت مع سوريا في هذه الحرب، ألا وهي الشعب العراقي والإيراني والروسي.

ويوضح عزام أن الفكرة التي دائما كانت برأسه، وبأنه سيذهب على الحصان، ويضيف: لأنني صديق الحصان منذ ولادتي والحصان يشكل رمزية خاصة لدي، وكوني أعتد بقكرة الجواد العربي من الأصالة والقيم والشموخ والانتماء، فالحصان لدي هو جزء من الانتماء وجزء من الهوية، لذلك كانت الرحلة على الحصان.
مرحلة الاستعداد
وعن الاستعداد للرحلة يقول الرحالة السوري: عرضت الفكرة على القيادة في سوريا ولاقت استحسانا كبيرا ومن قبل الشعب أيضا، خاصة وأنا سأتوجه إلى شعوب صديقة اختلطت دمائها بدماء الشعب السوري.

ويتابع: التحضير كان صعبا جدا حيث أننا في حالة حرب، وقد قدمت لي وزارة الزراعة أحد الأحصنة، كما قدم لي أحد مربي الخيول وهو عبد الله السدة حصانا آخرا، وقدمت لي القيادة المركزية لحزب البعث سيارة لترافقني في الرحلة، التي رافقني بها السائق وسيم المحمد طوال الوقت، وكانت هذه السيارة تحمل الطعام والشراب لي وللخيول، وقمت بكتابة بيان صحفي أشرح به للناس عن سبب الرحلة.
وبرر عزام سبب هذه الرحلة بأنه حمل رسالة الإنسان السوري إلى الشعوب التي وقفت مع سوريا في الحرب، وبأنها رسالة أخوة ومحبة وشكر، فلم تكن سوريا فقط تدافع فقط عن نفسها ضد الإرهاب، بل أيضا عن العراق وعن إيران وعن كل العالم، لأنه لو سقطت سوريا لكان العالم أجمع سقط في مستنقع الإرهاب والسيطرة الأمريكية.

انطلاق الرحلة
انطلقت الرحلة في يوم 20 من نيسان/أبريل عام 2019، إلى الأردن لأن الحدود مع العراق كانت مقفلة، ويضيف: اضطررت للوقوف على الحدود مع الأردن لمدة 28 يوم مع الأحصنة، وانتظرنا حتى تدخلت الكثير من الشخصيات وخاصة العشائر العربية التي تعيش في الأردن، بسبب العلاقات الخاصة التي تربطني بها، واستطاعت إقناع السلطات الأردنية بالسماح لي، وعبرنا الإردن إلى العراق.
ويواصل: الرحلة في العراق كانت الأخطر بكل المقاييس، فدرجة الحرارة كانت في الصحراء تقارب 55 درجة مئوية، والمسير في الليل كان ممنوعا لأن الطرقات كلها تقفل ليلا بأوامر عسكرية، والطريق الذي سرت عليه من حدود الأردن في تريبيل إلى بغداد بطول 600 كم هو طريق صحراوي، ولا يوجد هناك أي إنسان باستثناء الوجود العسكري أو الأمني، وعبرنا منطقة اسمها وادي حوران وهي منطقة معروفة بتواجد الدواعش هناك، وهنا عن طريق وكالة “سبوتنيك” أريد شكر الجيش العراقي الذي رافقني يوما بيوم طوال الرحلة، حيث كان هناك عربة مدرعة عسكرية تسير خلفي، لأنهم كانوا يخشون الهجوم من داعش بأي لحظة، وبفضل حماية الجيش العراقي استطعت خلال شهرين كاملين الوصول إلى الحدود الإيرانية في مدينة مهران الإيرانية على الحدود مع العراق.

وعن رحلته في الأراضي الإيرانية يقول الرحالة الذي تجاوز الستين من عمره: عند دخولي الأراضي الإيرانية استقبلتني السلطات هناك وتم تكريمي، وانطلقت باتجاه العاصمة طهران، وقطعت أكثر من 2500 كم، وتفاجأت مما رأيته هناك.

ويكمل: إيران عبارة عن ورشة عمل عملاقة، فقد شقت الطرق في الجبال ومدت السكك الحديدية في كل مكان وأنشأت المصانع والمنشآت الكبيرة، كنت أسمع هذا الشيء لكن عندما تراه بعينيك فالأمر مختلف تماما، وفي إيران تشرفنا بلقاء آية الله علي خامنئي، الذي استقبلنا وخصص لنا من وقته أكثر من ساعتين.
وتطرق عزام إلى عملية تسهيل دخوله إلى الدول على خط سير رحلته وكشف أنه لم يكن هناك أي تنسيق من قبل جهات حكومية لصالحه، بل هو من قام بالتنسيق عبر السفارات خلال رحلته، وقال: عندما كنت في العراق ذهبت إلى السفارة الإيرانية والتقيت بالسفير الإيراني هناك، وهم الذين قاموا بالتنسيق مع السلطات الإيرانية، حيث استقبلتني على حدود مهران الشرطة والجمارك والجهات الأمنية من الحرس الثوري الإيراني.
ويكمل المغامر الكلام عن رحلته ويروي: عند وصولي إلى الحدود الأذربيجانية أوقفتني السلطات هناك لمدة 51 يوم، تماما كما حدث في الأردن، وليس خافيا على أحد أن أذربيجان والأردن تابعتان لمحور الحرب على سوريا، بينما أنا من محور المقاومة، وحاولوا بأي شكل من الأشكال منعي من دخول أذربيجان، لكن تدخل السفير السوري في طهران ووزارة الخارجية الروسية عبر السيد ميخائيل بوغدانوف، فسمح لي بالعبور، بشرط أن لا أتكلم بالسياسة، وفعلا عبرنا مسافة 300 كم في أذربيجان ولم نلتق بأي شخص هناك.
الوصول إلى نهاية المشوار
بعد أن اجتاز الرحالة أراضي أذربيجان الذي قال كأنها لم تكن من رحلته بسبب معاملة السلطات هناك له، قال: وصلنا بعد ذلك إلى حدود روسيا، إلى مكان اسمه مغرامكند، وهي تقع على حدود داغستان، وبقينا ثلاثة أيام على الحدود من أجل إتمام الأوراق الرسمية وغيرها، لأنهم لم يكونوا يملكون معلومات بقدومي على الحصان، وهناك كان لدينا تواصل مع السفارة السورية.

وأشار إلى أنه أنشأ صفحة له على الفيسبوك باللغة الرسمية، كان يديرها أحد أصدقائه في سوريا، وكان يتواصل معه دائما ليخبره عن جميع الرسائل التي تصله من قبل الروس الذين يتابعون رحلته، أكمل: كتب لي أحد الأشخاص اسمه علبي من مدينة محج قلعة بأنه يريد مقابلتي وسألني عن مكاني، فأخبرته بأني موجود على الحدود الروسية، فقدم بسيارته إلى الحدود وساعدني بتسوية كافة أوراقي الرسمية.

ويواصل العزام: أصبح علبي بعد ذلك مديرا لرحلتي إلى موسكو، وكان يذهب أحيانا إلى منزله ومن ثم يعود لمرافقتي، وبقي على اتصال دائم معي، وأحيانا كنت أتصل به لأكثر من عشرين مرة وكان التواصل مع الجميع عن طريقه، وبقي كذلك حتى وصولنا إلى موسكو، وانتقلنا من داغستان إلى الشيشيان ثم إلى أنغوشيا وأوسيتيا ومن ثم إلى كراسنودار وإلى روستوف ومن ثم إلى مدينة فارونج ومن ثم إلى مدينة تولا وبعدها إلى موسكو.
وعن نهاية مشوار رحلته الطويلة قال: وصلت إلى موسكو وزرت السفارة السورية والتقيت بالمسؤولين في السفارة وشكرناهم على المساعدة، وقدم لي السفير السوري رسالة الشكر من وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومن بعدها التقيت بالفعاليات الشعبية السورية والروسية المهتمة بالقضية السورية.
أبرز المحطات
وعن أبرز المحطات والمواقف التي تعرض لها عزام خلال رحلته التي امتدت لأكثر من 10 أشهر قال: أتذكر عشرات المحطات خلال رحلتنا فعندما كنا نصل إلى أحد القرى نرى كل أهل القرية قد خرجوا لاستقبالنا، ولا يمكن التخيل الشعور بهذا الاستقبال، وأن تحس بأن رسالتك وصلت للعالم وأنا أمشي حاملا العلم السوري، فالاستقبال كان لبلد اسمه سوريا، وهذا أعطاني الشعور بأني حققت هدفي، وهذا ما كان يجعلني أنسى التعب والإرهاق والجهد.

ويتابع: كنت أمشي كل يوم 10 ساعات، ولكن عند رؤية الناس تنتظرني كنت أحس بطاقة متجددة، وأبدأ بالسلام عليهم والحديث معهم، وأهل كل مدينة بنسبة كبيرة كانوا يجهزوا لنا المحطة التالية والمدينة أو القرية التي سنصل إليها في نهاية اليوم، لكن في كثير من الأوقات كنا ننطلق ولا نعرف إين سننام ليلتنا، وحصل في بعض الأحيان أننا كنا ننام في العراء.

ويكمل العزام: أمضينا الليل كثير من المرات في إيران، أما في العراق فلم يحصل ذلك أبدا، لأننا كنا نسير دائما برفقة الجيش العراقي، والذي أمن لنا المأوى في الثكنات العسكرية، وفي روسيا في مناطق القفقاز حصل بعض الأحيان ونمنا في العراء، ولكن بعد رستوف كانت معنا السلطات الروسية بشكل كامل، وكان هناك سيارة شرطة بشكل مستمر.
وذكر أيضا أنه تعرض لحادث مؤلم في إيران حيث صدمتهم سيارة، ونفقت أحد الفرسين في وقتها، بينما عانى الرحالة والحصان الآخر من جروح تعالجوا منها، ويكمل عزام: قمت أيضا بعرض فيلمي الوثائقي في عدد كبير من المدن الإيرانية والعراقية والروسية، وفي مدينة فارونج وحدها كان عرض للفيلم في بيت الصحافة هناك، حضره جميع الإعلاميين الموجودين في المدينة، ورأيت في وجوههم أني قدمت شئيا جديدا لهم لم يكونوا يعرفونه، واستمر اللقاء هناك لأكثر من أربع ساعات، وأجبتهم على الكثير من الأسئلة التي طرحوها.

ويتابع عن النشاطات التي قام بها خلال الرحلة: زرنا أضرحة الشهداء الذين سقطوا في سوريا في إيران وروسيا، ووضعنا عليها الزهور، كما وزعنا بعض الهدايا التذكارية للناس، والتي أعطانا إياها أبناء الشهداء في سوريا التي صنعوها بأنفسهم، وقد كتب على هذه التذكارات هدية من أطفال سوريا.

نهاية رحلة وبداية جديد
ويتذكر عزام لحظة وصوله إلى الأراضي الروسية بعد رحلة شاقة وطويلة، ويتحدث عن هذه اللحظة: في أول يوم دخلنا فيه إلى روسيا خرجنا من المركز الحدودي، وأحسست بأني أمشي على سطح القمر من الفرح، وبأني أمشي من دون جاذبية كوني وصلت إلى الهدف، ومشينا 5 كم فقط ودخلنا إلى قرية اسمها “غبسا”، وكانت الدنيا آخر النهار وقابلت بعض الناس هناك ورأوا الحصان، وبالإشارات أخبرتهم عني وأعطيتهم مقالة عني باللغة الروسية، فأخذوني إلى أحد البيوت فدعانا الرجل إلى بيته ووضعت الحصان في الحظيرة مع الحيوانات، وصرنا نتحادث عبر المترجم الإلكتروني ونمنا في بيته.
ويتحدث عزام عن الرحلة ومشروعه الفكري، ويقول: أنا أعمل على مشروع فكري ولكنه في النهاية سيطبق على أرض الواقع، أرغب بتطوير العلاقات السورية مع دول العالم والآن حصرا مع دول محور المقاومة، وهذا المشروع لا تستطيع الدبلوماسية الرسمية وحدها أن تطوره.

ويكمل: اقترحت فكرة اسمها الدبلوماسية الشعبية أو الموازية، فكما قمنا بإنشاء عشرات المجموعات القتالية في سوريا وأسميناها الجيش الرديف للجيش العربي السوري، كذلك نحتاج قوى رديفة للدبلوماسية السورية مؤمنة بوطنها وبرسالتها الحضارية، ولا ننسى أبدا أننا من بلد قدم رسالة حضارية للعالم، وانطلاقا من هذا الأمر نحن اليوم لا يجب أن نسمح لعدونا بالانتصار علينا بالفكر والسياسة التي صدرناها للعالم.
ويتابع الرحالة: أحس اليوم أني حققت إنجاز هائل في هذا المجال وسأستمر عليه ولن أتوقف، ولدي الكثير من المشاريع القادمة، ومع الأخوة في العراق وإيران وروسيا سنطور العلاقات وسنتبادل الزيارات ولكن ليست بالطريقة التقليدية وبالخطابات والصور وغيرها، بل سنقيم علاقات حقيقية بين شعوب هذه الدول وخاصة في مجال التفاعل الثقافي.

وختم حديثه عبر وكالة سبوتنيك ووجه الشكر لكل إنسان ابتسم لرحلة سوريا العالم، ويقول: أخص بالشكر رعاة الرحلة الذين لم استطع إتمام الرحلة من دونهم إن كان القيادة المركزية لحزب البعث في سوريا، والجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة، ووزارة الخارجية السورية ووزارة السياحة والزراعة، وأشكر بشكل خاص الشعب الروسي وأقول له أننا فعلا في سوريا نكن له الاحترام والحب والتقدير، فالشرطة الروسية كانت مثال للمهنية والاحترام المطلق لنا، وأقدم الشكر والتقدير للرئيس الروسي فلاديميربوتين، والذي اعتبره من أهم قادة العالم، كما أوجه التحية إلى الرئيس بشار الأسد والجيش العربي السوري.

سبوتنيك