محمد عبد الماجد

حتى لا تتحول الدولة لدولة (علاقات خاصة)!!


(1)

ï أسوأ ما يمكن أن نحسبه على الحكومة الانتقالية، هي حسبة (الصحبة) و(الشللية) التي يتم عبرها تقسيم الأشياء – إذ تحل صفة (الصحبة) على المؤهل والخبرة والمؤسسية.

ï يظهر ذلك في القسمة (الإعلامية) الواضحة على الكثير من المناصب والمراكز – وهو شيء إن مضت فيه الحكومة الانتقالية سوف يفسد وجه الثورة الجميل – والذي لم نرتقِ بعد لكي نكون في مقامه الجليل.

ï هذا الأمر سوف نعود له تفصيلاً إن جدت الأمور.

أما الآن، فندلف لحوار الأستاذ عثمان ميرغني مع رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك – وهو شيء لا يبعد كثيراً عن ما أشرنا إليه في تلك المقدمة.

ï سوف أنصرف للتعليق على ما كتبه عثمان ميرغني في عموده (حديث المدينة) تحت عنوان (حوار حمدوك) لأن الحوار في حد ذاته قتل تحليلاً وبحثاً وتعرض للكثير من الانتقادات القادحة التي نالت من عثمان ميرغني فجاء لتبريرها عبر مساحته التي كتبها أمس.

(2)

ï كتب عثمان ميرغني (ليلة أمس تشرفت بإدارة حوار تلفزيوني مع الدكتور عبدالله حمدوك رئيس وزراء السودان الانتقالي ..وأسعدني أنه هو من اختارني).

ï هذه الإشارة – لا تبعد عن (نرجسية) عثمان ميرغني التي نشير إليها كثيراً – كان من الأجدى ألا يفسد عثمان ميرغني ذلك (الاختيار) برده لحمدوك – لأن هذا الاختيار نفسه يطعن في الحوار.

ï لكن عثمان ميرغني بذكائه المعهود، أراد أن يقول لمن انتقدوه وحسبوه ينفذ أجندة النظام البائد ويقصد أن يظهر الحكومة في حالة من الضعف، إن حمدوك الذي توسمونه بـ (شكراً حمدوك) هو الذي اختاره لمحاورته.

ï يذهب عثمان ميرغني بشيء لا يخلو من الغرور والنرجسية التي أشرنا لها ليقول عن حواره (بعد أقل من 24 ساعة من موجة غضب جماهيري عارمة على الحكومة الانتقالية ورئيسها، عاد الشارع بقوة بعد الحوار خلف الدكتور حمدوك والحكومة الانتقالية) – هذا فضل يرده عثمان ميرغني إليه، ويشعر القارئ والمتابع إن الحوار لم يكن إلّا من أجل هذا الهدف، خاصة أن عثمان يقول إن حمدوك هو من اختاره لإجراء هذا الحوار..ثم يتجمّل عثمان ميرغني أكثر ويقول: (صحيح أن النبال تحولت الى ظهري، لكن لا بأس في سبيل المصلحة العامة).

ï منتهى التضحية!!.

(3)

ï شيء آخر أثار الكثير من الانتقادات على عثمان ميرغني وبرره بقوله: (ربما أزعج البعض التركيز في الحوار على الدكتور حمدوك أكثر من وزيري المالية والصناعة. والحقيقة أصلاً الحوار لم يكن فيه أسئلة إطلاقاً لغير الضيف الأساسي ولا أصدق أن أي إعلامي تتاح له فرصة محاورة الشخصية الأولى في البلاد، فيطلب مزيداً من الضيوف الأدنى درجة بروتوكولياً!! وكان الاتفاق أن يكون الوزيران مساعدين – بحكم تخصصهما – لرئيس الوزراء، إن احتاج لمزيد من المعلومات منهما، وفي هذه الحالة عليه أن يعيد توجيه السؤال لمن يراه مناسباً، وهذا بالضبط ما كان في الحلقة، إذ أن الدكتور حمدوك تولى توجيه الأسئلة للوزيرين).

ï عثمان ميرغني بقوله هذا حوّل عبد الله حمدوك من رئيس للوزراء وضيف في البرنامج الى مقدم للبرنامج يوجه الأسئلة لوزراء يعملون تحت قيادته، وهذا إضعاف لدور رئيس الوزراء إن كان عثمان ميرغني يقصد (المصلحة العامة) التي أشار لها.

ï كذلك لا بد أن نقول ومن ناحية مهنية وصحافية، إن حديث وزير المالية عن تهريب 450 كيلو جرام من الذهب يومياً بما يعادل 25 مليون دولار او يقل عنها قليلاً يعتبر (مانشيت) رئيس لحوار عثمان ميرغني مع حمدوك مما يؤكد أهمية توجيه الأسئلة لوزير المالية.

ï المواقع والصحف ضجت بعد ذلك اللقاء بالمدة التي حددها وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني لانتهاء أزمة الرغيف وزوال صفوفه عندما أشار الى حاجتهم فقط لـ 3 أسابيع لانتهاء الأزمة. وهذا شيء آخر يشير الى أهمية وزير الصناعة في الحوار، بغير ما أشار عثمان ميرغني وبدد أهمية وجودهما وتوجيه الأسئلة لهما..علماً أن أسئلة عثمان ميرغني لرئيس لوزراء كانت على غرار (كم هو سعر رطل السكر؟)..(وهل يقف حمدوك في صف الرغيف؟)..(وما رأيك في أداء وزير المالية ووزير الصناعة) اللذان أتى بهما للبرنامج ليسأله عنهما؟.

(4)

ï علل عثمان ميرغني طريقة إدارته للحوار مع حمدوك بقوله:(بصراحة في هذا المقام تعجبني للغاية مدرسة قناة سي ان ان

(CNN) الأمريكية التي أتابعها بصورة يومية خاصة البرامج الحوارية كالتي تجريها الإعلامية المعروفة كريستيان امانبور..هذه المدرسة الإعلامية تقوم على المواجهة الندية دون التقيد بالمناصب او ضرورات البرتوكول الديواني).

ï وكأن عثمان ميرغني نسي بحثه عن (المصلحة العامة) في ذلك الحوار حتى يتمثل بـ(كريستيان امانيور) – أعتقد أن طريقة عثمان ميرغني أفسدت الحوار إن كنا نتحدث عن (المصلحة العامة)، أن يكون الحوار (مستلب) شيء يضعفه. حكومة حمدوك في حاجة الى أن تثبت قوتها وهيبتها واحترام الناس لها. والطريقة التي أدار بها عثمان ميرغني الحوار تذهب في الاتجاه المعاكس.

ï من ثم أعتقد أن الثورة السودانية الحالية غنية بتجاربها الخاصة، ونحتاج نحن للأنموذج السوداني القح.

وما أغنى المثل والنماذج التي قدمتها (الكنداكات) السودانيات حتى في المجال الإعلامي، لذلك لم تكن هناك جدوى من تأثر عثمان ميرغني بقناة CNN الأمريكية وكريستيان امانيور، لا الظرف ولا الزمان يسمح بذلك، إلّا اذا كان عثمان ميرغني يبحث عن مجد شخصي له من ذلك الحوار ليكون (نداً) لحمدوك ويجاريه (شكراً عثمان ميرغني)!!.

ï أخيراً تحدث عثمان ميرغني عن (الإيحاء) وعن قوة تأثيره، ونحن نكتب الآن عن (الإيحاء) الذي استنبط من ذلك الحوار الذي علق عليه عثمان ميرغني نفسه..وليس هناك (مباشرة) أعظم من أن (الإيحاء) نفسه عند عثمان ميرغني أصبح بتلك (المباشرة) التي يحدثنا فيه عنها فنرده نحن له.

(5)

ï بِغِم /

ï بقي أن نقول على الذين يعتبرون طريقة عثمان ميرغني وأسلوبه في الحوار شكل من أشكال (الحريات) التي نريدها، وهي تجسيد حقيقي للديمقراطية التي نعيشها، أن يعلموا أن التعليق على ذلك الحوار وانتقاده حتى لو كان ذلك بأسلوب حاد، هو أيضاً شكل من أشكال الحريات والديمقراطية التي تدعون لها.

ï أخيراً نرجو من حكومة حمدوك ألا تسلب إعلاميي التلفزيون حقوقهم في تقديم مثل هذه البرامج، والتي أراها أصبحت تخصص للصحافيين بشكل تام..وهي شيء لا يخرج من (العلاقات الخاصة) التي أشرنا لها في البدء.. وفيها عدم احترام للمؤسسية، خاصة أن ذلك يتم في تلفزيون الدولة (تلفزيون السودان)..وليس في القطاع الخاص.

ï فيصل محمد صالح حاور حمدوك فأصبح (وزيراً للثقافة والإعلام)، وعثمان ميرغني في طريقه الى إطلاق فضائية (التيار) او

صحيفة الأنتباهة