عذاب الترخيص!
لا أحمل هماً طوال حياتي، أكبر من ما أحمله وأنا ذاهب لإجراء معاملة ضرورية في مجمعات خدمات الجمهور.
> شاءت الأقدار أن ينتهي أجل ترخيص السيارة ورخصة القيادة في توقيت واحد، إضافة إلى البطاقة القومية!.
> لم تترك لنا (كشات المرور) مجالاً غير الذهاب إلى إحدى هذه المجمعات على مدى يومين متتاليين لإنجاز مهمة من المفترض ألا تستغرق أكثر من ساعتين على أسوأ فرضية، لكن ما حدث هو أنني اضطررت للذهاب مرتين بعد أن ضاع يومي الأول في الهرولة بين (الشبابيك) بأيادٍ ممتلئة بأوراق لا أدري أهميتها في ظل (الحوسبة) التي أعلنوا عنها قبل سنوات.
> لم أستخدم ميزة (التعامل الخاص) كوني صحافي وقررت أن أخوض التجربة مع غمار الناس لأقف على حجم معاناتهم والمدى الزمني لإنجاز معاملاتهم.
> سأبدأ منذ وصولي باكراً لإكمال إجراءات ترخيص السيارة بوقفة طويلة وسط أجواء يناير الباردة، وفي مساحة مكشوفة، امتد فيها صف متعرج أمام (شباك)، قالوا يجب أن نسحب منه الأورنيك الأول.
> استغرق هذا الأمر قرابة الساعة والنصف، لأن التعامل يتم بسلحفائية غريبة، ثم انتقلت لخطوة أخرى بحثت فيها عن مسؤول فحص المركبة، ثم (شباك الدفع) الذي وصل فيه سعر الأورنيك إلى ثلاثمائة جنيه بالتمام والكمال.
> ذهبت إلى مسؤول الدفاع المدني أحمل (طفاية الحريق) فأخبرني أنها صغيرة ولا تصلح، لتدهمني مفاجأة أن سعر الجديدة هو ستمائة وخمسون جنيهاً.
> بعد إدخال السيارة للفحص الآلي ومقابلة الضابط المسؤول، أشاورا بالذهاب إلى الصالة لتبدأ معاناة أخرى مع صفوف (الدفع) التي يتم فيها استقبال جيش جرار من المواطنين بنافذة واحدة استهلك انتظار الوصول إليها قرابة الساعتين.
> استخرج (المحاسب) إيصالاً ضخماً حوى تفاصيل دفع رسوم الترخيص، علماً بأن ما دفعته خارج الصالة من (طفاية حريق وأورنيك فحص) لا علاقة له بالرسوم داخل الصالة.
> المهم، هذه هي رسوم الترخيص داخل الصالة: (600 جنيه سنوي ملاكي صغير، 40 جنيه استيكر، 300 جنيه استمارة – تم دفع رسوم استمارة بالخارج أيضاً –، 30 جنيهاً دعم طلاب، 250 جنيهاً فحص إلكتروني، 70 جنيهاً بحث أمني مستندي، 140 جنيهاً دمغة، 65 جنيهاً الكربون، 40 جنيهاً تشجير، 3 جنيهات شرطة، 100 جنيه طرق، 150 جنيهاً خدمات الدفاع المدني ولاية الخرطوم، 200 جنيه الضريبة القومية على المركبات). المجموع الكلي 1988 زائداً 300 جنيه استمارة خارج الصالة، زائداً 650 جنيهاً طفاية حريق، زائداً 40 جنيهاً تصوير مستندات، ليقترب جملة المدفوع قرابة الثلاثة آلاف جنيه، غير التأمين.
> هل انتهى الأمر؟ لا.. عليكم بالصبر قليلاً.. يجب عليك تصوير إيصالات الدفع لتصطف مجدداً في الطابور إلى أن يحين دورك في ماكينة واحدة، ثم تعود للشخص المسؤول بمجموعة من الأوراق، لتذهب بعدها إلى قاعة الانتظار وما أدراك ما الانتظار في هذه الجزئية!!.
> ظللت قرابة الساعتين، أسترق السمع لـ(يندهوا) اسمي، وجلت ببصري داخل الصالة، فوجدت أن معظم النوافذ خالية من الموظف المسؤول، رغم كثافة المواطنين.
> عندما استلمت رخصة السيارة، وتم إلصاق (الاستيكر) على الزجاج الأمامي، نظرت في الساعة فوجدتها الواحدة ظهراً، أي أنني استغرقت أكثر من خمس ساعات، فهرولت للحاق بدوام العمل وأرجأت (تجديد رخصة القيادة) لليوم التالي.
> خرجت على عجل في الصباح الباكر لألحق بموقع متقدم في الصفوف، وبدأ مسلسل (الدفع) من جديد وعلى دفعتين كالتالي: (الرسوم الأولى كانت لفحص طبي لاستخراج رخصة قيادة تجديد 250 جنيهاً)، والدفعة الثانية جاءت كالتالي: (525 جنيهاً رسوم تجديد رخصة ملاكي، 65 جنيهاً دمغة، 25 جنيهاً دعم الطلاب، 5 جنيهات شرطة)، ليصل جملة المدفوع لتجديد رخصة قيادة إلى (870) جنيهاً.
> لا تسألوني كم استغرق الأمر لتجديد بيانات أصلاً هي موجودة في الحواسيب، لأن أهمية الزمن شبه معدومة في دواوين الحكومة ومجمعات خدمات الجمهور، ولكن أسألوني عن رسوم الطرق والدمغة والاستمارة (الدبل) وسعر الطفاية والكربون والتشجير!!!.
> وإن سألتموني عن 600 جنيه تم دفعها تحت اسم (سنوي ملاكي صغير) لن أجد إجابة، خاصة وأن هناك ضريبة مضمنة في الإيصال 200 جنيه.
> هل نلوم أصحاب المركبات إن تهربوا من الترخيص وتجديد الرخص؟! شخصياً لن ألومهم لأن التكلفة باهظة والزمن مهدر.
> نسيت أن أقول لكم أنني تركت أمر تجديد البطاقة القومية بعد أن صرت على وشك الإفلاس، وكدت أفقد عملي بسبب التأخر عن ساعات الدوام الرسمية ليومين متتاليين.
صحيفة الأنتباهة