مزمل ابو القاسم

فساد شديد .. وتمييز جديد


* خرج شبابنا الوثاب في ثورة ديسمبر المجيدة، وجادوا بالنفوس، ورووا الأرض بالدماء الطاهرة، وأشعلوا الطرقات بالهتاف الداوي، وشدخوا الفضاء بالضجيج، ونثروا الضياء في كبد السماء، سعياً منهم إلى القضاء على مواريث التمييز السالب في العهد البائد.
* ثاروا على الواقع الكئيب كي يحرروا بلادهم من رِبق الفساد، وأسر التخلف، وقيود الظلم، وينقلوها إلى آفاق الحرية والسلام والعدالة.
* رفضوا عهد التمكين وإرث التمييز جملةً، وركلوه بجرأةٍ تدير الرؤوس.
* تمييز حزبٍ على بقية المكونات السياسية، وتمييز أعضاء طائفةٍ سياسية بعينها على رصفائهم من الطوائف الأخرى، والتحكم في المناصب القيادية للدولة، ووضع خاتم التنظيم على الخدمة المدنية والقوات النظامية والمواقع الدستورية كافة.
* استهدفت الثورة القضاء على إرث التمييز السالب لمن هيمنوا على مقدرات البلاد، وسطوا على ثرواتها، ونهبوا خيراتها، وأشاعوا فيها الفساد حتى عمَّ البر والبحر، واضطر النظام البائد نفسه إلى الاعتراف به، ليطلق على كبار سارقيه لقب (القطط السمان)، ويطارد بعضهم ليضعهم في المحابس والمعتقلات.
* لذلك نقول بالصوت العالي إن الصمت على أي تمييزٍ جديد، والتصالح مع أي فساد في عهد الحرية يحويان خيانةً لا تغتفر لدماء الشهداء، وآهات المصابين، وأنَّات المعتقلين، لأنه يزدري إرث ثورةٍ حار في وصفها القلم.
* اختيار شركة بعينها من بين آلاف الشركات الخاصة لمنحها ميزة تصدير الذهب بقرارٍ حكومي جائر فعل مستنكر، يماثل إرث النظام البائد، ولا يشبه العهد الجديد في شيء.
* واعتراف مُلاك الشركة المحظوظة بأنهم حصلوا على سعرٍ يخالف التسعيرة الرسمية للدولار من وزارة المالية وبنك السودان يضعهم ومن ميزوهم في مرتبةٍ واحدةٍ مع الرئيس المخلوع، الذي أدانته المحكمة بتهمة التعامل غير المشروع بالنقد الأجنبي.
* بل أن فعلهم يفوق فعله في القبح والتجاوز، لأن المخلوع تعامل مع فرد ليتمكن من تبديل العملة الأجنبية بجنيهات السوق السوداء، بينما أتى هؤلاء فعلتهم مع الوزارة المكلفة بحفظ المال العام، وبسط ولاية الدولة عليه، وحصلوا على التمييز المخل من البنك المركزي الذي يحظر قانونه التعامل مع الدولار بخلاف السعر المعلن.
* حساب عوائد الصادر بخمسة وعشرين جنيهاً للدرهم الإماراتي، وواحد وتسعين جنيهاً ونصف الجنيه للدولار، وتسديده لشركة الفاخر بتلك القيمة مخالفة شنيعة، تستوجب الاستهجان والاستنكار والمحاسبة، وتدل على أن إرث العهد البائد ما زال سارياً، لم يتغير منه شيء.
* في المؤتمر الصحافي الذي عقدته شركة الفاخر قبل يومين أقر رئيس مجلس إدارتها بأنه كان مساهماً في ثلاث شركات (كاجوكاجي، وجتَّب وترياقكو)، واعترف بأن الشركات المذكورة نالت تمويلاً من بنوك تجارية، ثم أشهرت إفلاسها، ولم تسدد ما عليها للبنوك التي أقرضتها.
* المبالغ الضخمة التي أهدرتها الشركات الثلاث تمثل مالاً عاماً، لأن قانون البنك المركزي يعتبر أموال المصارف عامة، وبالتالي فإننا نتساءل: هل يضمن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي أن لا تكرر شركة الفاخر ما فعلته الشركات الثلاث التي كان رئيس مجلس إدارة الفاخر من أبرز مساهميها، لتشهر إفلاسها ولا ترد حصائل صادرات الذهب إلى البنك المركزي؟
* لماذا تم منح (الفاخر) كامل قيمة الحصائل من دون أن يتم خصم نسبة (10%) منها، لتسدد لها بالسعر الرسمي للدولار مثلما يفعل البنك المركزي مع بقية شركات الصادر؟
* منذ متى كان بنك السودان يتعامل بغير السعر الرسمي للدولار؟
* ما زالت أمام قوى الحرية والتغيير وحكومة حمدوك فرصة لتصحيح هذا التجاوز القبيح، كي تثبت أنها بحجم العشم، وبقدر التحدي الذي وضعها أمامه من قدموا أنفسهم ودماءهم فداءً للتغيير.
* حاربوا الفساد قبل أن يستقوي وينبت من جديد.

صحيفة اليوم التالي