السودان .. أزمة في استمرار النجاح !!
اعتدنا على إضاعة البدايات الجيدة وعدم إحسان ختام الهجمة، نتألق على مستوى المقدمات لكنا نفشل في ترجمة حماسها وبهائها إلى نهايات سعيدة، كم مشروع بدأ بقوة ثم انتهى إلى حطام وذكريات توثق لفشل عظيم.
المحافظة على لحظة الاشتعال والبريق الأولى مهارة لا تتوفر لدينا كسودانيين إذ غالباً ما تتواطأ ظروف عديدة مع ميلنا الفطري لعدم المحافظة على الانتصارات والتميز فنخسر كالمعتاد في الدقائق الأخيرة وتتحول إشراقاتنا إلى ذكريات و(وجع قلب).
كثير من المشروعات الكبيرة في مجال الصحة وخدمات المواطنين بدأت بزخم واشتعال وحماس ثم انتهت إلى أطلال وخدمات ضعيفة، لماذا لا نتقن ديمومة الإنجازات وحقن أحلامنا مشروعاتنا بالتوهج الدائم، غالباً ما يشيخ اهتمامنا بالأشياء مع نشوة البداية فتسقط المشروعات الكبيرة في مصيدة ما اعتدنا عليه من خسارات تتفاقم مع مرور الوقت.
(لكل بداية نهاية) مثل لا تعترف به المشروعات القائمة على جودة الإدارة وما تقره المناهج العلمية في تنمية وتأهيل الكوادر و(إنجاح البزنس) والأعمال الكبيرة، تظل المشروعات نكهة تقاوم الزمن إلا في السودان، لحظة التوهج هي نقطة الاحتراق.
أسوق هذا الحديث وفي الخاطر مشروعات عديدة انتهت إلى أطلال بفعل الإهمال وفشلنا المزمن في الحفاظ على النجاحات، أين ذهب بهاء المرافق الصحية التي كانت تفتتحها الحكومة صباح مساء، لماذا انتهت حوادث بحري وإبراهيم مالك والتركي والأكاديمي وغيرها إلى خدمات رديئة وبائسة، كيف تراجعت منارات إنجاز مثل مستشفيات النو والفتح وشرق النيل وأم درمان وغيرها إلى محض مبانٍ بلا معاني لا تضيف لخارطة الصحة إنجازات يومية في خارطة التميز وتخفيف أوجاع الناس.
قبل أعوام كتبت تحت عنوان (خبر سعيد) مقالاً احتفى بالمجمعات التي أنشأتها الشرطة لتقديم الخدمات للمواطنين بما يحقق انتشاراً يخفف الضغط على المراكز المحدودة التي كانت توفر الخدمة آنذاك.
أكثر ما أعجبني في هذه المجمعات بيئتها التي تحترم آدمية الناس وتمكنهم من قضاء مطلوباتهم برضاء ويسر واطمئنان، وللأمانة فإن إدارة الشرطة حافظت على هذا الوضع لسنوات لكني انبه الآن إلى وجود تراجع ملحوظ في مستوى الخدمة وبيئة هذه المجمعات التي تحتاج إلى خطة عاجلة تعود بها إلى سيرتها الأولى، كثرت الشكاوي في الآونة الأخيرة من بطء الإجراءات والتأخير والعنت الذي غالباً ما يجده المواطن داخل هذه المراكز .
انظروا إلى صالات مطار الخرطوم كيف انتهت إلى أوكار أماكن بائسة تفتقر لأبسط المقومات المطلوبة في مثل هذه المواقع، ظل المصعد الكهربائي مثلاً معطلاً في الصالتين وصول ومغادرة لم تمتد إليه يد الصيانة ،وكثير من المظاهر هناك تؤكد التراجع المستمر في خدمة الكاونترات وسير العفش وعربات نقله.
المؤلم أن كل ما تفاءلنا بمشروع تراجع إلى الوراء، عمر التميز قصير وحجم الخراب كبير، تعوزنا المحافظة على البدايات ويخذلنا استمرار الخسائر كلما تقدم الوقت.
صحيفة اليوم التالي