حسين خوجلي

الخليفة عبدالله يلقن سيداو درسًا قاسيًا


في انتخابات الديمقراطية الثانية , كنا بالمدارس بالمدارس الوسطى , ورغم اليفاعة , إلا أن أم درمان تكسبك مهارة اختزان الشخوص والأشياء والأحداث والافكار . وأذكر أن أخطر ثلاث دوائر كانت في السودان هي دائرة الجبلين حيث كانت المنافسة بين السيد الصادق المهدي ( رئيس حزب الأمة جناح الصادق )، والأمير محمد داؤود الخليفة مرشح حزب الأمة جناح الإمام . أما الدائرة الثانية الأكثر صيتاً , فكانت دائرة المسيد بين الدكتور حسن عبد الله الترابي نجم أكتوبر وقائدها وزعيم الإسلاميين الشاب بعد تنحية الرشيد الطاهر بكر المحامي , والتاجر مضوي محمد أحمد , أحد الكوادر الشعبية القريبة من الأزهري . كان الناس في كل أنحاء السودان يتحلقون حول أجهزة الراديو تراتسيستور , والتلفزيون الأبيض وأسود في بيوت الأثرياء والأعيان , والميادين العامة . كان الجميع يترقبون في شغف وقلق , صوت المذيع الراحل أحمد سليمان ضو البيت , وعبد الرحمن أحمد , ومحمد طاهر , وكانت المفاجأة , فوز محمد داؤود الخليفة على منافسه الصادق المهدي , وفوز الشيخ مضوي الجلابي البسيط على عميد كلية القانون الدكتور حسن الترابي وفوز عبد الخالق محجوب المستقل عن الدائرة الثالثة على أحمد زين العابدين المحامي. وقديمًا كانت هذه الدائرة , هي الدائرة التوأم التي فاز فيها بأم درمان الزعيم الراحل اسماعيل الأزهري على مرشح حزب الأمة والأنصار السيد عبد الله الفاضل المهدي والد السياسي الذرائعي والمثير للجدل مبارك الفاضل المهدي , ولا أنسى دائرة الجبلين لأننا كدنا أن نفقد فيها ابن عمنا رجل الأعمال والرياضي المطبوع الراحل ( صديق خالد ) الذي ما إن سمع النتيجة حتى أغمي عليه
ودخلت الأسرة في جزع وحيرة وغيبوبة حتى أفاق الرجل فتنفست أم درمان الصعداء وبقيت دمعة فقدان الدائرة على وجوه الكثير من الأعين الأمدرمانية . وعندما قابلت السيد محمد داؤود الخليفة في بداية التسعينات وطلبت منه أن يكون ضيفاً على برنامج أيام لها إيقاع التلفزيوني , مازحته قائلاً لولا لطف الله يا سيادة الأمير , كان سيكون بيننا ثأراً ودية . ضحك الرجل طويلاً وقال لي أن السيد صديق خالد عليه الرحمة كان من أصدقائي , مثلما أن أهله القرشاب الأنصار كانوا عشيرتي . والسيد الأمير محمد داؤود الخليفة عليه الرحمة , كان حجة في التاريخ العالمي وتاريخ الإدارة في السودان . وله معرفة عميقة بأسرار الدولة المهدية وخلفاء المهدي خاصة أن جده الخليفة عبد الله ود تور شين , خاصة انه جده عبدالله التعايشي كان مفتاح المجهدات في العالم الاسلامي المستكين آنذاك. وكان الرجل مديراً للبنك الزراعي قبل أن يكون وزيراً في عدة حكومات .
وحكى لي عن صداقته بالشاعر الراحل إسماعيل حسن , الذي كان يدير العلاقات العامة والإعلام بالبنك الزراعي , ومن ما فاجأني به , أن لإسماعيل حسن عشرات البرامج في الإذاعة السودانية , تحكي شعراً عن مراحل الزراعة من لدن تسوية الأرض حتى الحصاد , وكان مزارعو السودان يحفظونها عن ظهر قلب , والتي تجمع بين متعة الشعر وصدق المعلومة . وللأسف بحثت في مكتبة الإذاعة فلم أجد حلقة واحدة من أشرطة الريل القديمة التي كنت أبحث عنها وأنا أقدم برنامج من دفاتر التراث السوداني عن أعمال هؤلاء المبدعين الكبار وقد حكى لي الرجل مجموعة من الحكايات والطرائف الموحية عن جده الخليفة أرجو أن يكون قد أثبتها في مذكراته الخطيرة التي لم تصدر بعد . فقد حكى لي أن أحد ملازمي البقعة الذي كان يشرف على السوق ويقدم له تقريراً يومياً عن معاش الناس والأسعار والسلع , أخبره أن إمرأة ( مفتولة العضلات وذات جرأة وسطوة , تسمى ( بالضكرية )، قد تسيدت السوق وقد أذرت بسمعة الرجال فكل من يتطاول عليها قولاً أو فعلاً , كانت ترديه أرضاً وتوغل في ضربه وتبريحه حتى خاف منها الجميع . وأصبحت تشكل مصدر إزعاج للسوق وللرجال .فأمر الخليفة مجموعة من الملازمية الأشداء أن يقيدوها , ويأتون بها مخفوره وفعلاً احضروها عنوة. كانت امرأة فارعة القوام , ومفتولة العضلات , وغلامية الوجه , وفيها مسحة من الجمال والرهبة . سألها الخليفة هل هي إمرأة ؟ أم رجل ؟ فلم تجب ولكنها أرخت رأسها وحدقت في التراب , فأمر شيخة (الحوارات ) بتفتيشها ورفع تقرير عن جنسها حالاً بواسطة إمرأة مثلها , فجاءت المرأة بعد دقائق معدودة وقالت في حياء لأبي شيخ الدين , إنها ( فتاية يا سيدي ) . فنادى الخليفة سيدي (وقرة عيني) , وأول رئيس دولة شرعي بالسودان , نادى أحد عماليق الأنصار وقال له بصوت حازم وآمر يا شيخ المجاهدية , وحبيب المهدي , لقد زوجناك هذه الفتاية على سنة الله ورسوله , وعلى بيت المال المهر والهدية والوليمة . ارتعدت فرائص الأنصاري العملاق ونظر صوب الضكرية شذراً ورمق الخليفة بطرف خفي . فوجد نظرة الخليفة نافذة في وجهه وفي فمه بقايا الجملة الأخيرة الآمرة . فأيقن أنه أمر دين وأنه خارج في (شان الله ) ودون الغوص في التفاصيل. قال الشاهد أنها شوهدت بعد شهر من الزفاف تسابق نديداتها نحو حفرة الدخان بفركة مضمخة وعقد يتلألأ على نحرها الوضيء , ويداها مخضبتان بحناء الدامر الشهيرة وقد رزقت من بعد بمجموعة من الأبناء تزينهم الصلابة والرجولة، وبنات تزينهن القامة الفارعة والجسد المياس , ومن أحفادها الآن رجل أعمال شهير وديبلوماسي , وفتاة غنى لها معظم شعراء الحقيبة . إنها هدية متواضعة من الخليفة عبد الله لأول مؤتمر يعقد لمناقشة ومراجعة إتفاقية سيداو . وللدكتور علي بلدو وآخرين
حسين خوجلي

صحيفة الأنتباهة