ايمن كبوش: البرهان ..“يا غرقت يا جيت حازما”
هذا هو حال رئيس مجلس سيادتنا السودانية، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الذي كرر ما كان قد سبقه إليه الرئيس السابق عمر البشير، وذلك عندما قام، والليل في بداياته، بزيارة سرية إلى العاصمة السورية دمشق، والالتقاء بالرئيس بشار الأسد، ولعل التاريخ يعيد نفسه هنا ليقول إن البشير كان يعيش أيامه الأخيرة ويجابه تلك الحالة النفسية الصعبة التي فرضها عليه الواقع الصعب وأبرز علاماته هي تلك الأزمات الداخلية الخانقة التي تبدأ بالاقتصاد وتنتهي عليه، هذه هي الأزمات التي يلتف حبلها الآن حول عنق السيد رئيس مجلس السيادة البرهان.. فأين المفر؟
# لا البرهان الذي التقى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولا البشير الذي حطم طوق العزلة المفروض على حكومة الأسد، أخطرا حكومتيهما بما قاما به من اختراق معلوم كان له ما بعده في المشهد السياسي السوداني والإقليمي، صحيح أن ما قام به البشير لم يعره الشارع السوداني حقه ومستحقه من الاهتمام باعتبار أن الشارع وقتها كان قد “قنع من خير في البشير”، بينما يختلف الحال الآن بالنسبة لخطوة البرهان “الجابا كبيرة” مخترقاً بها جميع الحواجز والأسوار التي صنعت من إسرائيل شبحاً مخيفاً تخشاه المجالس وترتعب منه الحكومات.
# لن تعدي هذه الزيارة بالشكل الذي يمكن أن يعتقده أولئك الذين يستسهلون هذه الفعلة بسؤال مفتاحي على شاكلة “نحن إسرائيل مشكلتنا معاها شنو”.. إذ إنه رغم مفتاحيته، أي السؤال، وأهمية الإجابة عليه سيجيء الرد عملياً من منصات الواقع المأزوم في المشهد السوداني الذي يعاني من استقطابات حادة وخطاب بات أكبر من خطاب الكراهية، شهدنا ذلك في ملفات عادية بطبيعة الحراك السياسي الذي أسقط نظاماً حكم البلاد لثلاثين عاماً، فما بالكم بأن يتحرك جنى الاستقطاب الكامن فينا ليتحدث ويثور ويضج بملف ملتهب ينادي بالمصالحة مع إسرائيل والتطبيع مع حكومة الكيان الصهيوني.
# تجاوز البرهان الأسوار ولم يضع الموضوع في طاولة أي نقاش.. بخلفية أن الحكومة التي تختلف وترتجف حول رفع الدعم من عدمه، لن تكون معيناً له في ملف حساس مثل ملف التطبيع مع إسرائيل.. لذلك آثر البرهان أن يتعامل مع “كوة النار” التي قذفها في المشهد السوداني بسياسة الأمر الواقع أو قولوا “يا غرقت يا جيت حازما”.. وهي حكمة سودانية تصف حال من يقفز في الظلام دون أن يتحسب لما سيكون عليه الحال.
# عندما قام الرئيس المصري محمد أنور السادات بزيارته المفاجئة لتل أبيب.. كان يفكر فيما ينبغي أن يفكر فيه أي قائد.. وهو ألا يموت الجندي المصري “سمبلة” وأن يدفع به في مماحكات السياسة.. وألا يتضرر المواطن المصري في حقه الطبيعي والقانوني في الأكل والأمن ومستقبل الأطفال.. كان الرجل يبحث عن مصالح شعبه باقتحام أرض العدو دون أن يخوض حرباً أو يضرب طلقة واحدة.
# لا غضاضة في أن “نطبع” مع إسرائيل أسوة بالعرب من المحيط إلى الخليج، ولكن ينبغي أن تكون مصالحنا، كشعب، هي محرك البحث الذي سيقودنا علناً إلى رفع العقوبات المفروضة علينا وأن يحذف اسمنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإسقاط حكم المحكمة الأمريكية القاضي بدفع تعويضات ضحايا المدمرة كول، أي مشروع “تصالح” يبتعد عن هذه المطالب، يعني بأن البرهان سوف سير على ذات الدرب الذي قاد البشير إلى فصل الجنوب بخديعة دولية جعلته يغني ليل نهار: “اتاريني كنت ماسك الهوا بيديا”.
ايمن كبوش
اليوم التالي
فبراير 5, 20200