حسين خوجلي

حسين خوجلي يكتب: (علَّك ما بعتنا رخيص)!


بعد أن استوفى المجاهد عثمان دقنة كل مشروعه النضالي وبعد أن دانت هذه الأرض الطيبة للمستعمر البغيض، تسلل الثائر صوب الشرق البعيد بعد كرري وعينه فياضة بالدموع وقلبه وجسده مثخن بالجراح ومرقعته مغسولة بالدماء، لاذ بكهف عسير بجبال البحر الأحمر الشامخة، وكان صديقه (المخلص!) هو الوحيد الذي يعرف سر الرجل، وكان يأتيه خفية بالطعام والشراب، وقد علم قلم المخابرات البريطانية برحلة المجاهد الخطير وخبثها ومكرها المعهود اصطادت للصديق وغمرته كعادتها مع كل ضعيف بالرغبة والرهبة. وذات ظهيرة سيئة السمعة إلتقط المحارب العجوز أصوات أرجل تقترب من فتحة الكهف، فإستعد بسيفه، ولكن الغلبة والعددية هزمت الشجاعة فتم إقتياد الأدروب النبيل صوب مصيره المجهول. وقبل أن يغادر إلتفت صوب صديقه القديم بنظرة إحتقار حارقة وقال جملته التي شاعت وسط القرى الجريحة: (أنا إنقبضت يا فلان .. علك ما بعتني رخيص).
لقد ظل الشعب السوداني مثل عثمان ستين عاماً يقف على خندق المقاومة يناصر ثوار الجزائر ويعاضد جيش القنال ويمسح بمواقفه السياسية والنضالية أوضار التقهقر عن وجه كل عواصم الثوار والمناضلين، ليس لأنه ثري أو مكتفي، ولكن هذا الشعب جبل على مناصرة كل ضعفاء قوى الخير والسلام، ولم يبق للسودان والسودانيين إلا هذا الشرف حتى عندما وقف هذا الشعب الراكز وهذا الجيش الشامخ ضد الإمبريالية الجديدة كان حظه أبداً السمعة الطيبة والصيت المبارك، حتى قال في حقه الشهيد أحمد ياسين: (لم يبق في هذا الزمان إلا امريكا والسودان). وستظل الخرطوم كما كانت نصيرة لعرابي وعبد القادر الجزائري ولوممبا وكنياتا وبن بلة والقسام واليندي شيلي ومانديلا وجميلة وأخوات جميلة. ستظل الخرطوم عاصمة اللاءات الثلاث رغم أنف الإنبطاح والإرتزاق والخيانة ستظل مثل كل العفيفات .. حرة تموت ولا تأكل بثدييها.
لقد هزتنا جداً هذه المصافحة المشؤومة ما بين الخرطوم المغلوبة على أمرها وتل أبيب الملطخة الأيدي بدماء الشرفاء، فزعيم الكيان العدوان كان يبحث عن بطاقة انتخابية لدى المجتمع الإسرائيلي الذي نفر منه لدمويته وفساده، وكذلك ترامب المهزوز المهزوم والإنتخابات القاسية على الطريق. عدنا بخفي حنين مثلما عادت عمان الأردن وقاهرة المعز، وعادوا هم بكل الأسلاب والغنائم والإنتصارات المعنوية والمناصرة المجانية لصفقة القرن. وتبقى الرسالة الفياضة بالصبر والمبدئية هاتفة في قلب كل العواصم السجينة. نحن إنقبضنا.. علك ما بعتنا رخيص!!.

حسين خوجلي
الانتباهة